قضاة يستثمرون في برامج التهرب الضريبي

قضاة يستثمرون في برامج التهرب الضريبي

قام ثلاثة من قضاة المحكمة العليا بالاستثمار في برامج التهرب الضريبي المثيرة للجدل والتي طعنت بها هيئة صاحب الجلالة للإيرادات والجمارك، ومن بينهم أحد القضاة الذي أصدر حكما في قضايا التهرب الضريبي، الأمر الذي أثار تساؤلات حول نهج المملكة المتحدة المتراخي في الكشف عن المصالح القضائية.
كانت استثمارات كل من القضاة جوانا سميث وسايمون بريان ومارتن جريفيثس قد بدأت منذ نحو عقد، وذلك قبل تعيينهم في المحكمة العليا، ولكن بالنسبة إلى كل من بريان وجريفيثس فكان ذلك بعد أن بدآ حياتهما المهنية القضائية.
تظهر سجلات وكالة كومبانيز هاوس أنهم جميعا احتفظوا بحصصهم في البرامج بعد توليهم مناصبهم كقضاة في المحكمة العليا.
فيما قام قاضيان آخران في المحكمة العليا باستثمارات مشابهة في برامج ضريبية تم إغلاقها منذ ذلك الحين، حيث وصف أحدها بأنه "شديد التعسف" و "مفتعل بالكامل" من قبل وزير في الحكومة.
يثير هذا الكشف أسئلة حول تقدير بعض أكبر العقول في القانون في المملكة المتحدة، إضافة إلى عملية التعيين في المحكمة العليا وغياب القواعد التي تتطلب من قضاة المملكة المتحدة تقديم إفصاحات رسمية حول شؤونهم المالية، سواء بشكل علني أو سري.
قال إدوارد تروب، الذي كان في السابق أكبر موظف مدني في مصلحة الضرائب، "كان من المتوقع بشكل معقول أن يعرف أي شخص مثقف أن هذه المخططات غير مقبولة لدى هيئة صاحب الجلالة للإيرادات والجمارك".
أضاف تروب أنه ينظر إلى الاستثمار في برامج التهرب الضريبي على أنه "سلوك غير مقبول من قبل أي شخص مهني".
وقد يتم الطعن في التهرب الضريبي من قبل السلطات الضريبية ولكنه يختلف عن التحايل الضريبي، وهو جريمة جنائية تتمثل في عدم دفع الضرائب عمدا. وفي الأغلب ما تنتفع البرامج من الإعفاءات الضريبية المخصصة للأنشطة التي تريد الحكومة تشجيعها.
كشفت "فاينانشيال تايمز" عن الاستثمارات في برنامج التهرب الضريبي من خلال البحث في وكالة كومبانيز هاوس للحصول على معلومات عامة حول أكثر من 100 قاض من قضاة المحكمة العليا.
على عكس الولايات المتحدة، حيث تورط قاضي المحكمة العليا كلارنس توماس في فضيحة حول شؤونه المالية، فإن المملكة المتحدة لا تطلب من قضاتها الكشف بشكل منهجي عن مصالحهم.
يتطلب دليل المملكة المتحدة للسلوك القضائي الذي كتبته السلطة القضائية، فقط تقديم إفصاحات خاصة للأطراف في حالات معينة إذا رأى القاضي أن لديهم أي تضارب في المصالح أو إذا كانوا يعتقدون أن هناك خطر ظهور تضارب في المصالح.
إذ يمنح الدليل للقضاة الأفراد سلطة تقديرية واسعة ليقرروا بأنفسهم "ما إذا كان نشاط أو مسار معين يعد مناسبا أم لا".
قال ريتشارد مورهيد، أستاذ القانون والأخلاق المهنية في جامعة إكسيتر، إن الأمر قد تأخر كثيرا بالنسبة إلى السلطة القضائية أن تؤسس لعملية أكثر رسمية وشفافية لتسجيل المصالح القضائية.
"يجب ألا يعتمدوا على قضاة أفراد يتذكرون في القضايا الفردية ما إذا كان لديهم تضارب في المصالح أو تحيز في تصورهم. من الشائع جدا في أي نوع من الوظائف المهنية أن يكون لديك بعض التوجيه المناسب حول هذه الأنواع من القضايا".
قال المكتب القضائي الذي يدعم القضاء في إنجلترا وويلز لـ"فاينانشيال تايمز" أن لا أحد من القضاة يرغب في التعليق. وأضاف أحد المتحدثين، "القضاء لا يعلق على الشؤون المالية للقضاة الأفراد".
ويطلب من المحامين الذين يتقدمون لشغل منصب قاض في المحكمة العليا تقديم إفصاحات ذات صلة بمسألة ما إذا كانوا "يتمتعون بشخصية خيرة".
كما تشير التوجيهات على موقع لجنة التعيينات القضائية إلى أن هذا يتضمن مطلبا بأن القضاة المحتملين "امتثلوا، بطريقة مباشرة وشفافة، بالتزاماتهم فيما يتعلق بالضرائب".
تمت مختلف الاستثمارات التي قام بها القضاة الخمسة بين 2003 و2012، عندما كانت الحكومات المتعاقبة تضيق الخناق على التهرب الضريبي استجابة للغضب الشعبي المتنامي من البرامج التي ساعدت الأثرياء على خفض فواتيرهم الضريبية.
وفي 2004، قدمت حكومة المملكة المتحدة تشريعات تتطلب من مروجي برامج التهرب الضريبي إخطار هيئة صاحبة الجلالة للإيرادات والجمارك بخططهم.
وقد استثمرت سميث، التي تم تعيينها قاضية في المحكمة العليا في 2021، في 2012 في اثنين من برامج ضريبة الأملاك التي تتضمن إعفاءات ضريبية لتجديد المباني التجارية غير المستخدمة. حيث ركز أحد البرامج، وهو كيورو تشارلوت هاوس إل إل بي، على فندق جلاسكو.
ذكرت "فاينانشيال تايمز" في كانون الأول (ديسمبر) من 2014 أن المستثمرين في تشارلوت هاوس إل إل بي تم تعيينهم لتلقي طلبات السداد من هيئة صاحبة الجلالة للإيرادات والجمارك بعد أن أبلغت مصلحة الضرائب مروج الخطة أنها بدأت باتخاذ إجراء.
في العام الماضي، حكمت سميث في اثنين من طلبات الاستئناف الضريبية المنفصلة التي تضمنت أسئلة مشابهة لتلك التي كان من الممكن أن تكون محل خلاف في قضية تشارلوت هاوس، وفقا لما ذكره دان نيدل، مؤسس مركز تاكس بوليسي أسوشيتس الفكري وسابقا أحد كبار محامي الضرائب في حي المال.
فيما يتعلق أحد الطعون الضريبية بالظروف التي يكون لدى دافع الضرائب فيها "عذر معقول" لعدم دفع الضريبة المستحقة، بينما تحول الآخر حول مسألة ما إذا كان البرنامج له "غرض رئيس" دعاه إلى تجنب الضريبة.
قال نيدل لـ"فاينانشال تايمز" إنه يعتقد أن سميث كان عليها أن تنحي نفسها عن القضيتين نتيجة لاستثمارها في تشارلوت هاوس إل إل بي، سواء كان هناك أي نزاع قائم مع هيئة صاحب الجلالة للإيرادات والجمارك في ذلك الوقت أم لا.
"إذا انتهى نزاعها، فلن يكون هناك تضارب مباشر، ولكن لا يزال هناك احتمال للتحيز، نظرا إلى أنه سيكون من الصعب عليها تجنب (إصدار الحكم في) النقاط ذات الصلة ببرنامجها الخاص. لذلك أشعر أنه كان عليها أن تنقذ نفسها".
كان بريان وجريفيثس، اللذان تم تعيينهما في المحكمة العليا في 2017 و2019 على التوالي، منذ 2011 مستثمرين في برنامج كوبالت داتا سنتر 2 إل إل بي، والذي تضمن إعفاءات ضريبية لمنطقة الشركات وإعطاء وعد للمستثمرين بتحقيق أرباح ضريبية فورية بنسبة 67 في المائة.
في تشرين الأول (أكتوبر)، نجحت هيئة صاحبة الجلالة للإيرادات والجمارك بالطعن في البرنامج في محكمة الاستئناف، التي وجدت أن المستثمرين في البرنامج لم يستحقوا أي إعفاءات ضريبية على استثماراتهم. ووجدت محكمة ابتدائية أن البرنامج سعى للحصول على حوافز ضريبية مشروعة، لكن محكمة الاستئناف حكمت لمصلحة هيئة صاحبة الجلالة للإيرادات والجمارك بشأن مسألة تعاقدية. وقد يتم إبطال هذا القرار عند الاستئناف.
لم يتورط جريفيثس ولا بريان قضائيا في دعوى كوبالت. إذ تم تعيينهما كمسجلين في 2009، وهي وظيفة تحكيم بدوام جزئي تعد أول درجة في السلم القضائي.
وقد استثمر قاضيان آخران في المحكمة العليا على نحو مشابه في برامج الضرائب قبل تعيينهما. حيث كان جوليان جوس من 2009 إلى 2010 مديرا لكيان يدعى رومان جيت ليميتد، وهو جزء من برنامج رشمور لتجنب دفع الضريبة.
فيما تم حظر برنامج رشمور من قبل حكومة حزب العمال في 2009 ووصف بأنه "شديد التعسف" و "مفتعل بالكامل" من قبل وزير الخزانة آنذاك ستيفن تيمز. وقد عين جوس كمسجل في 1998.
قام نيكولاس موستين في 2003، بعد ثلاثة أعوام من تعيينه نائبا لقاضي المحكمة العليا بالاستثمار في شركتي أفلام محلولتين الآن. حيث تم تنظيم تأسيس إحداهما من قبل شركة جروزفينور بارك، وهي شركة لتمويل الأفلام كانت معروفة آنذاك بترتيب برامج الضرائب.
ذكرت صحيفة "التايمز" في 2015 أن البرنامج الثاني قد "تم الطعن فيه في مرحلة مبكرة من قبل هيئة صاحبة الجلالة للإيرادات والجمارك" ولكن تم حل المشكلة.

الأكثر قراءة