التمويل اللامركزي على رادار المنظمين
صعد المنظمون الأمريكيون من عمليات التدقيق المتعلقة بالتمويل اللامركزي، وهي سوق مزدهرة للأصول المشفرة تعمل دون إشراف تنظيمي يذكر.
قدمت لجنة الأوراق المالية والبورصات الشهر الماضي اقتراحا معدلا يوضح أن أنظمة تداول الأصول المشفرة الخاصة بالتمويل اللامركزي يجب أن يتم تنظيمها كما هي الحال في بورصات الأسهم. كذلك قدمت وزارة الخزانة الأمريكية ورقة في نيسان (أبريل) أشارت فيها إلى مخاطر التمويل غير المشروع في التمويل اللامركزي.
هذه التحركات هي أحدث إشارة إلى أن المنظمين الذين قمعوا الوسطاء المركزيين للعملات المشفرة في أعقاب إفلاس بورصة إف تي إكس، يحاولون أيضا منع التمويل اللامركزي من أن يصبح ملاذا لتداول العملات المشفرة. سيؤدي ذلك إلى تحدي المبادئ المركزية التي يستند إليها التمويل اللامركزي، وهي الاعتماد على الذات والعقيدة القائلة إن "الشفرة هي القانون" (الشفرة التي تبنى عليها العقود والبروتوكولات الذكية).
كشف انهيار بورصة إف تي إكس عن حالات تعارض متأصلة في نموذج أعمال منصات العملات المشفرة. تلعب هذه المنصات دور الوسيط والبورصة وصانع السوق والقيم، وجميعها عناصر مستقلة في الأسواق التقليدية. ويزعم أن شركة إف تي إكس استخدمت أصول العملاء لدعم شركة تداول منبثقة عنها، ما جعل تلك الأصول عرضة للخطر، وفي النهاية أدت إلى خسائر للعملاء.
في أعقاب انهيار "إف تي إكس"، أشار بعضهم في مجتمع التشفير إلى التمويل اللامركزي كحل. في التمويل اللامركزي يحتفظ المشاركون في السوق بأصول التشفير الخاصة بهم ويقومون بالتعاملات باستخدام البروتوكولات، وهي مجموعة من الشفرات والمعايير والعمليات. يحدث هذا دون مشاركة علنية من جانب الوسطاء المركزيين. في عام 2023 استحوذت البورصات اللامركزية وبروتوكولات الإقراض، في بعض الأحيان، على أكثر من 10 في المائة من النشاط اليومي لتداول العملات المشفرة.
المنظمون في جميع أنحاء العالم، الذين توقعوا أن يكون التمويل اللامركزي هو الواجهة التالية في التشفير، عكفوا على دراسة مخاطره، مسترشدين بالمبدأ القائل بوجوب إخضاع المخاطر للأنظمة الرسمية. وتشير لجنة الأوراق المالية والبورصات إلى أنه على الرغم من الاطلاع بالمهمات التي تؤديها البورصة عادة، فإن بروتوكولات تداول التمويل اللامركزي لم تحاول حتى الامتثال لقوانين الأوراق المالية.
لكن مع أن الامتثال لقوانين الأوراق المالية ضروري، إلا أنه بالكاد يكفي لجعل التمويل اللامركزي سوقا جديرة بالثقة. ما الذي يتطلبه ذلك؟ كحد أدنى، يجب على المشاركين في السوق أن يثقوا بأنهم سيحصلون على المنفعة الأساسية لصفقتهم، وأن يكون لهم الحق في الرجوع والمطالبة بقيمتها إذا لم يحصلوا على هذه المنفعة.
لكن التمويل اللامركزي لا يلتزم بهذا المبدأ، ويمكن القول إنه يتعارض معه تماما. فهو يهدف إلى استبدال الثقة ببروتوكولات التمويل اللامركزي بالثقة بالمؤسسات، أي الوسطاء والقوانين واللوائح. بعبارة أخرى، في التمويل اللامركزي "الشفرة هي القانون". لكن كما كان النقاش في ورقة كتبها أنطونيو فايس وجوناثان إيفرهارت وأنا، ليس لدى التمويل اللامركزي إجابة عن سؤال بسيط: ما الذي سيجري إذا سار شيء ما على نحو خاطئ؟
العقود الذكية -وهي "التعليمات" التي تتيح تنفيذ المعاملات على نظام البلوكتشين- ستنفذ بصورة آلية المهمة التي تمت برمجتها لتنفيذها. غير أن العقود الذكية لا يمكن برمجتها لمعالجة جميع الظروف التي تنشأ في الأسواق.
في الأسواق التقليدية، يمكن للمشاركين الذين يتعرضون للأذى أن يلجأوا إلى المراجعة من خلال الوسطاء والمنظمين، وفي الأساس، من خلال أي طرف مقابل عبر النظام القانوني. في المقابل، من المتوقع أن يقبل المشاركون في التمويل اللامركزي النتيجة حتى عندما يتعرضون للاحتيال. وعلى ما يبدو فإن اختراق بروتوكولات التمويل اللامركزي أو استغلالها يتم بشكل يومي. في عام 2022 وحده تمت سرقة أكثر من 3.1 مليار دولار من الأصول المشفرة في بروتوكولات التمويل اللامركزي، أي أكثر من 80 في المائة من حصيلة السرقات التي تنطوي على أصول التشفير، وفقا لشركة تشايناليسيس.
في النهاية، "الشفرة هي القانون" تعني المسؤولية "على عاتق المشتري". هذه العقيدة، بالشعور الذي تمنحه بالاعتماد على الذات، لها صدى لدى كثيرين في عالم التشفير. لكن كل سوق مالية ذات مغزى في العالم توفر ملاذا للمستثمرين المتضررين والمساءلة عن الإجراءات التي تقوض نزاهة السوق.
سيتطلب ذلك تغييرا جذريا في التمويل اللامركزي وتقويض جمالية الاعتماد على الذات، التي يبدو أنها مدفوعة بالحنين إلى فترة "خيالية إلى حد كبير" قبل أن يتعكر نقاء الأسواق بسبب القوانين واللوائح الفوضوية التي تم تصميمها لإدخال أنشطة السوق المالية ضمن الأعراف المجتمعية.
في الواقع، استبعد المناصرون للعملات المشفرة إمكانية الالتزام بالمعايير الحالية، مع قول بعضهم إن ذلك سيكون مستحيلا في الواقع. أوضح جاري جينسلر، رئيس لجنة الأوراق المالية والبورصات، أن هذا النهج لن يلقى أذنا صاغية في الهيئة المنظمة. قال الشهر الماضي "وصفك نفسك بمنصة تمويل لامركزية ليس ذريعة لتحدي قوانين الأوراق المالية".
في النهاية، من غير المرجح أن يزدهر التمويل اللامركزي إذا بقي خارج المعايير التنظيمية، وليس من الواضح ما الذي سيتبقى من المفهوم إذا تم تنظيمه. سيكون الانتقال مزعجا لمن يعتقد أنه يمكن استبدال أسواق غير موثوقة تسود فيها الشفرة بالقوانين واللوائح.
*شريك في كلاروس جروب