نورمال .. البلدة التي تحمل مفاتيح مستقبل ريفيان
لا تزال رؤية شاحنة كهربائية على الطريق أمرا جديدا في معظم أنحاء الولايات المتحدة، لكن ليس في نورمال في ولاية إلينوي.
المدينة الواقعة في حزام الذرة في الغرب الأوسط هي موطن عمليات التصنيع لريفيان، شركة ناشئة مصنعة للسيارات التي تعمل بالبطارية قيمتها أكبر من شركة فورد أو شركة فولكس فاجن بعد فترة وجيزة من إدراجها منذ 18 شهرا.
تراجعت القيمة السوقية لشركة ريفيان منذ ذلك الحين من ذروتها عند 162 مليار دولار إلى 12.5 مليار دولار في مواجهة نقص الإنتاج واشتداد المنافسة من الشركات المصنعة للسيارات الراسخة والجديدة على حد سواء. من المتوقع أن تسجل خسارة تشغيلية قدرها 1.7 مليار دولار على إيرادات بقيمة 654 مليون دولار في نتائج الربع الأول، وفقا لمجموعة من تقديرات المحللين.
يرتكز جزء كبير من مستقبل "ريفيان" على مدينة نورمال. واقتصاد نورمال، يبلغ عدد سكانها 54 ألف نسمة، مرتبط الآن بشركة ريفيان. اشترت حكومة البلدة إحدى شاحنات الشركة لأسطولها وطلبت سيارة رياضية متعددة الاستخدامات.
قال كيث كورنيل، رئيس كلية هارتلاند كوميونيتي في نورمال: "نريد أن تنجح. إذا كانوا يعانون، فإننا نعاني أيضا، كحال أي عائلة".
اختار آر جيه سكرينج، المؤسس والرئيس التنفيذي لـ"ريفيان"، مدينة نورمال لإنشاء مصنعه الأول، حيث اشترى مصنعا سابقا لسيارات ميتسوبيشي قبل أسابيع من هدمه مقابل 16 مليون دولار في 2017. كان سعر الشراء في المصنع القديم صفقة رابحة، ونورمال – موقع أول شاحن فائق لسيارات تسلا في الغرب الأوسط – حاولت تقديم نفسها كمركز للمركبات الكهربائية. وأخبر سكرينج محطة إذاعية محلية أن منطقة نورمال، ذات الاقتصاد المتنوع الذي يشمل الزراعة والجامعات ومقار شركة ستيت فارم للتأمين، تختلف عن المدن الإقليمية الأخرى التي خسرت الشركات المصنعة.
"إذا نظرت إلى مصانع أخرى في الغرب الأوسط، والمناطق المتأثرة بإغلاق مصانعها أو انتقال التصنيع خارج المنطقة، ستلاحظ عدم وجود هذا المستوى من الطاقة. لا يوجد هذا المستوى من التفكير التقدمي"، كما قال.
تعد الشركة الآن ثاني أكبر مشغل في منطقة المترو التي تضم نورمال ومدينة بلومنجتون المجاورة. يعمل نحو 7500 شخص في المصنع، أي تقريبا نصف قوتها العاملة. تظهر علامات الحماس بشأن "ريفيان" في جميع أنحاء المدينة، بدءا من شعار الشركة المزخرف على سترة رئيس البلدية من علامة باتاجونيا إلى فشار "ريفيان بز" الذي يبيعه متجر محلي، المزين باللون الأزرق المميز للشركة المصنعة للسيارات.
كافح المصنع لتحقيق أهداف الإنتاج الطموحة العام الماضي، حيث خفض عمليات التسليم إلى 25 ألف مركبة من 50 ألف كما كان مخططا له في البداية. المشكلات أعادت إلى الأذهان التحديات التي واجهتها "تسلا" عندما توسعت، فترة وصفها مؤسسها إيلون ماسك بأنها "جحيم الإنتاج".
قال ستيفن براون، محلل في وكالة فيتش للتصنيف الائتماني: "ما نشهده الآن هو صعوبة في زيادة الإنتاج في صناعة السيارات. إنه عرض مكلف للغاية يتطلب مبلغا هائلا من المال في الأعوام الأولى، ويجب على الشركات المصنعة تجاوز ذلك قبل أن تتمكن من التوسع والبدء في تحقيق بعض الربحية(...) إنه سباق للوصول إلى الجانب الآخر، قبل أن تنخفض السيولة".
تضمنت إحدى أخطاء التصنيع المبكرة والبارزة التي ارتكبتها "تسلا" إجراء تغييرات متأخرة على المنتجات أجبرت الموردين على تغيير أدواتهم، وإضافة التكاليف إلى العملية، وإرهاق علاقات سلسلة التوريد المهمة للغاية.
في "ريفيان"، أدى التغيير المتأخر في المصابيح الأمامية إلى اضطرابات في قاعدة الموردين وفرض تغييرات باهظة في الأدوات، وفقا لشخصين على دراية مباشرة بالعملية.
قال موظف سابق إن سرعة عملية تصميم المركبة تعني أن عيوب التصميم "كانت تظهر بينما كنا نصنع السيارة"، مع تسبب تغييرات اللحظة الأخيرة في حدوث "معوقات".
قال أحد مستشاري سلسلة التوريد الذي يعمل مع بعض من الشركات المصنعة في الولايات المتحدة: "إنها مشكلة شائعة بين الشركات الناشئة، إذ إن جميعها تستخف بمدى صعوبة إجراء عملية التجميع".
انضم تيم فالون، نائب الرئيس لعمليات التصنيع في "ريفيان"، إلى الشركة بعد 16 عاما من العمل في شركة نيسان. قال إنه بينما ارتكبت الشركة الناشئة أخطاء، "فلن أسمي ذلك جحيم الإنتاج. بل سأقول إنها حقيقة وجودك في صناعة السيارات".
أضاف أن الشركة تركز الآن على "التصميم من أجل قابلية التصنيع". وهذا يعني ضبط كيفية تجميع السيارة بحيث تتم العملية بكفاءة أكبر وبأخطاء أقل. مثلا، جددت "ريفيان" كيفية تصنيعها لمجموعة أسلاك الشاحنات وتركيبها، أنظمة تسمح بمرور الكهرباء عبر السيارة.
أثر النقص في أشباه الموصلات الذي عرقل صناعة السيارات في 2021 و2022 في "ريفيان". كما استخدمت موظفين لمساعدة الموردين على تلبية احتياجات الشركة المصنعة للسيارات. لكن بعض الموردين أعطوا الأولوية لإرسال الرقائق لعملاء أكبر يسلمون ملايين السيارات.
قال فالون: "اقتصادات الحجم حقيقية بالتأكيد وكان لها تأثير. الآن بعد أن أثبتنا قدرتنا على بناء منتج وإخراجه (...) فإننا مستمرون في اكتساب ثقة واحترام موردينا، ما يجعلنا متساوين مع الشركات المصنعة الأخرى".
تخطط "ريفيان" الآن لإنتاج 50 ألف مركبة في 2023. وبدأت في التوظيف لتشغيل وردية ثانية في نورمال، موظفة ما لا يقل عن 1700 بحلول منتصف العام. وقال كريس كوس، عمدة مدينة نورمال: "لقد بدأوا في رفع مستوى إنتاجهم. جميعهم يتحمل أكثر مما يستطيع التعامل معه الآن".
قال كوس إن الشركة تواجه سوق عمل ضيقة. بلغ معدل البطالة في المنطقة في آذار (مارس) 3.4 في المائة، أقل من رقم الولايات المتحدة بقليل. ومع توسع "ريفيان"، ارتفعت نسبة العاملين في التصنيع في المنطقة بسرعة: قفزت من 1.9 في المائة في مارس 2022 إلى 9.9 في المائة بعد 12 شهرا.
بهدف بناء القوى العاملة المحلية، طورت كلية مجتمع نورمال برنامجا لتدريب الطلاب على تصنيع السيارات والبطاريات الكهربائية وإصلاحها. تلقت كلية هارتلاند منحة بقيمة 7.5 مليون دولار من ولاية إلينوي وتبني مرفقا تبلغ مساحته نحو 6300 قدم مربع، حيث سيعمل الطلاب على المركبات. كما إعارت "ريفيان" مركبات ومدرب للبرنامج.
"نحاول التغيير بأسرع ما يمكن لتلبية احتياجاتهم. أنهم بحاجة إلى مزيد من القوى العاملة"، حسبما قال كورنيل.
تسير سوق العمل المحلية المحمومة جنبا إلى جنب مع سوق العقارات المحمومة. وجد تقرير صدر في 2022 عن مجلس بلومنجتون-نورمال للتنمية الاقتصادية أن قدوم شركة ريفيان "قد شكل ضغطا كبيرا على المعروض من المساكن في المنطقة. لا يستطيع العمال الجدد في المنطقة العثور على سكن لائق ويواجه السكان المقيمون منذ فترة طويلة ارتفاعا سريعا في تكاليف الإسكان". ارتفع سعر المنزل العادي 32 في المائة في نورمال بين يناير 2017 ويناير 2023، وفقا لشركة زيلو.
قال مارتي ترانك، الذي يعمل في بناء المنازل، إن أعماله في شركة ترنك باي قد توسعت من خمسة إلى عشرة منازل سنويا إلى نطاق يراوح بين 15 إلى 20 منزلا. وكان بعض العملاء من موظفي "ريفيان". منذ 2021، العام الذي خرجت فيه أول شاحنة من طراز ريفيان من خط تجميع نورمال، أصبح لديه مرائب سلكية لتسهيل تركيب شاحن السيارات الكهربائية.
"لقد كانت دفعة تعزيزية هائلة لمدينتنا. هناك كثير من الناس الذين يشجعون ذلك"، وفقا لترانك.
أنفقت "ريفيان" 6.4 مليار دولار نقدا في 2022، منهية العام بمبلغ 11.6 مليار دولار في ميزانيتها العمومية. قالت مديرة الشؤون المالية، كلير ماكدونو، في فبراير: إن الإنفاق سيتباطأ العام المقبل الذي تتوقع فيه "ريفيان" تحقيق ربح إجمالي، مقارنة بخسارة إجمالية قدرها 3.3 مليار دولار في 2022. ويوجد لدى الشركة نقود كافية لتمويل العمليات حتى نهاية 2025.
بالنسبة إلى 2023، توقعت "ريفيان" خسارة معدلة قبل الفوائد والضرائب والإهلاك والاستهلاك قدرها 4.3 مليار دولار. وقال ماكدونو إن الأهداف المالية طويلة الأجل للشركة تتضمن أرباحا معدلة قبل الفوائد والضرائب والإهلاك والاستهلاك "تقل عن الـ20 مليارا"، لكنها لم تحدد الخط الزمني لذلك.
ستراقب وول ستريت والشارع الرئيس في نورمال الشركة عن كثب.