معركة البث .. ما الذي سيجري بعد الدوري الهندي الممتاز؟

معركة البث .. ما الذي سيجري بعد الدوري الهندي الممتاز؟

قام موكيش أمباني، أغنى رجل في الهند، بتحويل منصة البث المباشر التي يملكها في غضون أشهر من مزود ثانوي للمسلسلات التلفزيونية وأفلام بوليوود القديمة إلى المنافس الأكثر شراسة لشركة ديزني العالمية ذات الحضور الكبير.
اجتذبت منصة جيوسينما أكثر من 400 مليون مشاهد إلى بثها لبطولة الكريكيت في الدوري الهندي الممتاز في نيسان (أبريل) وأيار (مايو). كما اشترت حقوق البث للعروض والأفلام التي تنتجها الشبكات العالمية وهي إن بي سي وإتش بي أوه وورنر براذرز.
جعل أمباني معظم تلك البرامج متاحة مجانا، الأمر الذي أثار حرب أسعار في سوق البث عبر الإنترنت التي تنمو سريعا في الهند. حيث قال شخص مطلع على استراتيجية منصة جيوسينما، "إنها مجرد بداية التحولات الكبيرة".
بالنسبة إلى أمباني، يعد الدخول في البث عبر الإنترنت أحدث خطوة في خطة لتحويل مجموعته الصناعية ريلاينس إنداستريز إلى المجموعة الرقمية الرائدة في البلاد.
تركز الخطة على شبكة جيو للاتصالات التي يملكها أمباني والتي تعد الآن الأكبر في الهند. ومنذ إطلاق شبكة جيو في 2016، استخدم أمباني الخصومات الكبيرة والعروض المجانية لإضعاف منافسيه واكتساب حصة في السوق في كل شيء من التجارة الإلكترونية إلى خدمة النطاق العريض المنزلية.
قال عدي شانكار، المستثمر والمدير في فياكوم 18 الشركة الأم لمنصة جيوسينما، إن الهدف هو بناء منصة تتمتع بأعداد كبيرة من المشاهدين لمنافسة قنوات التلفاز من حيث الحجم.
قال شانكار، الذي كان يدير شركة ستار في الهند والتابعة لوالت ديزني، إن منصات البث الأخرى في الهند، مثل نتفليكس وأمازون برايم، "ليست منافستنا". وقال، "نحن نرى التلفاز كمنافس لنا. لن تكتمل هذه المهمة حتى نتمكن من إقناع عدد كبير من الأشخاص بعدم مشاهدة التلفاز ومشاهدة جميع محتوياتهم الترفيهية على جيوسينما".
لذلك، لا توجد جائزة أكبر في الهند من الدوري الهندي الممتاز، وهي بطولة الكريكيت المربحة التي تمتد لشهرين، والتي لاقت بصيغتها نجاحا كبيرا لدى المشاهدين والمعلنين. حيث قامت ديزني ستار، أكبر شبكة تلفزيونية في البلاد، والتي امتلكت حقوق بث الدوري من 2018 إلى 2022، باستخدام الدوري الهندي الممتاز لكسب أكثر من 60 مليون مشترك في خدمة البث الخاصة بها العام الماضي.
بدأت منصة جيوسينما بالصعود من كونها غير معروفة نسبيا في حزيران (يونيو) الماضي عندما فازت شركة فيا كوم 18 - وهي مشروع مشترك بين ريلايانس وباراماونت وجيمس موردوخ وشانكار - على ديزني ستار للحصول على الحقوق الرقمية لبث الدوري الهندي الممتاز حتى 2028. وقد احتفظت ديزني ستار بحقوق البث بمبلغ قياسي بلغ ستة مليارات دولار في المزاد، وهو ما جعل الدوري الهندي الممتاز ثاني أكثر البطولات الرياضية قيمة في العالم على أساس كل لعبة، بعد الدوري الوطني لكرة القدم الأمريكية.
منذ ذلك الحين، نقلت جيوسينما المعركة إلى منافستها، حيث قامت باصطياد وتوظيف مجموعة من كبار المديرين التنفيذيين من ديزني ستار، بما في ذلك الرئيس التنفيذي الجديد كيفن فاز ورئيس الرياضة أنيل جاياراج. قال أحد المطلعين على الوضع، "لقد تلقى معظم الموهوبين في (ديزني) عروضا من منافستها".
والأهم من ذلك، أضعفت جيوسينما أعمال التلفزيون المدفوعة التابعة لديزني ستار من خلال جعل الدوري الهندي الممتاز متاحا للمشاهدة بالمجان عبر الإنترنت. وأصبح تطبيق بث الفيديو الأكثر تحميلا الشهر الماضي، ارتفاعا من المرتبة الـ13 في الوقت نفسه من العام السابق، وفقا لشركة داتا.أيه أي لتحليلات الأجهزة المحمولة.
بالنسبة إلى شانكار، يعد تقديم محتوى مجاني مدعوم من المعلنين على الهواتف المحمولة أمرا أساسيا لبناء جمهور كبير بما يكفي من المشاهدين في بلد تعد فيه حزم الاشتراك على النمط الغربي باهظة الثمن بالنسبة إلى كثير من السكان. قال، "في وسائل الإعلام، الطريقة الوحيدة لإيجاد القيمة هي فتح الأبواب أمام قاعدة مشاهدين أوسع بكثير".
فيما تخطط جيوسينما لاستكمال فئة اشتراكها المجاني بحزم اشتراك تستهدف المستهلكين الأكثر ثراء، إلى جانب الجماهير الناطقة باللغة الإنجليزية والتي ستدفع مقابل مشاهدة شبكة إتش بي أوه والشبكات العالمية الأخرى. وتتوافر حزمة "بيست أوف هوليوود" الخاصة بها حاليا مقابل نحو 80 روبية "دولار واحد" شهريا، أي ما يقارب نصف تكلفة أرخص فئة اشتراك على نتفليكس للجوال فقط. وقال شخص مقرب من الشركة إن الدوري الهندي الممتاز سيكون مجانا أيضا العام المقبل.
فيما أعرب أحد المنتجين في بوليوود عن دهشته من الصعود السريع لمنصة جيوسينما. حيث قال، "كانت كثير من شركات الإنتاج الكبرى غير متأكدة نوعا ما إذا كانت جادة بما يكفي بشأن الأعمال التجارية أم لا (...) إننا ننظر إليهم الآن كلاعبين جادين حقا".
أثبتت مناورة جيو لتقديم محتوى مجاني أنها مكلفة مع تراجع شهية المعلنين في الدوري الرياضي. إذ انخفضت عائدات الإعلانات للموسم بنحو 15 في المائة مقارنة بالعام السابق، وفقا لشركة كوتاك إنستيتيوشنال إكويتيز للسمسرة، حيث خفضت الشركات الناشئة في التكنولوجيا ذات الإنفاق الكبير التكاليف بسبب أزمة التمويل التي عانتها.
أدى ذلك إلى خسائر فادحة محتملة لكلا الشركتين. حيث قدرت شركة كوتاك أن جيوسينما خسرت ما يصل إلى 33 مليار روبية في الدوري الهندي الممتاز لـ2023، مقارنة بـ20 مليار روبية خسرتها ديزني ستار. وقالت ديزني ستار إن هذه التقديرات عادة لا تشمل الأموال التي جنتها من اشتراكاتها التلفزيونية.
كما جادلت ديزني ستار بأن التوقعات بتراجع الاشتراكات التلفزيونية كانت مبالغا فيها، قائلة إنها أضافت أكثر من 11 مليون مشترك في اشتراكات التلفاز خلال الدوري الهندي الممتاز. قال سانجوغ غوبتا، رئيس قسم الرياضة في ديزني ستار، "لقد ثبتت صحة فرضيتنا حول التلفاز الذي يقدم تجربة جماعية أكثر وهادئة وغامرة لمحبي الرياضة".
مع ذلك، خسرت منصة ديزني ستار للبث عددا كبيرا من المشتركين منذ أن فقدت حقوق البث الرقمية للدوري الهندي الممتاز. حيث انخفض عدد المشتركين في ديزني بلاس هوت ستار، المنصة الهندية، إلى 53 مليون مشترك في آذار (مارس) من 61 مليون في تشرين الأول (أكتوبر).
أعلنت الشركة في حزيران (يونيو) أن ديزني بلاس هوت ستار ستبدأ في بث بطولات الكريكيت رفيعة المستوى، وتشمل كأس آسيا في أيلول (سبتمبر) وكأس العالم في تشرين الأول (أكتوبر)، مجانا في محاولة لزيادة أعداد المشاهدين.
قال غوبتا، "تلك أوهام تم اختلاقها وهي أننا لا نستثمر في المنصات الرقمية". كما تمتلك ديزني ستار أيضا حقوق بث لرياضات أخرى مثل الدوري الإنجليزي الممتاز لكرة القدم.
تأتي حرب الأسعار في وقت غير مناسب لشركة ديزني، التي تتعرض مثل مجموعات الترفيه الأخرى لضغوط من المستثمرين للسيطرة على الخسائر الناجمة عن البث عبر الإنترنت.
كما أن ريلاينس الشركة الأم لمنصة جيوسينما ليست محصنة ضد هذه الضغوط. فقد ضخت ريلاينس أكثر من مليار دولار في شركة فياكوم 18 بعد أن لم يتحقق جني معظم الأموال من جولة لجمع مبلغ 1.8 مليار دولار التي تم إعلانها العام الماضي، وهو ما عزاه المحللون إلى ضعف بيئة جمع الأموال.
قال محللون إن أي خسائر من البث عبر الإنترنت يمكن السيطرة عليها بالنسبة إلى تكتل تدعمه الإيرادات الضخمة من تكرير النفط والبتروكيماويات.
لكن مستويات ديون ريلاينس آخذة في الارتفاع لأنها تمول انتقالها إلى كل شيء، من الطاقة الخضراء إلى الشركات الاستهلاكية، حيث بلغت الديون المستحقة 3.1 تريليون روبية للعام المالي المنتهي في آذار (مارس)، مقارنة بـ2.6 تريليون روبية للعام السابق.
قال فيفيكاناند سوبارامان، المحلل في شركة أمبيت كابيتال للوساطة، "إن ريلاينس تمر بمرحلة انتقالية تمتد لعدة عقود نحو الشركات الاستهلاكية"، مضيفا أن جيوسينما أصبحت "نجاحا كبيرا بالنسبة لهم. السؤال هو، ما الذي سيجري بعد الدوري الهندي الممتاز؟".

الأكثر قراءة