هل ترفع «فاغنر» أسعار النفط؟ «2»
ذكرت في المقال السابق أن مجموعة "فاغنر" هي منظمة روسية شبه عسكرية، يطلق عليها البعض شركة عسكرية خاصة أو وكالة خاصة للعقود العسكرية المختلفة، ويصفها المناوئون أنها مجموعة "مرتزقة" تنفذ مهام عسكرية نوعية بمقابل مادي. وسلطت الضوء على انعكاس تمرد مجموعة "فاغنر" على أسواق الطاقة، كون روسيا هي ثاني أكبر منتج للنفط الخام في العالم بنحو 11 مليون برميل يوميا، وبصادرات بلغت نحو سبعة ملايين برميل يوميا، وهي أيضا أكبر مصدري الغاز في العالم بما يقارب 238.1 مليار متر مكعب، بفارق كبير عن أقرب منافسيها الولايات المتحدة، التي تحل في المرتبة الثانية بنحو 137.5 مليار متر مكعب.
ووضحت أن أي تهديد لسلامة إمدادات الطاقة الروسية سيؤثر بطبيعة الحال في أسواق الطاقة العالمية وعلى رأسها النفط. توقعت أن روسيا ستحتوي الموقف بسرعة قياسية، نظرا للظروف والتحديات التي تواجهها روسيا من التحالف الغربي ضدها فيما يخص الحرب الروسية - الأوكرانية، وهذا ما حدث فعلا، حيث تم احتواء الموقف في غضون أقل من 48 ساعة. حدث كهذا أسال لعاب المضاربين وتجار الأزمات بلا شك، لكون تصعيد الموقف بين الحكومة الروسية ومجموعة "فاغنر" والمواجهة العسكرية أو حتى المناوشات، سيستغله -في رأيي- المضاربون برفع أسعار النفط إلى مستويات مرتفعة قد تتجاوز الـ100 دولار للبرميل.
اليوم، وكما ذكرت، بلغ سعر برميل خام برنت نحو 75 دولارا بارتفاع طفيف منذ إعلان "فاغنر" تمردهم، لكن هل هذا الارتفاع بسبب التمرد؟ أم أن هناك عوامل أخرى أسهمت في ذلك؟ في رأيي، أن هناك عوامل تبعث مؤشرات لارتفاع أسعار النفط خلال المرحلة المقبلة قد يتجاوز سعر خام برنت في ظني حاجز الـ80 دولارا للبرميل. أولا، هناك تحسن ملحوظ على الطلب الصيني عقب جائحة كورونا وأثرها الحاد في الصين وإغلاق جل الأنشطة الصناعية فيها، فعند الحديث عن الطلب العالمي للنفط، فلا يمكن بأي حال من الأحوال تجاهل الصين، كونها أكبر مستورد للنفط. ثانيا وهو العامل الآني الأكثر تأثيرا -في اعتقادي- هو الخفض الطوعي للمملكة بمليون برميل من النفط يوميا، وهي كمية مؤثرة بلا شك ستقلل من كمية النفط المتداول في الأسواق، ما سينعكس على الأسعار.
دخول فصل الصيف هو عامل إيجابي لمنتجي النفط، حيث إن الطلب عليه وعلى مشتقاته يرتفع خصوصا في الولايات المتحدة بسبب زيادة الطلب على الوقود، وهذا العامل يصب في ميزان الطلب بصورة مؤثرة سنرى انعكاسه قريبا في رأيي. عطلة الصيف أيضا تؤثر بصورة مباشرة في كمية الطلب على وقود الطائرات أيضا، ولا يمكن إغفال هذا العامل، فلو رجعنا إلى الوراء قليلا خلال جائحة كورونا التي شلت فيها حركة التنقل والطيران، لرأينا أنها أسهمت بصورة فاعلة في انخفاض أسعار النفط إلى مستويات تاريخية لم تشهدها الأسواق من قبل.
الجدير بالذكر أن هناك عوامل طارئة لا يمكن التنبؤ بها أحيانا قد تقلب ميزان العرض والطلب على النفط رأسا على عقب، وما جائحة كورونا إلا أصدق مثالا على ذلك، لكني أرى بعيدا عن المفاجآت أن "أوبك" بقيادة السعودية نجحت في تقويض أنشطة المضاربين وموازنة الأسواق.