الغرب وبرامج التأهيل الاجتماعي
في كل المجتمعات العالمية يوجد من يخرج عن المألوف، سواء كان بالسلوك، أو القيم، أو العادات، والتقاليد، أو الأفكار، وهذا الخروج يمثل ضررا على الفرد، والمجتمع في بعض الأحيان، خاصة إذا كان التعدي على المكونات الاجتماعية ظاهرا، ومكشوفا للآخرين، إذ يتشجع، ويتجرأ البعض ممن يشاهد الأمر على التقليد، وفعل الشيء ذاته، لأن جدار الحياء، أو الأمن قد سقط، لذا تلجأ كثير من الدول إلى وضع القوانين الرادعة، حفاظا على ما يمكن اعتباره تماسكا وطنيا لأن التعدي على ما يعده المجتمع ثوابت لا يمكن قبوله، والسكوت عنه. ويضاف للقوانين إيجاد برامج إصلاح، وتأهيل اجتماعي، حسب طبيعة ما يعد تجاوزا، وتعديا على مكون، أو أكثر من مكونات المجتمع.
البرامج عادة تكون توعوية، وتغييرا في المنظومة المعرفية، حيث يتم كشف الأخطاء المعرفية، وزيف مصادرها، وبيان البديل، وما يعتقد صحته، حتى يعود الفرد للوضع الطبيعي المقبول اجتماعيا، أما النوع الثاني من البرامج فتستهدف السلوك، وذلك بتغيير السلوك الخاطئ، واستبداله بسلوك سوي لا يتعارض مع ثوابت المجتمع، ومكوناته الأساسية، وما من شك أن كلا النوعين يحتاج إلى مهارات فائقة في إعدادها، وتصميمها، ومن ثم تنفيذها، حتى لا تكون النتائج عكسية، وخلاف ما يراد.
معالجة الخروج عن المألوف يختلف باختلاف نوعه، ودرجة تعارضه مع القانون، أو الدستور، أو الشريعة كما في الدول الإسلامية، فالسجن المحدود، أو المؤبد، أو القتل كلها معالجات قانونية لما يمكن اعتباره مخالفات بسيطة، أو خطرة لكل ما يهدد الأفراد في أرواحهم، أو يهدد الأمن الوطني في استقراره. ومن الأمثلة على الحالات التي تعالج معالجة قانونية عمليات القتل، والسرقة، والسلب، أما الحالات التي يتم التعامل معها من خلال البرامج فتتمثل في أخطاء غير مقصودة، أو اكتساب عادات، وقيم حياة غريبة، دون وعي من معتنقها، لذا تكون البرامج أكثر نجاعة في التعامل مع مثل هذه الحالات، وفي الأغلب تحقق نجاحا ملحوظا متى ما تم تنفيذها بشكل صحيح، وبتعامل علمي مع الحالة بما يحفظ كرامتها، ويجنبها كل ما يؤذيها.
إعادة التأهيل الاجتماعي تمثل برامج شائعة الاستخدام في كثير من المجتمعات، فالمنحرفون تطبق عليهم هذه البرامج بما يتناسب مع ما ينقصهم من ولاء وطني، أو عدم احترام للأنظمة، والقوانين، أو عدم احترام للآخرين، وحقوقهم المشروعة للعيش بسلام، واطمئنان، مع المحافظة على ممتلكاتهم، وأموالهم، وذلك من خلال جرعات معرفية جديدة، أو بإصلاح التشوه المعرفي، والانحراف الفكري الذي يعانونه.
خلال الأعوام الأخيرة لجأت بعض الدول الغربية إلى برامج التأهيل الاجتماعي، وذلك باستهداف أطفال المهاجرين بحجة إعادة تأهيلهم اجتماعيا ليتسقوا فكريا وسلوكيا مع ثقافة، وطباع المجتمع الجديد الذي يعيشون فيه، إلا أن هذه البرامج نحت منحى غير إنساني، ويتعارض مع أبسط القواعد الإنسانية، وذلك بسحب الأطفال من أسرهم الأصلية، وإعطائهم لأسر بديلة بعيدين عن المحضن الطبيعي نظرا وحسب اعتقاد هذه الدول عدم تأهيل أسرهم للقيام بمهمة التأهيل الاجتماعي وفق قيم، وثقافة المجتمع الجديد الذي يعيشون فيه، كما أن من أشد برامج إعادة التأهيل الاجتماعي تطرفا سحب الأطفال من أسرهم بناء على معتقداتهم بشأن الشذوذ الجنسي، وحرية الأطفال في تغيير جنسهم بالخضوع للعمليات الجراحية اللازمة، مع تجاهل هذه الدول حقيقة عدم نضج الطفل عقليا، وانفعاليا ليتخذ القرار، وهذا يتعارض مع أبسط حقوق الوالدين في تربية أبنائهم، كما يتعارض مع نظريات النمو التي برع الغرب في تنظيرها، إضافة لتعارضه مع القيم الإنسانية، والطبيعة البشرية التي فطر الله الناس عليها.