داخل السوق الإلكترونية لبيع أسرار الولايات المتحدة
على إحدى قنوات تطبيق تيليجرام التي تضم عددا قليلا من المشتركين، يتباهى مخترِق كما يصف نفسه، بأن لديهم شيئا يودون التباهي به.
بعد نشر رسالتين، نشروا ما يزعمون أنه سجل لأسماء آلاف من موظفي مكتب التحقيقات الفيدرالي، يراوح بين محللي الاستخبارات والمتدربين في وكالة إنفاذ القانون الأمريكية، وكتيبات سرية للطائرات الحربية الأمريكية، وقواعد بيانات من أقسام الشرطة في جميع أنحاء الولايات المتحدة.
يقول أحد المشتركين المذهولين متسائلا، ماذا بعد. "الاحتياطي الفيدرالي"، كما يمزح آخر قبل نشر دليل تدريبي لوكالة مكافحة المخدرات، قائلا "إليكم شيئا من المجموعة".
هذا التطبيق هو منفذ واحد فقط في سوق تصخب بأسرار أمريكا، التي يتم تداولها من قبل قراصنة رخيصين وأصحاب نظرية المؤامرة للحصول على المال وحقوق التباهي، ويمكن الدخول إليه بدون كلمات مرور أو برامج خاصة أو معرفة بالإنترنت المظلم.
بعد تتبع الأدلة من باحثي الأمن السيبراني الذين يدرسون منتديات قراصنة الإنترنت من أجل لقمة العيش، لاحظت "فاينانشيال تايمز" على مدار أسبوعين أن عدة مجموعات للدردشة تحشد عشرات الآلاف من صفحات الوثائق، التي في بعض الأحيان تم الحصول عليها أخيرا نتيجة الخروقات الأمنية الأخيرة، التي تتكون أحيانا من معلومات أُعيد تغليفها من عمليات اختراق سابقة.
حيث راوحت بين المواد السرية التي يزعم أن جاك تيكسيرا عضو الحرس الوطني الأمريكي سربها، إوأسرار الشركات التي يقدر حجمها بالجيجا بايتس التي تم استخراجها أخيرا بعد أن تتخلص منها المجموعات التي تقف وراء برامج الفدية غير المدفوعة بشكل غير رسمي عندما تفشل المفاوضات مع ضحاياها. وكانت تضم أيضا مراسلات خاصة بين سلطات إنفاذ القانون الأمريكية وشركات التكنولوجيا.
غالبا على تطبيق تيليجرام، لكن أيضا في منتديات الإنترنت المظلم حيث يشارك القراصنة ومجرمو برامج الفدية النصائح ويتباهون بمآثرهم، يناقش المشاركون مجهولو الهوية السياسة العالمية ويقدمون نصائح حول المواعدة الغرامية إضافة إلى تداولهم البيانات المسربة.
وفي الآونة الأخيرة، كان ينسب أعلى مستوى من التقدير من مشاركة تفاصيل لم يتم الإبلاغ عنها حتى الآن من تسريبات تيكسيرا.
في غضون ثوان بعد أن طلب أحد المشتركين في قناة تيليجرام الوثائق، ظهر رابط لعشرات من الشرائح المسربة، التي تم حشدها على دليل مفتوح على منصة دروب بوكس. وفي الوقت الذي اطلعت عليها "فاينانشيال تايمز"، لم يكن قد تم الإبلاغ عن عديد منها من قبل وسائل الإعلام العالمية، الصين تبني أسلحة إلكترونية للسيطرة على الأقمار الاصطناعية الغربية ومجموعة مرتزقة فاجنر الروسية تسعى إلى الحصول على أسلحة من جميع أنحاء العالم.
تتضاءل هذه المعلومات المختزنة مقارنة بما وصفه المبلغون عن المخالفات بأنه "سيل" من البيانات من المنظمات الروسية التي كشفها قراصنة مؤيدون لأوكرانيا.
لكن تنوع الوثائق والسهولة النسبية للوصول إلى هذه المنتديات عبر الإنترنت تجعل الأمر يبدو "كما لو كنت ترى قمة جبل الجليد"، وفقا لأحد الدبلوماسيين الأمريكيين. "حتى الوثائق السرية القديمة لها قيمة تشغيلية، فهي توضح كيف نتعامل مع المشكلات، وكيف نقيم التهديدات، وكيف ندرب الناس".
يبدو أن ادعاءات القراصنة، وإن كانت غير موثقة، تؤكد ذلك. حيث قال أحد أعضاء المجموعة التي رصدتها "فاينانشيال تايمز"، مشيرا إلى الوثائق الموجودة في إحدى قنوات تيليجرام "هذه ليست أفضل الأشياء. قد تقضي عدة أعوام هنا (في الإنترنت المظلم)، ولا تتم دعوتك أبدا إلى الغرفة المناسبة".
أما في الغرف المناسبة، فيتم الإعلان عن "أفضل المواد" على شكل لقطات من الشاشة، وغالبا ما يتم تداولها مقابل بيانات تجارية أمريكية أو أوروبية مسروقة، كمعلومات بطاقات الائتمان والبريد الإلكتروني وأرقام الضمان الاجتماعي.
حقيقة أن كثيرا من الشرائح الموجزة التي يزعم أن تيكسيرا قد سربها أصبحت عملة في منتديات الإنترنت الموالية لروسيا، تظهر أن هناك خطرا لا يزال باقيا من الكشف عنها. حيث قال محللون "إنه ما زال هناك احتمال حقيقي أن بعض الوثائق لم تظهر بعد، أو أن وثائق جديدة مفبركة قد تظهر في حملات التضليل الروسية".
قال أوشر أسور رئيس قسم الأمن السيبراني في شركة أورين إسرائيل للاستشارات "بمجرد أن تجد مثل هذه من البيانات نفسها على الطريق السريع للإنترنت، فلن يستغرق الأمر وقتا طويلا حتى تعثر عليها مجموعة صغيرة من الأشخاص، وعندما يعثرون عليها، ستنتشر على الإنترنت مثل الوباء".
كما قال أسور "كل يوم يصبح الحصول على هذه الملفات السرية أسهل، وذلك يضع حكومة الولايات المتحدة في مأزق كبير، علاوة على النسخ الأصلية، نرى مزيدا من الملفات المزيفة أو التي تم التلاعب بها تضاف لتتسبب في مزيد من التشويش وصرف الانتباه".
عندما انتشرت الوثائق الجديدة على الملأ، سارع المسؤولون الأمريكيون إلى تقييم عمق التسريبات، حيث فاجأتهم بعض المنشورات المسربة. قال العميد بات رايدر السكرتير الصحافي لوزارة الدفاع الأمريكية يوم الثلاثاء "إن وزارة الدفاع ما زالت تقيم حجم تسريبات تيكسيرا وتأثيرها".
فيما رفض مكتب التحقيقات الفيدرالي التعليق على حجم وخطورة التسريبات ككل. وامتنعت وزارة الدفاع عن التعليق.
وتؤكد مختلف أنواع المواد المتعلقة بالحكومة الأمريكية التي تتم مشاركتها على قيمتها في اقتصاد المعلومات التي تجري في السر ويتاجر فيها القراصنة المخترقون. حيث قال شخصان شاركا في هذه المنتديات على الإنترنت "إن ندرتها نسبيا مقارنة بالبيانات الروسية أعطت التسريبات الجديدة قيمة استثنائية".
وما يبعث على الارتياح لدى السلطات الأمريكية أن قلة من هؤلاء القراصنة ينتهكون قواعد البيانات الحكومية الأكثر حماية: فقد جاءت التسريبات الأكثر ضررا من المطلعين، مثل تشيلسي مانينج، المدان بتسريب سجلات حرب العراق وبرقيات وزارة الخارجية، وجوشوا شولت، الذي أدين بتسريب التفاصيل الفنية للطريقة التي تخترق بها وكالة المخابرات المركزية أهدافا قيمة جدا، وإدوارد سنودن، الذي سرب معلومات سرية للغاية عن وكالة الأمن القومي.
قال أحد سماسرة مجموعات البيانات "يحدث اختراق كبير، مثل (شولت)، مرة كل خمسة أعوام -وهنا تتحرك بسرعة وتجمع كل شيء وتخفي كل شيء، ثم تبيعه بسرعة. لكن بعد ذلك توجد اختراقات صغيرة طوال الوقت- ستجد شيئاً هنا، وشيئا آخر هناك، ثم يصبح لديك ملف عن شخص له قيمة بالنسبة إلى شخص آخر".
كما وصف عملية بيع مواطن فرنسي تفاصيل عن عملية التنصت الأمريكية التي علم بها من خلال اختراق رسائل البريد الإلكتروني للمدعي العام الأوروبي الذي تم اطلاعه على نشاط إجرامي محتمل. لكن لم يكن بمقدور "فاينانشيال تايمز" التحقق من ادعاءات السمسار، التي تضمنت لقطة من الشاشة لعملية تحويل إلكتروني بقيمة 250 ألف دولار إلى حساب مصرفي ألباني، التي يزعم أنها كانت لقاء التبليغ.
أظهر أحد المخترقين عينة من مصدر البرمجة والإعدادات وبيانات التجربة لعملية صناعية تم وصفها بأنها تنتج مزيجا يستخدم لتعزيز درع مركبات المشاة القتالية الأمريكية الصنع. وفي محادثة أخرى اطلعت عليها "فاينانشيال تايمز"، سأل مشتر مجهول الهوية عما إذا كان لدى أي شخص نسخة أحدث للبيع من قائمة حظر الطيران في الولايات المتحدة، التي تحتوي على أسماء الأشخاص المحظورين من السفر بالطائرة إلى البلد أو خارجه أو داخله. وقد تم تسريب نسخة 2019 من تلك القائمة بالفعل على الإنترنت في وقت سابق من هذا العام.
وعن ذلك أجاب أحد المستخدمين في المجموعة على تيليجرام "راجع (الرسائل المباشرة)"، ووعد بأن ما كان يشاركه معه "هو الأحدث".