رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


الوكالة الدولية للطاقة .. قصة قصيرة

أسست الوكالة الدولية للطاقة في 1974 وهي منظمة دولية تحت إدارة منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، وتعمل في مجال البحث وتطوير وتسويق تقنية الطاقة واستخداماتها، وتقدم توصيات بشأن السياسات والتحليلات عن قطاع الطاقة العالمي. وتضم الوكالة 28 دولة من دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وأستراليا وغيرها، أو لنقل حصريا على دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية فقط. في المقابل، نرى أن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية هي منشأة اقتصادية حكومية دولية تشمل 38 دولة، وأُسست في 1961 لتحفيز التقدم الاقتصادي والتجارة. ولا يوجد أي تقاطع بين منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية والوكالة الدولية للطاقة مع الأمم المتحدة من حيث الإشراف أو الرقابة الدولية. وتقع مقار منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية والوكالة الدولية للطاقة في باريس. لقد جاء إنشاء الوكالة الدولية للطاقة في أعقاب حظر البترول 1973 ولم تستطع منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ولا لجانها الداخلية التعامل والاستجابة بفاعلية في الأزمة. لذلك نرى أن الوكالة الدولية للطاقة تمتلك رصيدا من البترول يمكنها من التدخل في السوق من أجل حماية أعضائها فقط، مثل تدخلها خلال حرب الخليج الثانية في 1991 وإعصار كاترينا في 2005. وتعمل الوكالة ضمن الإطار المالي لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، لكن تتلقى بعضا من التمويل من مصادر خاصة "كما يذكر موقع الوكالة" ومساهمات عينية على هيئة موظفين على سبيل الإعارة، ولا تقدم الوكالة الدولية للطاقة منحا أو قروضا مثل صندوق النقد الدولي. وتدعي الوكالة أن بياناتها هي الأكثر موثوقية وشمولية لبيانات الطاقة العالمية، وهذا ما سنتوقف عنده لاحقا. لقد كان الغرض من إنشاء الوكالة الدولية للطاقة لكي تكون مناكفا للدول المنتجة للبترول ومنظمة "أوبك" التي أسست في 1960، ثم توسعت إصدارات الوكالة ونشراتها لكي تشمل جميع أنواع الطاقة، مثل المتجددة، وكفاءة الطاقة، وتقنيات الطاقة الكهربائية. ولم تجد الوكالة أفضل من شماعة التغير المناخي، وفزاعة التلوث البيئي، إلى جانب الادعاء بالمحافظة على أمن الطاقة، وتنمية الاقتصادات، لكي تضايق وتزعج به مسامع العالم، لكنها في حقيقة الأمر تعمل لمصالح دول المنظمة ذاتها، وتوسيع نطاق عملها الاقتصادي من خلال تثبيط الاستثمار في صناعة البترول. وحذرت منظمة "أوبك" في 2022 الوكالة الدولية للطاقة، أن مثل هذه الأعمال والتصرفات قد تؤدي إلى تقلبات وعدم استقرار في سوق البترول في المستقبل. وزعمت الوكالة أن منظمة "أوبك+" تستهدف أسعار البترول، وهذا غير صحيح البتة، لكنها تهدف إلى تصحيح مسارات السوق والتركيز على أساسياتها، لكن -مع الأسف- دأبت الوكالة على توجيه أصابع الاتهام وتشويه مصدري البترول وشركائهم. وفي أيار (مايو) الماضي، دندنت الوكالة معزوفتها نفسها ورفعت حالة التوتر مع منظمة "أوبك+"، ولاتزال الوكالة تضغط من أجل انتقال الطاقة العالمي كيفما تراه ذاتها، وهو موقف جد خطير، إذ بتجاهل البيانات حيثما يكون تصحيح السوق.
إن أشهر تقارير الوكالة الدولية للطاقة هو تقرير توقعات الطاقة العالمية، ونشر لأول مرة في 1977، وهو تقرير سنوي رئيس عن بيانات واتجاهات الطاقة العالمية، ودائما ما يظهر درجة التنبؤ بما سيبدو عليه نظام الطاقة في العالم لعقود مستقبلية مقبلة، ييد أن التقرير في الأغلب ما يأخذ على عاتقه مهاجمة الوقود الأحفوري، ووصمه بمساوئ بيئية، حيث تظهر بياناته مدى التأثير في سياسات وتوجهات الطاقة في بعض دول العالم. ومن باب العدل والإنصاف، فقد واجه الفحم "الذي يستخدم في بعض دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية" نوعا من الهجوم، لكن ليس مثل البترول.
من جانب آخر، تعرضت الوكالة الدولية للطاقة للانتقاد بسبب التقليل التاريخي من دور مصادر الطاقة المتجددة مثل الخلايا الشمسية الكهروضوئية، والبطاريات في أنظمة الطاقة المستقبلية، والتقليل من تقدير تكلفتها المنخفضة. لقد انخفضت تكاليف الطاقة الشمسية بالفعل بنسبة 18 في المائة سنويا خلال العقد الماضي، لكن الوكالة الدولية للطاقة أظهرت أن معدل انخفاض التكلفة لن يتجاوز 5 في المائة فقط على مدى العقد المقبل، وسينخفض إلى 1 - 2 في المائة بعد 2030، وهذا يدل على تخبط واضح في بيانات الوكالة وتحليل أرقامها. وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة عضو في الوكالة الدولية للطاقة، إلا أنها أنشات إدارة معلومات الطاقة الأمريكية في 1977 وهي وكالة فيدرالية تتبع للنظام الإحصائي الاتحادي للولايات المتحدة، وهي المسؤولة عن جمع وتحليل ونشر المعلومات عن الطاقة، ومن أشهر تقاريرها الدورية هو تقرير توقعات الطاقة الدولية. وهذا يشابه إلى حد كبير مهمة الوكالة الدولية للطاقة، ويبدو أن الولايات المتحدة لم تكن مقتنعة بميثاق الوكالة، فجاء تأسيس وإنشاء إدارة معلومات الطاقة الأمريكية بعد ثلاثة أعوام من إنشاء الوكالة الدولية للطاقة.
وفي الختام، تحاول الوكالة الدولية للطاقة التأثير في دول العالم أجمع، وإظهار البيانات والرسومات والأرقام التي تخدم توجهات المنظمة ومصالحها، لأن لغة الأرقام تخفي وراءها كثيرا من القصص التي تبطن جوانب حقيقية عن صناعة الطاقة بمختلف أنواعها ومصادرها. ولم تجد الوكالة الدولية للطاقة بــدا من مناكفة منظمة "أوبك" وأعضائها بغير حق، بل إن مصداقية بيانات الوكالة أصيبت في مقتل من جراء التقليل من دور مصادر الطاقة المتجددة. وبعد مرور 49 عاما من إنشاء الوكالة الدولية للطاقة، ألا يجب أن تراجع منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ميثاق الوكالة وأهدافها وطبيعة عملها؟ أم أنها مجرد ند هلامي لمنظمة "أوبك"؟

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي