أفاق النفط السعودي الجديدة وخطة بوش
تزامن انتهاء جولة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز الآسيوية مع خطاب حالة الاتحاد للرئيس الأمريكي جورج بوش. والرابط بين الاثنين بعد استراتيجي. فجولة الملك التي بدأت بالعملاقين الصيني والهندي تهدف إلى أحداث نقلة في علاقات السعودية بتلك المنطقة التي يتزايد اهتمامها سوقا عالمية ومستهلكا رئيسيا للنفط بصورة خاصة، إلى جانب ما تحظى به من ثقل استراتيجي، الأمر الذي يجعل من توثيق العلاقات معها في إطار المصالح المتبادلة هدفا يستحق أن يجعلها أولى المحطات لأول جولة خارجية للملك.
خطاب بوش من الناحية الأخرى يمثل مسعى أمريكيا للخروج من دائرة الارتهان إلى النفط المستورد، أو ما أطلق عليه بوش الإدمان، خاصة وذلك النفط يرد من مناطق مضطربة على رأسها منطقة الشرق الأوسط، الأمر الذي يمكن أن يعرض المصالح الأمريكية إلى الخطر. لذا ركّز بوش في خطابه الضوء على هذا الجانب، والتبشير بأن التقنية الجديدة يمكن أن تحدث اختراقا يقلل من الاعتماد على النفط كوقود وبكل ما لهذا الاتجاه من انعكاسات جيوستراتيجية مستقبلية.
وإذا كانت جولة الملك عبد الله قد انتهت إلى نتائج ملموسة تتمثل في اتفاقيات محددة وتوفير الإطار السياسي الملائم لتطوير العلاقات السعودية مع البلدان التي كانت محط الزيارة خاصة في جانب الطاقة، فإن حديث بوش عن تقليص الاعتماد على النفط المستورد ونفط الشرق الأوسط تحديدا يقع في مرتبة الحديث المكرر ودون تحقيق نتائج فعلية، لا من بوش نفسه وإنما من مختلف الإدارات الأمريكية وتحت قيادة مختلف الرؤساء جمهوريين كانوا أو ديمقراطيين، الذين يتحدثون عن ضرورة حماية الأمن القومي الأمريكي من خلال الاستغناء عن النفط المستورد. ورغم الخطط التي توضع إلا أن ذلك الاعتماد في تمدد وحجم الواردات النفطية الأجنبية في تزايد، كما أن طوال فترة العقود السابقة لم يحدث اختراق يذكر في الجانب التقني بما يوفر بديلا للطاقة الأحفورية.
من الناحية الأخرى، فإن الحديث عن التهديد الذي يمثله تزايد الاعتماد على النفط الأجنبي على الأمن القومي لا يصمد أمام مناقشة جدية لأسباب عديدة، من بينها أنه لم يثبت أن ارتفاع نسبة اعتماد الاستهلاك المحلي تؤثر في حرية الحركة واستقلالية القرار الوطني، وفي العديد من الدول الأوروبية ترتفع تلك النسبة إلى 70 أو 80 في المائة. كما أن الترابط الذي تعيشه السوق النفطية تجعل الأسعار هي ذاتها التي يشتري بها البعض برميلا بذات القدر الذي يشتري آخرون مليونا.
لكن رغم ذلك هناك حاجة إلى النظر بجدية أكبر إلى احتمالات نمو بدائل للطاقة التقليدية، وذلك بسبب بعض التطورات التي تشهدها الساحة العالمية بمختلف أبعادها السياسية والاستراتيجية. وعلى رأس هذه التطورات دخول الصين والهند مستهلكين رئيسيين للطاقة، وهاتان ليستا دولتين عاديتين، فحجم سوقهما المشتركة يتجاوز الثلاثة مليارات نسمة، وهما دولتان تملكان سلاحا نوويا، وإحداهما وهي الصين تحتل مقعدا دائما العضوية في مجلس الأمن، الأمر الذي يعطيها ثقلا سياسيا يجعلها تقف في وجه بعض السياسات الغربية، كما أن الهند تحتل مكانها شيئا فشيئا في عالم البرمجيات وسحب العديد من فرص العمل إلى صالح عمالتها المدربة وذلك على حساب العمالة الغربية.
وهكذا بدأ في البروز خيار استراتيجي مواز للخيار الغربي التقليدي له الرغبة في الحصول على كميات أكبر من النفط وعنده القدرة على الإنفاق على هذا الاستهلاك المتنامي، إلى جانب تأثيره المتنامي على الساحة السياسية الدولية.
هذا الإحساس أن الدول الغربية المستهلكة للنفط، وعلى رأسها الولايات المتحدة، يمكن أن تدخل في منافسة مع الدول الآسيوية لضمان الحصول على إمدادات نفطية سيكون حافزا إضافيا لشحذ الهمم للوصول إلى بدائل للطاقة التقليدية، ومن خلال مصادر متجددة يمكن الحصول عليها من داخل هذه البلاد مثل الإيثانول أو الهيدروجين وغيرها، وهو ما يوفر قدرا من الإرادة السياسية لم يكن موجودا من قبل. فمجرد المنافسة يجرد الغرب من بعض أوراقه التي تميزه على الآخرين، وهو ما يتيح من الناحية الأخرى هامشا للحركة والمناورة أمام الدول المنتجة للنفط، وربما يعيد فتح ملفات النظام الاقتصادي العالمي الجديد وكيفية تعديل شروط عمله قليلا لصالح الدول النامية، وإعطاء أحاديث المؤتمرات عن مكافحة الفقر معنى ومضمونا جديا. وهناك أيضا اتساع دائرة المواجهة الغربية مع دول هذه المنطقة بمختلف الأبعاد السياسية والثقافية، الأمر الذي يكاد يقربها خطوة من نظرية صراع الحضارات المعروفة.
وإذا كانت الدول المنتجة بدأت تحركات لضمان تلبية احتياجات المستهلكين الآسيويين، وهي عمليا أصبحت السوق الرئيسية لمعظم الصادرات، فإن عليها التتبع بدقة لما يجري على الساحة التقنية واحتمال بروز خيار لطاقة متجددة سيمتد تأثيرها إلى بقية العالم. فالحصافة السياسية والاستراتيجية تتطلب البدء في الإعداد والتخطيط لليوم الذي يمكن أن تصبح البدائل حقيقة واقعة وذلك لاجتراح البدائل كي لا تتكرر تجربة اكتشاف اللؤلؤ الصناعي وتأثير ذلك على الأوضاع في الخليج.
-
[email protected]