وباء الوحدة .. أزمة صحية جديدة
يحب الرؤساء أن يتذمروا من أنهم وحيدون في القمة. لكنهم في الآونة الأخيرة، يشعرون بالقلق بشأن مدى الوحدة في كل مكان آخر.
حذر لاكسمان ناراسمهان، الرئيس التنفيذي الجديد لشركة ستاربكس، في مكالمة أرباح سلسلة المقاهي هذا الأسبوع، من أن العالم في "أزمة انعدام تواصل، حيث أصبحت الوحدة، والانقسام، والاستقطاب أمورا شائعة جدا".
قبل ذلك بساعات، كان بريان تشيسكي الرئيس التنفيذي لشركة إيربنب، يخبر صحافيا من "فاينانشيال تايمز" أن الوحدة قد تقتل عددا أكبر من الأشخاص مقارنة بكوفيد - 19. نظرا لأننا نستغرق وقتا طويلا على شاشاتنا، عبر تشيسكي عن خوفه قائلا "بدأت أشعر بالقلق من المسار الذي نسير فيه كمجتمع".
بلغت تأملات المسؤولين التنفيذيين العامة حول الوحدة ذروتها مع إفراغ مكاتبهم في الأشهر الأولى للجائحة، كما يشير نيك مازنج، مدير الأبحاث في شركة ألفا سينس لتزويد البيانات. لكن الموضوع يدور في أذهان الرؤساء التنفيذيين مرة أخرى بعد أن أصدر الجراح العام الأمريكي، فيفيك مورثي، نصيحة من 82 صفحة حول أزمة صحية عامة أخرى: "وباء الوحدة والعزلة" في أمريكا.
احتل مورثي عناوين الصحف لتحذير الأمريكيين من أن انعدام التواصل الاجتماعي من المرجح أن يرسلهم إلى موت مبكر مثل تدخين 15 سيجارة في اليوم. لكنه وجه جزءا من تقريره للرؤساء مثل ناراسمهان وتشيسكي.
أشار إلى أن العزلة الاجتماعية تضر بأداء الموظفين ورضاهم في العمل، بينما تؤدي إلى التغيب عن العمل الذي يكلف أرباب العمل الأمريكيين نحو 154 مليار دولار في العام.
على الجانب الآخر، اقترنت "العلاقات الداعمة والشاملة في العمل" بارتفاع الرضا الوظيفي والابتكار، حسبما أفاد كبير الأطباء في أمريكا، في حين أن التواصل الأفضل يمكن أن يمنع الإرهاق في مكان العمل.
إذن، هل هذه هي التالية في قائمة المشكلات المجتمعية التي يشعر الرؤساء التنفيذيون بضرورة تجاوزها وحلها بشكل جذري؟ قد تغريهم قضية العمل التي وضعها مورثي. لكن ردود الشركات حتى الآن تشير إلى غريزة للتعامل مع هذا الشعور بالضيق على أنه فرصة تسويقية، وليس دعوة للتصدي له.
انتقل ناراسيمهان من تحذيره بشأن الوحدة إلى عرض ترويجي مفاده أن "ستاربكس توفر التواصل (...) في أي مكان، وأي زمان". ومهما بدا تشيسكي مخلصا، فهو قد صاغ مخاوفه بشكل مشابه على أنها تفسير سبب تشجيع شركة إيربنب المسافرين على البقاء في الغرف الإضافية الخاصة بالمضيفين الذين قد يتحدثون معهم بدلا من حجز منازل ثانية فارغة.
قال: بينما نستبدل الأصدقاء على الشبكات الاجتماعية بالمتابعين على منصات التواصل الاجتماعي، فقد أراد أن يكون موقع إيربنب "متعلقا بالأشخاص والتواصل" بدلا من شبكة اجتماعية مادية.
لكن إذا ساد وباء الوحدة، الأمر الذي يشكك فيه بعض الأكاديميين، فإن ذلك يثير تساؤلات جدية حول الرؤساء التنفيذيين.
التساؤل الأول هو كيف يشعر كثير من الناس أنهم مستبعدون في العمل، حتى في الوقت الذي يناصر فيه قادتهم التنوع، والإنصاف والشمول. في شركات مثل ستاربكس، يبدو أن هؤلاء العمال الذين يحاربون الإدارة من أجل التمثيل النقابي لا يشعرون بالتواصل نفسه الذي يراه رئيسهم التنفيذي.
ينبغي لأصحاب العمل الذين ما زالوا يناقشون أي مزيج من العمل الشخصي والعمل عن بعد، سيمنح الموظفين المرونة والروابط الهادفة مع الزملاء، أن يأخذوا في الحسبان سؤال مورثي حول ما إذا كانوا "يحترمون الحدود بين وقت العمل والوقت خارج العمل" التي تساعد العاملين على إقامة علاقات هادفة.
كذلك ينبغي لهم الانتباه لتحذيره بشأن الآثار السلبية للتكنولوجيا. من المؤكد أن تواجه شركات التكنولوجيا مزيدا من الانتقاد حيث تركز السلطات أكثر على هذه المخاطر، حتى مع اقتراح بعض الشركات إحضار الحيوانات الأليفة الآلية، أو العوالم الافتراضية كحلول.
لكن كثيرا من الشركات غير التكنولوجية ترسم مستقبلا يتولى فيه الذكاء الاصطناعي والأتمتة مزيدا من المهام البشرية. يجب على الرؤساء التنفيذيين القلقين بشأن قوة العمل منعدمة التواصل التفكير فيما إذا كانت روبوتات المحادثة ستحسن الأمور حقا.
يجب أن تبدأ استجابة المسؤولين التنفيذيين لهذا الوباء الذي تم الإعلان عنه أخيرا بما يعنيه ذلك لموظفيهم. ربما بسبب العزلة التي يعيشونها، يخاطر الرؤساء التنفيذيون بتجاهل الأمر ـ أولويتهم ليست علاج الفشل المجتمعي، بل منع فشل الإدارة.