إلى رواد الأعمال: عليكم بالصناعة الثقيلة

إلى رواد الأعمال: عليكم بالصناعة الثقيلة

أثناء التنزه في منطقة التبت قبل بضعة أعوام، قابلت أماندا هول مجموعة من الرهبان الذين فوجئت بأنهم كانوا جميعا يحملون هواتف محمولة. كانت هذه التجربة لحظة إلهام بالنسبة إلى عالمة فيزياء الأرض، التي كانت تعمل حينها في قطاع النفط والغاز. أخبرتني قائلة "أدركت أن الحاجة إلى الليثيوم موجودة في كل مكان"، مشيرة إلى المعدن النادر الذي تحتاج إليه بطاريات الهاتف للعمل. "لذا بدأت أسأل عن مكان نشأته".
عند عودتها إلى موطنها في كندا، قررت هول، البالغة من العمر 49 عاما الآن، البحث عن إجابات. لذلك أسست في 2018 شركة تسمى سميت نانوتيك، التي تستخرج الليثيوم من المياه المالحة باستخدام تكنولوجيا خاصة تدعي الشركة أنها تنتج انبعاثات كربونية أقل ولا تلحق ضررا بيئيا كبيرا مقارنة بالطرق التقليدية للاستخراج. بدعم من المستثمرين بما في ذلك شركتا بي إتش بي والذراع التكنولوجية لشركة تيماسيك "اكسورا إنوفيشن"، تقدم المجموعة الآن خدماتها في بلدان مثل تشيلي، ثاني أكبر بلد منتج في العالم، في محاولة لتوسيع سلسلة توريد الليثيوم.
من إحدى النواحي، هذه قصة كلاسيكية عن الحماس الريادي. لكنها أيضا علامة على أزماتنا المتغيرة. لسبب واحد، هول مثال على نجاح النساء في قطاعات كان يهيمن عليها الذكور بالكامل تقريبا. تقول "كنت أعتقد أن كوني امرأة هو لعنة. لكني الآن أراها نعمة، نظرا لأن المستثمرين يحبون ذلك". كما تسلط قصتها الضوء على نقطة أوسع حول اقتصادنا في القرن الـ21: الصناعات القديمة مثل التعدين والهندسة مهمة بشكل كبير، حتى ونحن ندخل في عصر الإنترنت.
لا ينبغي أن يفاجئ هذا أي أحد. مع ذلك، وكما يشير فاكلاف سميل العالم الكندي في كتابه "كيف يسير العالم حقا"، فإن معظم الناس "يسيئون فهم آليات العمل الأساسية للعالم الحديث". يميل صانعو السياسات والناخبون إلى أن يكونوا غير مطلعين على ابتكارات العلوم والهندسة، والثورات في إنتاج الغذاء وإمدادات الطاقة التي حدثت نتيجة لاستخدامنا الموارد مثل الوقود التقليدي وإساءة استخدامنا لها. ويضيف سميل أن "هذا الجهل بالصناعة قد أدى أيضا إلى عجز في فهم ما هو مطلوب لإزالة الكربون من أنظمتنا".
تعكس أوجه القصور هذه جزئيا نقص الاستثمار في التعليم العلمي. مقارنة بالصين، فإن كثيرا من البلدان لا تستثمر كثيرا في هذا المجال مع الأسف. لكن هناك أيضا عاملا ثقافيا دقيقا. اليوم، نشعر بأن حياتنا غير متجسدة بشكل متزايد لأننا نقضي كثيرا من الوقت على الإنترنت، ما يجعل من السهل تجاهل العمليات الهندسية في "العالم الحقيقي". عندما يتحدث المراهقون أو وسائل الإعلام عن ريادة الأعمال، غالبا ما يركزون على التكنولوجيات الرقمية، أو تطبيقات التواصل الاجتماعي أو خدمات المستهلك. يبدو التعدين أمرا مملا جدا مقارنة بالابتكارات مثل برمجية شات جي بي تي أو العباقرة الرقميين الذين يحتلون العناوين الرئيسة.
لكن المفارقة في هذا الاندفاع للعيش على الأجهزة الرقمية هي أنها أوجدت حاجة ماسة إلى المعادن، والعناصر الأرضية النادرة وغيرها من السلع، بدءا من الصوديوم إلى النيكل إلى الليثيوم. لذلك، فإن مسألة من يتحكم في سلاسل التوريد هذه، وما إذا كانت في أيدي القطاع الخاص أو العام، هي مسألة بالغة الأهمية. كما هي الحال مع مسألة ما إذا كان رواد الأعمال سيشاركون في ابتكار عمليات استخراج واسعة النطاق ومتدنية الكلفة وصديقة للبيئة.
في الأسبوع ما قبل الماضي، حذر إيلون ماسك من مجموعة تسلا للسيارات الكهربائية، وهي مستخدمة كبيرة لليثيوم، من الحاجة الملحة إلى مزيد من الشركات الغربية الناشئة لمواجهة اعتمادنا على الإمدادات الصينية من المعدن. رغم أنه يمكن تعدين الليثيوم في أجزاء كثيرة من العالم، فإن القدرة على المعالجة تتم بشكل رئيس في الصين. وحث رواد الأعمال المحتملين قائلا "بدلا من إنشاء تطبيق لمشاركة الصور، رجاء كرروا الليثيوم. عليكم بالتعدين والتكرير، الصناعة الثقيلة، هيا".
إن الحكومتين الأمريكية والكندية من بين الذين يحثون اللاعبين في القطاع الخاص على المشاركة. لكن إحدى المشكلات التي تواجه محاولة إطلاق شركات ناشئة في الصناعات الثقيلة هي أنها تتطلب رأسمال أكبر بكثير من تصميم تطبيق ما. كما يتعين عليها التعامل مع التحديات التنظيمية والجيوسياسية المعقدة. في الأسبوع ما قبل الماضي، صدمت الحكومة اليسارية في تشيلي عالم السلع بإعلانها أنها تخطط لتأميم مناجم الليثيوم.
ثم هناك فجوة التحدي الثقافي: رغم أن رواد الأعمال في مجال التكنولوجيا مثل مارك زوكربيرج وستيف جوبز أصبحوا أسماء مألوفة، فإن معظم الناس يشعرون بالحيرة إذا طلب منهم تسمية رائد أعمال صناعي.
لذا فإنني أشعر بالفضول لمشاهدة التقدم المحرز في مشروع هول لليثيوم، إلى جانب عشرات من الشركات الناشئة الأخرى التي تدخل هذا المجال بهدوء. هول واثقة بنفسها، مشيرة إلى أنه نظرا لأنها تقدم خدمة استخراج، بدلا من امتلاك منجم فعليا، يمكنها العمل مع مجموعة خاصة أو حكومية، مهما يحدث في أماكن مثل تشيلي.
السؤال بالنسبة إلى الحكومات الغربية هو كم عدد رواد الأعمال الآخرين الذين ينتظرون دورهم؟ تقول هول "اتساخ يديك وحذائك أمر مهم للغاية، إننا نجلب تكنولوجيا جديدة إلى هذا المجال". لنأمل أن يستمع الآخرون.

الأكثر قراءة