البشر يزيدون أعباءهم مهما تقدمت التكنولوجيا

البشر يزيدون أعباءهم مهما تقدمت التكنولوجيا

في 1984، كتب الصحافي ستيفن ليفي مقالا رائعا عن جدول البيانات الإلكتروني، وهو اختراع جديد كان يوفر الوقت على الناس. روى في المقال قصة محاسب جاءته "مهمة مستعجلة، وجلس أمام كمبيوتره الشخصي وعمل على جدول البيانات، وأنهى المهمة في ساعة أو اثنتين، وترك الملف على مكتبه لمدة يومين، ثم أرسل الجدول عبر البريد السريع إلى العميل، وتلقى كل أنواع الإشادات لعمله وقتا إضافيا".
أمضيت الأسابيع القليلة الماضية في مقابلة المحامين والمحاسبين والمستشارين الذين بدأوا استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي في أعمالهم اليومية. وجميعهم يتحدثون عن الوقت الذي يوفره الذكاء الاصطناعي بإجراء بحث فني لهم أو مسودات أولى للوثائق أو الأحكام.
كنت أشعر بالفضول بشأن ما كانوا يفعلونه بالوقت الذي وفروه. هل يعودون إلى المنزل في وقت مبكر؟ هل يأخذون استراحات غداء أطول؟ سؤال غبي. إنهم يستخدمون الوقت للعمل أكثر.
أظهر العمال ذوو الياقات البيضاء الميل نفسه أثناء الجائحة. وجدت دراسة مسحية عالمية لأشخاص في 27 دولة نشرت هذا العام أن العمل من المنزل وفر تقريبا ساعتين من وقت التنقل أسبوعيا لكل عامل في 2021 و2022. ماذا فعل الناس بها؟ وفقا للدراسة المسحية، فقد خصصوا الجزء الأكبر منها -نحو 40 في المائة- لزيادة العمل، مع إنفاق مبالغ أقل على الترفيه ورعاية الأطفال.
في الوقت نفسه، يبدو أن المفكرات عبر الإنترنت وبرامج الاجتماعات عن بعد قد شجعت الناس على ملء أيام بعضهم بعضا أكثر.
يقول لي أحد المستشارين: "الآن، ينظر الناس عموما إلى دفاتر اليوميات وأول شيء يفعلونه هو البحث عن فجوة مدتها 15 دقيقة، ويملأونها بسرعة. التحدي الأكبر الذي يواجهني هو إيجاد وقت لتناول الغداء".
لقد أصبحت أفكر في هذا على أنه "مبدأ الحقيبة" لعمل ذوي الياقات البيضاء: مثلما تملأ حقيبتك دائما سواء كنت ستسافر لقضاء عطلة نهاية الأسبوع أو لأسبوع كامل، يبدو أن عمل ذوي الياقات البيضاء يتوسع دائما لملء الوقت المتاح.
فما حدث بعد اختراع جداول البيانات هو مثال مفيد على كيف يمكن للتكنولوجيا الموفرة للوقت أن توجد مهام أكثر. الأيام التي كان بإمكان المحاسبين فيها الاسترخاء لم تدم طويلا. في الوقت الذي كان ليفي يكتب فيه، كانت التكنولوجيا الجديدة تعيد تشكيل الطلب بالفعل.
بدأ الناس يتوقعون إنجاز العمل بشكل أسرع لأنهم كانوا يعرفون أنه يمكن إنجازه بشكل أسرع. والأهم من ذلك، أن جداول البيانات وسعت بشكل كبير نوع التحليل الممكن.
فجأة، يمكن للشركات تتبع الأمور التي لم تكن تتم مراقبتها في السابق لأن حسابها كان سيستغرق كثيرا من الوقت، كتصنيفات الأداء اليومية لموظفي المبيعات. وبكبسة زر، أصبح من الممكن الآن نمذجة جميع أنواع السيناريوهات المختلفة: ماذا سيحدث لصافي الدخل إذا قللنا المعاشات التقاعدية، أو بعنا هذا المصنع، أو استحوذنا على هذه الشركة في عملية استحواذ عدائية؟
لقد شكلت هذه القدرات الجديدة مسار تاريخ الشركات، كما أنها أوجدت أطنانا من العمل الذي يتعين على الناس فعله. واختفت آلاف من الوظائف مثل كتبة الحسابات، كذلك وظائف اليوم التي تتكون في الغالب من مهام يمكن للذكاء الاصطناعي فعلها بسعر أرخص، مثل كتاب النصوص. لكن هذا لا يعني أن عمل ذوي الياقات البيضاء سيكون أقل بشكل عام. فقد يتوسع الطلب والتوقعات عندما تصبح المنتجات والخدمات المختلفة ممكنة.
اتضح أن "مبدأ الحقيبة" ليس فكرة أصلية بشكل خاص. في مقال نشر في مجلة "إيكونوميست" في 1955، وصف سي نورثكوت باركنسون الظاهرة نفسها في الخدمة المدنية. وفقا لـ "قانون باركنسون"، يحب المسؤولون مضاعفة المرؤوسين ويميلون جميعا إلى إيجاد مهام لبعضهم بعضا.
يصف وصول وثيقة واردة كالتالي: "يقرر المسؤول س أنها تقع ضمن تخصص الموظف ص، الذي يكتب مسودة رد للموظف ع، الذي يعدلها بشكل جذري قبل استشارة د، الذي يطلب من ج التعامل معها. لكن ج يذهب في إجازة في هذه المرحلة، ويسلم الملف إلى هـ، الذي يصوغ مسودة مذكرة، موقعة من د وتعود إلى ع، الذي يراجع مسودته وفقا لذلك ويضع النسخة الجديدة للموظف أ.
يعيد أ كتابتها ويعود إلى المنزل آخر النهار، ويتفكر، بأكتاف منحنية وابتسامة ساخرة، أن ساعات العمل المتأخرة، كالشعر الأبيض، هي من بين عقوبات النجاح".
هل الحياة العملية في معظم الشركات الكبيرة والبيروقراطيات مختلفة حقا اليوم، على الرغم من الأدوات كالبريد الإلكتروني وجداول البيانات ومنصتي سلاك وزووم للتواصل؟ وهل سيكون الأمر مختلفا حقا مع الذكاء الاصطناعي التوليدي في هذه التوليفة؟
لست متأكدة مما إذا كنت سأعجب أو أيأس من قدرة البشر على إيجاد عمل لأنفسهم. لكن حتى في عصر الذكاء الاصطناعي، أعتقد أنك ستكون شجاعا إذا راهنت ضد ذلك.

الأكثر قراءة