صافي الصفر لصناعة الطيران .. مراد يصعب الوصول إليه
قد تبدو الطائرة المستقبلية مختلفة جذريا عن الشكل المألوف الذي سيطر على الأجواء منذ بداية عصر الطائرات، وفقا لشركة بوينج، التي تختبر طائرة بجناح طويل ورقيق مدعوم بدعامات من هيكل الطائرة.
تأمل الشركة المصنعة الأمريكية أن يكون تصميمها الجديد من بين التكنولوجيات التي ستساعد الصناعة على تحقيق هدفها المتمثل في الوصول إلى صافي انبعاثات صفرية بحلول 2050.
يعد الطيران مسؤولا عن أكثر من 2 في المائة من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية، التي يأتي نصفها تقريبا من الطائرات ذات الممر الواحد مثل طائرة بوينج 737 وطائرة الشركة المنافسة الأوروبية أيرباص أيه 320 التي تستخدم إلى حد كبير للرحلات القصيرة والمتوسطة.
سيطرت طلبيات شراء أحدث الموديلات على معرض باريس الجوي هذا الأسبوع، التي ستطير لمدة 25 عاما أخرى على الأقل. لكن الشركات المصنعة تحول تركيزها بالفعل إلى التكنولوجيات – مثل جناح طائرة بوينج غير المعتاد – التي يمكن أن تحل محل أفضل الطائرات مبيعا اليوم.
استهلكت الأجيال الجديدة من الطائرات وقودا أقل 15 إلى 20 في المائة من سابقاتها، ويرجع الفضل في ذلك إلى حد كبير إلى المحركات المحسنة. ووفقا للشركة، فإن طائرة أيه 321 نيو ذات الممر الواحد من شركة أيرباص تستخدم وقودا أقل 20 في المائة على الأقل لكل راكب مقارنة بالطائرات القديمة.
مع الجيل القادم من الطائرات، فإن المخاطر أكبر بكثير. حيث يشكل تغير المناخ تهديدا شبه وجودي للطيران التجاري. ولذلك تعهدت الصناعة بالحد من انبعاثاتها الكربونية، لكن ليس كل واحد لديه القناعة بأن هدف صافي الصفر لـ2050 يمكن تحقيقه – أظهر استطلاع حديث للمديرين التنفيذيين في الصناعة أجرته شركة جي إي أيروسبيس أن 32 في المائة يشككون في إمكانية الوصول إليه.
قال غيلوم فوري، الرئيس التنفيذي لشركة أيرباص، هذا الأسبوع أن إزالة الكربون كان أحد أكبر تحديات الصناعة.
تيم كلارك، رئيس شركة طيران الإمارات ومقرها دبي، أخبر "فاينانشيال تايمز" قبل المعرض، أنه سيكون "من الصعب للغاية" على الصناعة أن تستمر في النمو وتصل إلى هدف 2050. وأضاف أنه رغم أن صناعة الطيران تحاول بالفعل التخفيف من تأثيرها البيئي من حيث عملياتها، "فعلينا كمجتمع خطوط جوية أن نفعل أكثر مما فعلنا في الماضي".
تعتقد الصناعة أن "وقود الطائرات المستدام" مهم للغاية، وهو وقود مصنوع من النفايات مثل زيت الطهي والنباتات. وفي حين أنه ليس خاليا تماما من الكربون، إلا أن المؤيدين يعتقدون أن وقود الطائرات المستدام يمكن أن يجلب إزالة الكربون بسرعة عن طريق استبدال الوقود التقليدي القائم على النفط.
تقدر المجموعة التجارية الصناعية، اتحاد النقل الجوي الدولي، أن وقود الطائرات المستدام يمكن أن يسهم بـ65 في المائة في خفض الانبعاثات اللازمة للطيران للوصول إلى صافي الصفر في 2050. وقد تعهدت كل من شركتي أيرباص وبوينج بأن طائراتهما ستطير باستخدام وقود الطائرات المستدام 100 في المائة بحلول 2030.
يعتقد بعض المحللين أن الثقة بوقود الطائرات المستدام قد تكون في غير محلها. فقد وصف نيك كننجهام من شركة أجينسي بارتنرز هدف 65 في المائة بأنه "رهان كبير بشكل غير مسؤول" في ملاحظة هذا الأسبوع، مضيفا أن "إنتاج وقود الطائرات المستدام ينمو ببطء، وتظل أسعاره مرتفعة للغاية".
وتتطلع كل من شركة بوينج وأيرباص إلى تغيير تصاميم طائراتهما. حيث تعمل الشركة المصنعة الأمريكية مع وكالة ناسا على "الجناح المدعم السريع"، ويمكن أن يطير النموذج الأولي على نطاق واسع في غضون خمسة أعوام.
قالت وكالة ناسا إن الجناح، عندما يقترن بالتطورات الأخرى في المحركات والمواد، يمكن أن يخفض الانبعاثات 30 في المائة. ويشمل التعاون التزاما بقيمة 425 مليون دولار من وكالة الفضاء إضافة إلى استثمار مبلغ 725 مليون دولار من قبل شركة بوينج وشركائها في الصناعة.
ستان ديل، رئيس قسم الطائرات التجارية في شركة بوينج كوميرشال إيرلاينز، أخبر "فاينانشيال تايمز" في باريس بأن الشركة "لم تبدأ من الصفر". يشار إلى أن شركة بوينج ووكالة الفضاء تجريان أبحاثا حول التصميم منذ ما يزيد على عقد من الزمان.
قال: "علينا أن نثبت أن التفاؤل الذي رأيناه في النفق الهوائي زيادة الطاقة الاستيعابية للطيران بشكل كامل". إذا حدث ذلك، "فهذه منصة يمكننا المراهنة عليها كإمكانية للطائرة التالية".
قالت الشركة إنه لم يتم اتخاذ أي قرارات وإنها تعمل على مختلف التكنولوجيات.
تعمل شركة أيرباص أيضا على خيارات مختلفة بما في ذلك الأجنحة الجديدة لأنها تتطلع إلى خليفة لنموذجيها أيه 320 نيو أو أيه 321 نيو. كما تعمل المجموعة الأوروبية على طائرة تعمل بالهيدروجين.
تقوم شركتا صنع الطائرات بتقييم تصاميم المحركات الجديدة من الموردين الرئيسين، ومن ضمنهم شركات رولز-رويس، وبرات آند ويتني، وسي إف إم إنترناشونال، وهو مشروع مشترك بين شركتي سافران الفرنسية وجي إي أيروسبيس الأمريكية.
تواصل شركة رولز-رويس تطوير محركات ألترا فان الضخمة الخاصة بها، التي تتضمن كثيرا من التكنولوجيات الجديدة لتعزيز الكفاءة. وقالت الشركة الشهر الماضي إنها أكملت بنجاح أولى عمليات التشغيل الأرضية لنموذج طائرة ألترا فان التي يبلغ قطرها 140 بوصة والتي تعمل باستخدام وقود الطائرات المستدام 100 في المائة.
تعمل شركة سي إف إم على تطوير محرك نفاث ذي دوار مفتوح – وهو تصميم ذو شفرات مروحة مرئية ليست مغلقة مثل تلك الموجودة في المحركات النفاثة الحالية. وتم الكشف عما يسمى برنامج رايز – الابتكار الثوري للمحركات المستدامة – قبل عامين.
قال مسؤولون تنفيذيون في باريس إن هذه التكنولوجيا ستؤدي إلى خفض الانبعاثات 20 في المائة.
قال جايل ميهوست، الرئيس التنفيذي لشركة سي إف إم، قبل المعرض، إن صافي الصفر "ليس حلما، بل هدف. ليس لدينا دور نلعبه فحسب، بل علينا أن نقود الطريق".
وأكد المسؤولون التنفيذيون في شركتي بوينج وأيرباص أن الكفاءات يجب أن توجد في جميع جوانب تصميم الطائرات.
قال كريستيان شيرير، رئيس القسم التجاري في شركة أيرباص: "لا يتعلق الأمر بالمحرك فقط. بل تكامل المحرك، وتكنولوجيتنا الخاصة، وتحسينات ديناميكية هوائية، والمواد خفيفة الوزن وتكنولوجيات الإنتاج".
يجادل شيرير بأنه يمكن تحقيق كثير من التقدم نحو إزالة الكربون باستخدام وقود الطائرات المستدام واستبدال طائرات أكثر كفاءة في استهلاك الوقود بالطائرات القديمة.
قال: "لذا، إذا كنت ستطرح شيئا جديدا في سوق لديها كثير من الإمكانات عبر وقود الطيران المستدام، وطائرات أيه 320 نيو، فمن الأفضل أن تجعله حدثا كبيرا". مضيفا أن "الضربة الكبرى ستبدو أكثر كنسبة 30 في المائة بدلا من 20 في المائة من حيث الكفاءة".
تعتقد شركة ديل التابعة لبوينج أن مكاسب الكفاءة يجب أن تزيد 20-30 في المائة عن الجيل الحالي من الطائرات لضمان استثمارات كبيرة.
قال: "فكر في إعادة توزيع النفقات الرأسمالية التي تحدث. هناك جانب بوينج ثم كل شركات الطيران الأخرى. يتطلب الأمر كثيرا من الفوائد للحصول على عائد على المدى الطويل".
لكن نظرا إلى مسار النمو المتوقع للصناعة، يظل بعض المحللين متشككين فيما إذا كانت المكاسب التي تم الترويج لها في الكفاءة ستحدث فرقا في النهاية.
قال كننجهام إن 20 في المائة من التحسينات لن تكون "كافية على الإطلاق" للصناعة لتحقيق أهدافها الصفرية الصافية. "إن النسبة المئوية للمكاسب من الاستبدال التدريجي للأسطول العالمي بطائرات أكثر كفاءة سيقابلها نمو سنوي لأعداد المسافرين مع تقدمها".