ريكيافيك عاصمة الهيدروجين
يقوم سائق الحافلة بتوضيح الأمر للركاب: إن السحب البيضاء التي تنطلق من منفذ ماكينة الحافلة إنما هي عبارة عن دخان أبيض. وعندما يكون الجو باردا جدا، الأمر الذي يحدث في معظم الأحيان في ريكيافيك عاصمة آيسلندا، فإن الكثير من الدخان الأبيض يتدفق وتنجم عنه سحب متراكمة.
ومع موارها المائية الهائلة، فإن آيسلندا سعت إلى استغلال هذه الميزة النسبية لاعتماد هدف وطني يتمثل في أن تصبح أول دولة على ظهر الكرة الأرضية تستخدم الهيدروجين مصدرا شاملا للطاقة في كل أنشطتها، وهو سيقوم بتسيير كل شيء من سيارات إلى شاحنات وقطارات وسفن وذلك بحلول العام 2050. وقتها فإن الوقود الأحفوري من النفط والغاز سيكون مستخدما فقط في الطائرات الأجنبية التي تهبط مطار ريكيافيك.
حاليا فإن نحو 70 في المائة من استهلاك الطاقة من مصاهر الألمنيوم إلى تدفئة المنازل يعتمد على الكهرباء والوقود المولد من الماء. وحده قطاع المواصلات لا يزال ينفث غازات تنبعث من وقود أحفوري.
ويقول براجي آماسون أستاذ الكيمياء في جامعة ريكيافيك، الذي يطلق عليه بروفيسور الهيدروجين، إنه عندما أتى الفيكونج إلى منطقة آيسلندا كانوا يعتمدون على طاقة متجددة من الرياح والشمس، وأن العالم بدأ الآن يشهد بدايات التحول إلى الاقتصاد الهيدروجيني.
لكن تبقى مشكلة الهيدروجين الأساسية أنه مكلف من خلال عمليات فصل الماء إلى جزئيات من هيدروجين وأوكسجين، أو فصل الهيدروجين من الغاز الطبيعي والميثان. وباستخدام التقنية المتاحة حاليا، فإن حرق النفط لإنتاج الهيدروجين الذي يستخدم لتشغيل حافلة ركاب ينتج عنه تلوث بيئي يعادل ذلك الذي ينجم عن تشغيل حافلة تستخدم النفط التقليدي.
مصنعو السيارات من طوكيو إلى ديترويت زاروا آيسلندا للاطلاع على مشاريعها الهيدروجينية ومناقشة كيفية تصنيع شرائح الهيدروجين. وكانت أول محطة وقود تعمل بالهيدروجين تم افتتاحها في نيسان (أبريل) من 2003 في العاصمة ريكيافيك.
ورغم الانتقاد الموجه أن آيسلندا بلد صغير ولا يمكن تعميم تجربتها على الآخرين، إلا نوعية البنية الأساسية ونمط الحياة فيها يماثل ما هو موجود في أي قطر غربي، وقد يكون من المفيد التجريب على نطاق صغير، كما يقول برفيسور الهيدروجين آماسون. وبالفعل يتم تجريب حافلات الركاب التي تسير بالهيدروجين في كل من برشلونة، شيكاغو، هامبورج، لندن، مدريد، ستوكهلم، بكين وبيرث في أستراليا. ويعتقد أن مستقبل هذه التجارب سيتحدد بمدى فاعلية شرائح الهيدروجين، وإذا كان من الممكن إدارة هذه التجارب فيما بعد بصورة تجارية.
البصات التي تسير في ريكيافيك بطاقة الهيدروجين قامت بتصنيعها شركة ديملر كرايسلر بتكلفة 1.67 مليون دولار للحافلة، وهو ما يزيد ثلاث أو أربع مرات على السعر الذي ينفق على الحافلة التي تسير بالديزل.
حافلة الهيدروجين تحتاج إلى ما بين ست إلى عشر دقائق لملء خزان وقودها ومن ثم السير لمسافة 400 كيلو متر، ويميل إليها السائقون لأنها لا تصدر ضوضاء مثل الحافلات التي تسير بالديزل وتصيب السائق بصداع بعد وردية عمل لفترة ثماني ساعات متصلة.