السيارات ذاتية القيادة .. مصدر راحة أم قلق؟
خلال الأسبوعين الماضيين، كنت أتجول في سان فرانسيسكو في سيارات أجرة ذاتية القيادة، وذهلت بالطريقة التي يمكنها بها التنقل في الشوارع المزدحمة بسلاسة. إذا أتيت لمقابلتي في المدينة، فاحتمالية أن أطلب منك أن تأتي معي في جولة هي احتمالية كبيرة. لكن تلك الاحتمالية زالت مع ركوبي سيارة تعرضت للانهيار، وتوقفت تماما ولم تفتح أبوابها على الفور.
هناك مقولة في مجال التكنولوجيا مفادها أنه إذا كنت لا تدفع مقابل منتج، فأنت المنتج. في حالة السيارات ذاتية القيادة، لست أنت المنتج، بل أنت فأر تجارب. تستخدم سان فرانسيسكو باعتبارها مختبرا حيا. ما بدأ بعدد قليل من المركبات التي تدور حول حديقة جولدن جيت بوجود سائقي سلامة على متنها، توسع هذا العام إلى مئات المركبات الفارغة تماما عبر أحياء متعددة. إذا سارت الأمور كما تريد الشركات، فسيكون هناك عدد أكبر منها.
ترغب شركتا "وايمو" المملوكة لشركة ألفابيت، و"كروز" التابعة لشركة جينيرال موتورز في تقديم خدمات سيارات الأجرة على مدار الساعة.
في الوقت الحالي، التصاريح محدودة. لا يمكن لـ"وايمو" تحصيل رسوم من الرحلات، وتستطيع "كروز" فعل ذلك لكن فقط في الليل في أجزاء معينة من المدينة. تم تأجيل تصويت للنظر في طلب "وايمو" لتحصيل الرسوم وطلب "كروز" لتشغيل خدمة نهارية حتى منتصف تموز (يوليو).
يبدو أن قبول سان فرانسيسكو للسيارات ذاتية القيادة يتعارض مع موقف المدينة تجاه المحاولات الأخرى لقلب موازين المواصلات. في 2018، مثلا، منعت المدينة شركات السكوتر الكهربائي من العمل دون تصاريح. كما أوقفت شركات سيارات الأجرة حسب الطلب عن القيادة على أجزاء من شارع ماركت ستريت.
لماذا إذن ترحب المدينة بالسيارات ذاتية القيادة؟ اتضح أن المدينة ليس لها رأي كبير في هذه المسألة. حصلت الشركات على الضوء الأخضر من لجنة المرافق العامة في ولاية كاليفورنيا وإدارة كاليفورنيا للسيارات.
وبعض وكالات المدينة غير راضية عن الوضع. دعت وكالة النقل البلدية في سان فرانسيسكو، التي تشرف على النقل في الشوارع، إلى إبطاء بدء التشغيل. قال ستيفن تشون، نائب المتحدث الرسمي، إن المدينة تدعم هذه التكنولوجيا لكنها حذرة بشأن زيادة حوادث المرور. "نحن متحمسون لأن نكون مدينة التجربة لكن هذا لا يزال قيد التطوير. نحن لا نرفض التكنولوجيا، بل نطلب توسعا تدريجيا"، كما قال.
حتى الآن، حوادث المرور مزعجة أكثر من كونها مقلقة، فمثلا، صدرت تقارير عن سيارات ذاتية القيادة تغلق المسارات. كما اعترضت إحدى سيارات كروز طريق رجال الإطفاء. لكن لم تكن هناك معارضة خاصة من السكان. لدى كل من "كروز" و"وايمو" قوائم انتظار طويلة. على الرغم من أن الركاب الذين سجلوا ليسوا الوحيدين المشاركين في هذه التجربة بالطبع. المشاة وراكبو الدراجات والسائقون الآخرون مشاركون فيها أيضا، سواء أدركوا ذلك أم لا.
فكرت في هذا أثناء محاولتي عبور طريق كانت توجد فيه سيارة "وايمو" فارغة في منتصف ممر للمشاة. لم يكن هناك سائق لأتواصل معه بالعين، لذلك لم يكن لدي أي فكرة عما إذا كانت السيارة ستبقى ثابتة أو تحاول التحرك للخلف. في النهاية، قررت أن أتجنبها حتى ابتعدت.
وفقا لـ"وايمو"، إذا مشيت خلف السيارة في ذلك الممر، لكانت قد شعرت أنني كنت هناك وبقيت ساكنة. إن تجنب الاصطدامات هو المبدأ التوجيهي للسيارة، فإذا كان البقاء على ممر المشاة أكثر أمانا، فستفعل ذلك. كما تقول إن السيارات لديها إدراك للإيماءات، ما يعني أنها قادرة على اتباع التعليمات من شخص يطلب منها التوقف أو التلويح لها للقيادة للأمام.
كنت قد خططت لإنهاء هذا العمود بصوت متحمس لدعم سيارات الأجرة الآلية. إن قدرتها على استشعار العقبات وتجنبها عبر الرادار والليدار والكاميرات أمر مثير للإعجاب. كما أنها لا تسرع، وتتوقف عند الممرات، وتبطئ سرعتها لكي يمر المشاة. إن القضاء على الأخطاء البشرية سيجعل الطرق أكثر أمانا بلا شك.
ثم جاءت تلك الرحلة الأخيرة. في وقت متأخر من مساء الخميس، طلبت سيارة ذاتية القيادة من "كروز" لأخذ صديق لم يجربها من قبل وقضى المساء يستمع إلي أتحدث بحماسة عنها. بعد بضع دقائق من الرحلة، غيرت السيارة مسارها فجأة. كانت المدة ستستغرق ست دقائق لكنها تظهر الآن على أنها 24 دقيقة. ثم حاولت السيارة الانتقال من مسار إلى آخر قبل أن تتوقف، وكان المؤشر يومض. أطلق صف من السيارات خلفنا أبواقهم لكن السيارة لم تتزحزح. حين أدركنا أنه لا يوجد شيء يمكننا فعله، حاولنا إنهاء الرحلة لكن الأبواب ظلت مغلقة.
استغرق كل ذلك بضع ثوان فقط. لكن تلك الثواني القليلة كانت طويلة بما يكفي لتذكر المخاطر الكبيرة التي تنطوي عليها تكنولوجيا لا تزال قيد التطوير. تشير "كروز" إلى سجلها في السلامة ومسافة مليوني ميل التي قطعتها دون إصابات خطيرة أو وفيات. لكن ستستغرق عودتي إلى سيارة لا يوجد فيها سائق خلف عجلة القيادة بعض الوقت.