التأمين والسعوديون ومفاجآت السفر

في الصيف يحلو الحديث عن الإجازة والسفر وقد كتبت في إحدى المقالات السابقة عن أهمية الحصول على وثيقة تأمين السفر الدولي باعتبارها لا تقل أهمية عن تذكرة وجواز السفر وقد حدثني زميل لي وقال إنه سارع منذ أن قرأ تلك المقالة إلى إبرام وثيقة تأمين السفر له وأسرته. ومع تمنياتي بألا يحصل مكروه لهذا الزميل يجعله بحاجة إليها إلا أنني أعتقد أنه خطط تخطيطاً سليما لإجازته، وقد سألته: هل أنت الآن مطمئن بوجود حماية مالية وصحية لك ولأسرتك أثناء سفرك فقال لي نعم فقلت هذا هو الأهم.
وبالمناسبة حدثني أحد الموظفين في التأمين وذكر لي أن بعض زبائنه عندما أتوا إليه في السابق كانوا متذمرين من فرض هذه الوثيقة عليهم من قبل سفارات بعض الدول كشرط لمنحهم التأشيرة إلا أن بعضهم جاء فيما بعد يطلب هذه الوثيقة باختياره، بالرغم من أنه في إجازته هذه لم يكن مفروضاً عليه الحصول على هذه الوثيقة - والكلام لهذا الموظف - وذلك بسبب الميزات التي توافرت لهم نتيجة وجود تغطية للمخاطر التي تعرضوا لها أثناء سفرهم للخارج. وفي اعتقادي أن هذا ما ينبغي أن يكون عليه التخطيط السليم وعدم ترك الأمر للمفاجآت, خاصة ونحن نسافر إلى دول ومجتمعات لا تعترف كثيراً أو حتى لا تتفهم الحلول التي نطلبها نتيجة حصول مفاجأة من المفاجآت.
ولعل بعضا منا سمع بالحكاية القديمة لأحد السياح السعوديين في فرنسا الذي تعرض لحادث سرقة في باريس فقد على أثره كل نقوده وعندما تقطعت به السبل ذهب إلى عمدة باريس طالباً منه (شرهة) معتقداً أنه في مجتمع التكافل في الرياض أو بطيبة نفس وكرم ولاة الأمر لدينا ووقوفهم مع المحتاج وما تقضي به تعاليم ديننا الحنيف. فهذا السائح ربما حسبها وفق مفهومه المحلي وبمقدار المفاجأة التي تعرض لها وربما اعتقد أنه حتى لو على فرض أن هذا العمدة لم يفهم دوره الكبير من وجهة نظر هذا السائح المكلوم فإن العمدة لن يكون أقل كرماً ولا سخاء مما يكون عليه كرم أو سخاء أقل عمدة من عمد أحياء الرياض (طبعاً مع الفارق بين المنصبين). وليس هناك داع لأن أذكر لكم كيفية الاستقبال والاستغراب الذي ارتسم على جميع موظفي الإدارة وخصوصا سيادة العمدة.
كنت ذات مرة مع أحد الفرنسيين في أحد مقاهي مدينة تور وسط فرنسا وكان هذا الفرنسي قد أخذ للتو إجازة من عمله في جدة وإذا به فجأة يضع يديه على رأسه عندما شاهد شخصاً سعوديا قادما نحوه فاستغربت من هول المفاجأة التي أصابت هذا الصديق الفرنسي وعندما غادر الزائر سألت صديقي الفرنسي عن سر تصرفه هذا فقال لي إن هذا السعودي يعمل معي في القسم نفسه في جدة ويأتي كل سنة معي إلى هذه المدينة إلا أنه مر بظروف مالية صعبة هذه السنة ولديه كثير من الدائنين وقد وضعت له خطة إنقاذ كان من ضمنها جدولة ديونه ومنعه من السياحة لهذه السنة وواضح أنه لم يلتزم بها. بعدها تعرفت على هذا السائح السعودي وعرفت منه أنه اشترى سيارة بالتقسيط وباعها ليسافر بثمنها. هذا الصديق الفرنسي كان مهموماً أكثر من ذلك السائح السعودي وكان يقول لي حتما إن صديقنا السعودي سيسجن حينما يعود وسيخسر عمله فقلت له (يا ابن الحلال هونها وتهون).
وختاماً أقول لكم إن من ميزات التأمين غير المباشرة أنه يعلمنا فن التخطيط السليم للمستقبل وانظروا كأبسط مثال إلى المتقاعدين من الأوروبيين وانظروا إلى الدلال الذي يعيشون فيه في سياراتهم وسكنهم بل حتى في سياحتهم أيضا, وبلا شك فإن للتأمين دورا كبيرا في هذا الدلال.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي