بوش يطرح خطة جديدة للطاقة البديلة وتقليل الواردات النفطية

بوش يطرح خطة جديدة للطاقة البديلة وتقليل الواردات النفطية

قبل خمسة أيام من خطاب الرئيس الأمريكي جورج بوش عن حالة الاتحاد الذي تحدث فيه عن إدمان الولايات المتحدة على النفط المستورد، أصدر معهد البترول الأمريكي تقريره الشهري الدوري الذي يتضمن قائمة بالواردات النفطية ومصادر استيرادها.
يقول التقرير إن حجم الواردات النفطية ومشتقاتها إلى السوق الأمريكية بلغ في كانون الأول (ديسمبر) الماضي نحو 13.6 مليون برميل يوميا مقابل 13.08 مليون في الفترة المقابلة من العام الأسبق. وحققت الواردات ما نسبته 64.3 في المائة من جملة الاستهلاك المحلي في كانون الأول (ديسمبر) الماضي وذلك مقارنة بما كان عليه قبل ذلك بعام، حيث بلغت النسبة 61.6 في المائة. حصة الواردات من منطقة الخليج بلغت خلال تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، وهو آخر شهر توافرت فيه معلومات تفصيلية حسب المناطق التي تم الاستيراد منها، 17.3 في المائة مقابل 19.2 في المائة في تشرين الأول (أكتوبر) 2004. ووصل الإنتاج الأمريكي النفطي المحلي إلى 4.8 مليون برميل في كانون الأول (ديسمبر) الماضي مقابل 5.41 مليون في الفترة المقابلة من العام الأسبق.
في خطابه عن حالة الاتحاد السنوي، وهو الذي يأتي هذه المرة في الوقت الذي تعاني فيه شعبية بوش من تدهور بسبب الأوضاع في العراق وبسبب قرب انتخابات التجديد النصفية للكونجرس، فإن بوش انتهز فرصة الخطاب ليحاول طرح أجندة جديدة تعطيه والحزب الجمهوري زمام المبادرة. ومن هذه ما ذكره عن إدمان الولايات المتحدة على النفط المستورد ودعوته لخفض الاعتماد على الخارج في هذا الصدد.
وأوضح بوش أنه سيطلب من الكونجرس الموافقة على طلبه زيادة 22 في المائة في ميدان الأبحاث المرتبطة بالطاقة البديلة، وذلك بهدف إحداث اختراق في جانبين: الطاقة التي تستخدم لتبريد المساكن وتدفئتها، وتلك التي تسير بها السيارات لإعطائها فاعلية أكبر تمكن الجالون الواحد من قطع مسافة أطول مع التحول إلى بدائل أخرى من الطاقة النظيفة.
لم تكن هذه هي المرة الأولى التي يدعو فيها بوش إلى خفض الاعتماد على النفط الأجنبي، وإنما فعل ذلك في كل واحد من خطاباته السابقة عن حالة الاتحاد. بل وسبقه إلى ذلك الرئيس الأسبق ريتشارد نيكسون، الذي دعا عام 1971 وحتى قبل الحظر العربي للنفط ومضاعفة الأسعار أربع مرات إلى أن تصبح الولايات المتحدة مكتفية ذاتيا في استهلاكها للنفط في غضون فترة عقد من الزمان، أو في عام 1980 تحديدا.
جيمي كارتر الذي جاء بشعار أن مواجهة أزمة الطاقة تمثل المعادل الأخلاقي للحرب، وعد الأمة الأمريكية عام 1979 أن يعتمد من السياسات ما يجعل الولايات المتحدة تقصر في استهلاكها للنفط الأجنبي على ما استهلكته فعلا قبل ذلك بعامين.
ورغم هذه الوعود والخطط التي تمت على أعلى المستويات وحملت أسماء رؤساء جمهورية على مدى الـ 35 عاما الماضية، إلا أن اعتماد الولايات المتحدة على النفط الأجنبي ظل في تزايد (انظر الجدول)، رغم أن المرتكز الأساسي في تلك السياسات كان يقوم على الترشيد، ولعل هذا ما دفع بوش في بداية رئاسته الأولى عندما عهد إلى نائبه ديك تشيني بوضع خطة للطاقة أن أصبح التركيز على الإمدادات، وهي الخطة التي لقيت معارضة وخضعت لتعديلات عديدة حتى أجيزت العام الماضي بعد أن حملت معها حوافز وإعفاءات ضريبية عديدة للمصالح المرتبطة بالصناعة النفطية، ولم يبرز فيها بصورة واضحة جانب الترشيد، لكن من خلالها برز السعي إلى تشجيع الإنتاج المحلي سواء في منطقة خليج المكسيك أو فتح المحميات الطبيعية في ألاسكا أمام إنتاج النفط والغاز.
وتشير بعض الأرقام إلى أنه منذ تسلم بوش الرئاسة قبل خمس سنوات تم إنفاق نحو عشرة مليارات دولار على تطوير مصادر بديلة وأرخص للطاقة، وهذا ما أعطى دعوته في الخطاب عن حالة الاتحاد بعدا جديدا، وحديثه عن ضرورة أن تتحول المجمعات الصناعية عن النفط كمحرك لها والاتجاه إلى تصنيع بطاريات أفضل وأقوى للسيارات الهجين التي تسير بالطاقة الكهربائية، التركيز على الإيثانول والحشائش والمخلفات الزراعية لتوليد الطاقة، مع الاهتمام بالرياح والأمواج والشمس كمصادر إضافية للطاقة.
ووضع بوش هدف خفض الاعتماد على نفط الشرق الأوسط، التي وصفها أنها منطقة مضطربة، بنسبة 75 في المائة بحلول عام 2025. ولو أنه ليس واضحا إذا كان يعني خفض هذه النسبة من معدل الاستهلاك الحالي أم ذلك الذي سيكون بعد عقدين من الزمان!
ولتفعيل اقتراحه، طرح بوش تفاصيل إلى جانب زيادة الإنفاق على الأبحاث التطبيقية بنسبة 22 في المائة، أن تتضمن الميزانية المقبلة التي سيبدأ العمل بها في تشرين الأول (أكتوبر) المقبل إنفاق 218 مليون دولار على أبحاث الفحم، و289 مليونا على أبحاث الهيدروجين وتقنياته، وهو ما يشكل زيادة كبيرة على المبالغ التي كانت مرصودة في الميزانية الحالية وتبلغ 53 مليونا فقط، وكذلك تخصيص مبلغ 54 مليون دولار للسيطرة على الكربون ديوكسايد من خلال معامل خاصة للفحم، وتجنيب مبلغ 150 مليون دولار للأبحاث الخاصة بالإيثانول مقارنة بـ 59 مليونا في الميزانية الراهنة و148 مليونا في ميدان الطاقة الشمسية من 65 مليونا هذا العام، إلى جانب 44 مليونا في ميدان طاقة الرياح من خمسة ملايين سابقا، هذا إلى جانب ملياري دولار في شكل حوافز وإعفاءات ضريبية.
وفي جولة بدأها في اليوم التالي في مدينة ناشفيل، أوضح بوش أن خطته للطاقة يمكن أن تأتي أكلها، مضيفا أنه في غضون ست سنوات يمكن حدوث اختراق تقني في ميدان الطاقة البديلة.
ردود الفعل على هذه الخطة راوحت بين الديمقراطيين الذين تساءلوا عما فعلته الإدارة خلال السنوات الخمس الماضية التي قضتها في السلطة، وبعض المهتمين بقضايا الطاقة البديلة الذين رأوا تطورا في الاتجاه الصحيح، ولو أنها جاءت متأخرة وبطيئة، كما أن عدم الالتفات إلى موقف إدارته من اتفاقية كيوتو للتغير المناخي التي رفض التوقيع عليها يلقي ظلالا على التزام الإدارة بالبعد عن الطاقة الأحفورية، وعلّق أحدهم أن من يعترف أنه مدمن لا ينتظر 10 إلى 20 عاما للإقلاع عن الإدمان إن كان جادا.
وانتقد الخطاب أنه لم يتضمن معاملة خاصة للإيثانول المستورد تسمح بتحقيق اختراقات، كما لم يلق الجانب الخاص بزيادة فاعلية الماكينات في استخدام الوقود ذكرا في خطة بوش.
من جانبه، قال رون ريش رئيس رابطة الطاقة الشمسية، إن بوش أصبح أول رئيس يذكر الطاقة الشمسية في خطاب عن حالة الاتحاد في غضون ربع قرن من الزمان.
وفي دراسة للباحث أنطوني كوردسمان وخالد الروضان من المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية والدولية نشرت في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، أوضحا أن الواردات النفطية الأمريكية يتوقع لها أن ترتفع من 12.3 مليون برميل يوميا عام 2003 إلى 20.2 مليون عام 2025، وأن معدل السعر إذا كان منخفضا أو معتدلا أو مرتفعا سيلعب دوره في تحديد حجم الواردات.
وترى الدراسة المعنونة: بـ "متغيرات مخاطر العرض والطلب في سوق النفط العالمية: أزمة أم حلول تتبلور"، أن قدرة المخططين تظل محدودة بسبب عدة عوامل متداخلة، وذلك لأن معظم الاحتياطيات النفطية توجد في مناطق غير مستقرة. وحددت الدراسة أربعة عوامل رئيسية لها تأثيرها في نشر حالة عدم الوضوح، ومن هذه الحالة الجيوستراتيجية، التقلبات الاقتصادية، طبيعة التهديدات التي تطال الموارد الطبيعية، وعدم الوضوح المتعلق بسياسات الإنتاج الحالية والمستقبلية، وأن هذه العوامل تنسحب على مناطق الإنتاج النفطي الرئيسية في الشرق الأوسط، إفريقيا، آسيا الباسفيكية، أوروبا وآسيا، شمال أمريكا، وأمريكا اللاتينية.
وأضافت الدراسة أنه رغم هذا فإن الولايات المتحدة أصبحت أكثر اعتمادا على النفط المستورد خاصة ذلك القادم من مناطق مأزومة، فالواردات المباشرة ارتفعت من 6.3 مليون برميل يوميا عام 1973 إلى 7.9 مليون في 1992، ثم إلى 11.3 مليون عام 2002، ثم إلى 12.9 مليون عام 2004، علما أن هذه الفترة شهدت ورود نحو مليونين ونصف المليون برميل يوميا من منطقة الخليج والشرق الأوسط عموما.
وهذا النمو المتصاعد هو ما دفع بوش إلى التحرك بهدف لجمه، والأيام ستوضح مدى نجاح خطته أم تنضم إلى قائمة أخرى لبرامج حاولها رؤساء آخرون ولم يكتب لها النجاح.

الأكثر قراءة