مستثمرون: إعادة شراء الأسهم لا تعود بفوائد تذكر
أثارت مستويات قياسية من عمليات إعادة شراء الأسهم شكاوى من عدد متنام من المستثمرين البارزين، القلقين من أن هذه الممارسة تعزز مكافآت المديرين التنفيذيين ولا تعود إلا بفوائد محدودة على المساهمين.
أعادت أكبر 1200 شركة عامة في العالم مجتمعة شراء ما قيمته 1.3 تريليون دولار من أسهمها العام الماضي، ثلاثة أضعاف الرقم قبل عقد، وتقريبا المبلغ نفسه الذي دفعته للمساهمين على شكل توزيعات أرباح، وفقا لبحث أجرته شركة يانوس هندرسون لإدارة الأصول. على النقيض من ذلك، نما إجمالي توزيعات الأرباح 54 في المائة فقط في الأعوام العشرة الماضية.
استمر هذا الاتجاه هذا العام مع عمليات شراء أسهم جديدة أعلنت عنها شركات من بينها بنك إتش إس بي سي، وأبل، وإيربنب. وكان النفط القطاع الذي شهد أكبر قدر من عمليات إعادة شراء الأسهم في العام الماضي، وفقا لشركة جانوس هندرسون. أعادت شركات القطاع شراء 135 مليار دولار من أسهمها، أربعة أضعاف ما أعادت شراءه في 2021.
عمليات إعادة شراء الأسهم طريقة تتبعها الشركات لإعادة الأموال الزائدة إلى المساهمين، ويمكن أن تعزز سعر أسهمها، لكن حجم النشاط يجذب اهتمام الجهات التنظيمية بشكل متزايد.
أدخل الرئيس الأمريكي جو بايدن ضريبة نسبتها 1 في المائة على عمليات إعادة الشراء في وول ستريت، دخلت حيز التنفيذ في كانون الثاني (يناير)، اقترح أخيرا مضاعفتها أربع مرات.
وافقت لجنة الأوراق المالية والبورصات أخيرا على قانون يتطلب من الشركات المدرجة الكشف عن مزيد من المعلومات حول عمليات إعادة الشراء، كعدد الأسهم المشتراة ومتوسط السعر المدفوع.
قال إيوان مونرو، الرئيس التنفيذي لشركة نيوتن إنفستمنت مانجمنت "نفضل أن تكون عمليات إعادة الشراء أقل شيوعا". وأضاف "إذا أسيء استخدامها، يمكن استغلالها للتلاعب بأرقام أرباح السهم صعودا لتحقيق أهداف الحوافز الإدارية متوسطة الأجل على حساب الاستثمارات التي قد تكون مهمة لصحة الشركة في المدى الطويل".
دانييل بيريس، مدير صندوق في شركة فيدريتيد هيرمز ـمقرها بيتسبرجـ وصف عمليات إعادة الشراء بأنها "خطر بيئي". وقال "توزيع الأرباح مجرد توزيع أرباح: منافع لمستثمري التجزئة الذين يعتمدون عليها مصدرا لدخل مستقر، ولحاملي الأسهم في المدى الطويل. وعمليات إعادة الشراء تفيد المتداولين وصناديق التحوط وكبار المديرين التنفيذيين وأسعار الأسهم في المدى القريب".
لي هيمسورث، مدير الأسهم البريطانية في صندوق فيديليتي، قال "بصفتك مساهما، تشعر أنك لا تحصل على المكافأة أبدا" مع عمليات إعادة الشراء. "إذا كانت السوق غير منزعجة من ذلك، فأنت كمساهم في وضع أسوأ من نقطة البداية".
أربي برتوريوس، مدير في شركة ناينتي ون لإدارة الأصول، يرى أن "عمليات إعادة الشراء توفر فقط قيمة للمساهمين الباقين وأداء نسبيا قويا عندما تكون الأسهم رخيصة ولا توجد استخدامات أفضل لتلك الأموال تحقق عوائد أعلى". وأضاف "معظم عمليات إعادة الشراء تساعد على النمو المرئي للأرباح لكل سهم لكنها تدمر القيمة".
عمليات إعادة الشراء لا تترجم دائما إلى أداء أفضل لسعر السهم. كان أداء صندوق تابع لشركة إنفسكو لإدارة الأصول يتتبع أسعار الشركات التي تقوم بعمليات إعادة شراء كبيرة، أقل من أداء السوق الأمريكية على مدار العقد الماضي.
لطالما كانت عمليات إعادة شراء الأسهم أكثر شيوعا في سوق الأسهم الأمريكية منها في المملكة المتحدة أو أوروبا، لكنها آخذة في الارتفاع في سائر أنحاء العالم. فبين 2012 و2022، تضاعفت عمليات إعادة الشراء من قبل أكبر الشركات المدرجة في المملكة المتحدة أكثر من ثلاث مرات، من 22 مليار دولار إلى 70 مليار دولار. وزادت في الولايات المتحدة من 333 مليار دولار إلى 932 مليار دولار، بينما ارتفعت في أوروبا أكثر من الضعف إلى 148 مليار دولار.
وفقا لمايكل ستياسني، رئيس الأسهم البريطانية في شركة إم آند جي الاستثمارية "النهج الذي رأيناه في الولايات المتحدة، الخاص بتفضيل عمليات إعادة الشراء بشكل عام، قد يكون إشكاليا إذا ترسخ في المملكة المتحدة. النتيجة المحتملة هي أن ينتهي الأمر بالسوق إلى تحقيق عائد أقل مما يمكن أن تحققه بشكل دائم".
مع ذلك، يفضل بعض المستثمرين عمليات إعادة الشراء على توزيعات أرباح الأسهم، لأنهم قد يدفعون ضريبة أقل من تلك المفروضة على توزيعات الأرباح ويمكنهم التحكم في توقيت استحقاق الضريبة.
قال جيم تيرني، مدير محفظة تركز على نمو الأسهم في شركة أليانس بيرنشتاين لإدارة الأصول "لا أعرف كيف وصلنا إلى هذه النقطة سياسيا، لكنني لا أعتقد أن فكرة أن عمليات إعادة الشراء أمر سيئ، أو مجرد طريقة للتلاعب بأسهمك".
نيك ترين، الشريك المؤسس لشركة ليندسل ترين، يعتقد أن فائدة عمليات إعادة الشراء تعتمد على سعر الشراء، لكنها يمكن أن تكون "طريقة رائعة لمجلس الإدارة لبناء ثروة معززة للمساهمين في المدى الطويل".
من جانبه، قال برنارد أهكونج، الرئيس التنفيذي المشارك للاستثمار في أوكونور، وهي وحدة صناديق التحوط التابعة لشركة يو بي إس أسيت مانجمنت "لا نريد أن تعزز الشركات توزيعات الأرباح بطريقة غير مستدامة فقط لتضطر بعد ذلك إلى تقليصها بعد عام واحد، ستكون هناك تداعيات سلبية أقل من إعادة شراء تحدث مرة واحدة، مثلا".
يوم الجمعة الماضي رفعت غرفة التجارة الأمريكية دعوى قضائية على هيئة الأوراق المالية والبورصات لمنع خطة تتضمن مطالبة الهيئة بمزيد من الإفصاح عن إعادة الشراء. قال نيل برادلي، نائب رئيس الغرفة وكبير مسؤولي السياسات "تلعب عمليات إعادة شراء الأسهم دورا مهما في أداء أسواق رأس المال السليمة والفعالة".
يتوقع بعض المحللين أن تتضاءل فورة النشاط. تشير توقعات بنك جولدمان ساكس إلى أن الإنفاق على عمليات إعادة الشراء من قبل شركات مؤشر إس آند بي 500 الأمريكية سينخفض هذا العام 15 في المائة إلى 808 مليارات دولار، وأن توزيعات الأرباح سترتفع 5 في المائة إلى 628 مليار دولار، لأن النمو الضعيف للأرباح يحد من إجمالي المدفوعات للمستثمرين، رغم أنه يتوقع أن ترتفع عمليات إعادة الشراء مرة أخرى في العام المقبل.
ديفيد كوستين، كبير محللي الأسهم الأمريكية في بنك جولدمان ساكس، يلاحظ أن "التباطؤ في نمو أرباح الولايات المتحدة، وزيادة عدم اليقين بشأن السياسات في أعقاب الضغوط المصرفية الأخيرة، والتقييمات الأولية المرتفعة لإعادة شراء الأسهم، كلها عوامل تشكل رياحا معاكسة لعمليات إعادة الشراء".
وقال "إن الانخفاضات الحادة في الحيازات النقدية للشركات الأمريكية حدت من قدرتها على متابعة عمليات إعادة الشراء، بينما أدى ارتفاع أسعار الفائدة إلى إزالة الحافز لتمويلها بالديون"، مضيفا أن "ضريبة إعادة الشراء التي فرضها بايدن من غير المرجح أن يكون لها تأثير ملحوظ".