رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


امتلاك القوة هيمنة بلا مشروعية

مصطلحات يكثر استخدامها وتداولها في الندوات، وفي الإعلام المقروء والمشاهد، وفي الكتب، وتلوك بها الألسن والأقلام كثيرا، حتى أصبحت في بعض الحقب الزمنية تتسيد الساحة، نظرا إلى ارتباطها الشديد بحياة الناس في جميع المجتمعات، لتأثيرها في طريقة تفكير الناس وسلوكهم، بل أصبحت تجسد أسباب قلقهم ومخاوفهم على مستقبلهم أفرادا وأسرا ومجتمعات وكيانات وطنية.
المصطلحات هي الحضارة، والأمن القومي، والإرهاب، وما من شك أن بطون الكتب، ومحركات البحث، والروابط تعطي تعريفات لا يوجد بالضرورة اتفاق عليها لدى الباحثين والأكاديميين ولدى السياسيين والمعنيين بالتعامل مع هذه المصطلحات، كل في مجاله المهني. ولو أخذنا -على سبيل المثال لا الحصر- مصطلح الحضارة، لوجدنا أن من التعريفات له، "كل ما يميز أمة من الأمم في العادات والتقاليد، وأساليب المعيشة، واللباس، والقيم، والأخلاق، ومظاهر الإنتاج التي تسود واقع المجتمع، وربما تمتد خارجه".
من التعريف السابق يلزم التمييز بين الماديات، كالتقنيات، والمخترعات التي أسهمت بشكل كبير في إحداث تغييرات جوهرية في حياة كثير من الأمم، ولا يمكن ربط هذه بمجتمع، أو بلد بعينه، رغم تقدم، وتميز بعضها في نوع وجودة منتجاتها.
أما النوع الثاني من شواهد الحضارة، فيتمثل في الجانب النفسي، والسلوكي، كما يتضح على تعامل الناس، والقيم التي تسودهم، وتوجه تعاملاتهم، وهذه عادة تكون مستمدة من الدين، أو من فلسفات يتبناها المجتمع، وهذه في الغالب يتم توارثها من جيل إلى آخر، وتشكل أساس لحمة المجتمع، والرابطة التي يلتقي عندها الجميع، ويسعون إلى حمايتها، والدفاع عنها بكل ما أوتوا من قوة وإمكانات، إلا أنه لا يمكن فصل المنتجات المادية عن النوع الثاني، فالمنتجات المادية تسهم في تغيير، أو استحداث قيم، وأخلاق، وأنماط سلوك جديدة، كما في اللباس، وبعض العادات. ولعل ما تبثه "نتفليكس" من مواد لم يعد خافيا على أحد تأثيرها السلبي، ما حدا ببعض المجتمعات لاتخاذ إجراءات حمائية لتفادي أثرها السلبي في الناشئة، حتى لا يفقد المجتمع فلذات كبده. ولا ننسى الإشارة إلى أن بعض المنتجات الحضارية أضحت أسلحة تأثير فتاكة فيما يمكن تسميته الحروب الحضارية التي تتكرر عبر العصور.
المصطلح الثاني هو الإرهاب، ويعني أعمال العنف التي تستهدف الأفراد والمجتمعات، وتكون نتائجها التخويف والقتل، وتدمير المنشآت العامة والخاصة. وساد خلال العقود الماضية كثير من الأعمال التي صنفت بالإرهابية، ووصف صانعوها بالإرهابيين، رغم أن بعض الأعمال قد يكون دفاعا عن النفس، وحماية للممتلكات، إلا أن الإعلام المتفوق نجح في بث الرعب والخوف، ومن ثم التصديق بأن كل ما ساد الساحة إرهاب، رغم التناقض في كثير من الأحيان، فالقتل، أو التدمير الذي يقوم به فرد يعد إرهابا، في حين أن ضرب المدن بالقنابل والصواريخ لا يعد كذلك، لأن الفاعل دولة تسك المصطلحات وتفسرها وتنفذها حسب مصالحها، كما هو حال الولايات المتحدة، ولذا نجد معارضة شديدة لتعريف الإرهاب.
المصطلح الثالث يتمثل في الأمن القومي، "ويعرف بأنه قيام الدولة باتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية مواطنيها وثرواتها ومكتسباتها المادية والإنسانية من التهديد أو الأضرار"، وبالتأمل في هذا التعريف يكشف لنا حقا مؤكدا لكل دولة، إلا أن تعريف بعض الدول لأمنها القومي مطاطي، وضبابي في الوقت ذاته، فما تعده حقا لها تحرمه على غيرها، وتعده تجاوزا، وانتهاكا لحقوق الإنسان، بل إن الأمن القومي الأمريكي يمتد خارج حدودها، ويعبر المحيطات، والقارات، فخفض "أوبك+" إنتاجها النفطي تعده تهديدا لأمنها القومي. والسؤال: لماذا لا تعد الولايات المتحدة التخلص من فائض القمح برميه في البحر بهدف الحفاظ على أسعاره انتهاكا وتهديدا للأمن القومي للدول المستوردة للقمح الأمريكي؟!
حقيقة يصعب تصور انطباق مفهوم التحضر على دول جعلت من قوتها المادية أداة لقمع الآخرين، واستغلال ثرواتهم، ومحاربة القيم الإنسانية الحافظة لكرامة الإنسان وحقوقه التي أقرتها الشرائع السماوية والنظم الدولية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي