مكاشفة الذات الجراحة الناجعة

يقسم علماء النفس الحاجات إلى حاجات أساسية، وحاجات ثانوية، فالحاجات الأساسية تتمثل في الأكل والشرب والنوم، أما الحاجات الثانوية فمثل السفر بغرض الترفيه، والاستجمام، ومن الحاجات الضرورية بغض النظر عن موقع تصنيفها، فهي حاجة الوعي بالذات ويقصد به الاستبصار، وتلمس نقاط القوة، والضعف التي توجد لدى الفرد، إلا أن هذه الحاجة لا تقتصر على الفرد، وإنما تمتد للجماعة، والمجتمع بشكل عام، لما قد يتشكل من أمور متراكمة عبر الأعوام على شكل عادة استمرأها الفرد مع قبحها، وأثرها السلبي فيه كالتدخين على سبيل المثال، وما يحدثه من هدم لصحة الإنسان، وضياع ماله، وحرمانه، وأسرته من الاستمتاع به في أمور جميلة، ومفيدة.
قد نعيش أفرادا، ومجتمعات في غفلة عما نحمله معنا، ويلازمنا لأعوام، ويؤثر في علاقتنا بالآخرين كحالة توجس، أو كراهية، وعدم نقاء في تصورنا لما يحيط بنا من جيران، وزملاء عمل لتتوتر العلاقة معهم، ويكون الجفاء، والقطيعة، لتكون النتيجة بيئة عمل مضطربة، وغير منتجة، يسود الشك، والريبة في النفوس، وهذا ينطبق على الجيران، وحالة النفور، والعداء الذي يوجد بين الجيران، لأن كل واحد يعتقد أن تصرفه هو السليم، وأنه صاحب الحق على الآخرين، والسبب عدم أخذنا بمقتضيات العلاقة السليمة المتمثلة في تجنب الغرور بالذات، ومراجعة الذات بالشكل السليم أخذا بقوله تعالى، "وفي أنفسكم أفلا تبصرون"، وقوله "فلا تزكوا أنفسكم".
إدراكنا أن البشر يخطئون، وطالما أننا بشر، فحتما الخطأ وارد فينا، حسب القاعدة المنطقية، لذا الأمر يحتم علينا النزول من أبراجنا العاجية التي بنيناها في مخيلاتنا من الوهم، والتزكية الزائفة للذات، ولو تحقق ذلك لسادت العلاقات الحميمية، وزادت الإنتاجية في بيئة العمل، وهيمن الحب والتآلف بين الجيران.
على المستوى الاجتماعي، والمؤسساتي ينطبق عليه ما ينطبق على الأفراد، فحاجة المراجعة ضرورية، فالعقل الجمعي قد تسوده، وتعشش فيه أفكار بالية، لكنه ينظر لها بافتخار، واعتزاز لا نظير له، ولو قدر لنخبة المجتمع من مفكرين، وعلماء، وباحثين، ومثقفين، وإعلاميين وتبنوا فكرة البحث الرصين في التركة الاجتماعية لربما اكتشفوا أن المجتمع بكامله تسيره بشكل يومي عادات، وقيم ليس لها أساس شرعي، ولا أساس في مصلحة دنيوية، وبناء على ذلك يسير المجتمع بشكل عام كما تعمل الآلة في المصنع.
في كل مجتمع مهما اعتقد أبناؤه طهارتهم، وصلابتهم، وعفتهم، وقوة بنائهم الاقتصادي، والنسيج الاجتماعي لا بد من وجود مكامن ضعف بجانب مكامن القوة، ولاستمرار النمو القوي يلزم إبراز جوانب القوة لغرس الثقة، لكن دون مبالغة تخدع الذات، وتبقيها في سباتها، كما يجب تشخيص نقاط الضعف، مهما كان نوعها، وحجمها للتخلص منها، وآثارها السلبية، لكي لا نكون كالنعامة حين تغرس رأسها في التراب تجنبا لرؤية الآخرين لها، ولعل أبرز مثال الحملة الأمنية على المخدرات، ومطاردة تجارها، ومروجيها حماية للأجيال من آثارها المدمرة للعقول، والأجساد، والأنفس، ونحن بحاجة إلى كل فرد من أبناء الوطن للإسهام في التنمية التي نعيشها، وفي هذا النشاط مثال على الشفافية، والاعتراف بالواقع وعدم التستر عليه.
الجانب الأمني مهم لكنه لا يكفي في مواجهة هذه الآفة، لذا لا بد من العناية بالجانب التربوي في البيوت، والمدارس، إضافة إلى التوعية من خلال المنابر، والإعلام الرسمي وغير الرسمي، لاقتلاع هذه الآفة القاتلة ولكي يعيش المجتمع مطمئنا، قويا، قادرا على مواجهة كل ما يحاك له من الداخل والخارج. استمرار وعينا بذاتنا يعني حيويتنا، حتى لا نؤتى بغفلة منا من بوابة فلذات أكبادنا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي