تسليح نمو السكان طريق خطر ورجعي

تسليح نمو السكان طريق خطر ورجعي

تمثل أخبار توقعات تجاوز الهند للصين في عدد سكان لحظة نفسية قوية. منذ ثلاثة قرون، منذ أن فاق عدد الإمبراطورية المغولية سلالة تشينج، لم تكن الهند أكبر من منافستها. يخشى الحزب الشيوعي الصيني من أن تشيخ الصين، التي تمر بتقلص سريع في عدد السكان، قبل أن تصبح ثرية. تؤدي المخاوف الغربية من الركود إلى نقاشات أليمة حول الهجرة ودعوات إلى سياسات مشجعة على الإنجاب. لكن على الحكومات في كل مكان مقاومة جاذبية تسليح عدد السكان.
التغييرات الديموغرافية تدمر الثوابت القديمة. نشعر في لحظة ما بالقلق حيال ثمانية مليارات شخص يعيثون فسادا على هذا الكوكب. في اللحظة التي تليها، ينتابنا شعور بالذعر من أن انخفاض معدلات المواليد وشيخوخة السكان سيبطئان الاقتصادات ويقضيان على الحضارات. حضرت في اليابان نقاشات مؤلمة حول احتمالية انقراض العرق. في أمريكا -التي تعد حتى الآن استثناء للعالم الغني والمتقدم في السن- أتحدث إلى صانعي السياسة الذين يشعرون بالقلق من أن تتوقف مجموعات المهاجرين عن دعم الدولة، لأن ليس لديها عدد كبير من الأطفال كما في السابق.
تغبط الدول الشائخة القوة العاملة المتزايدة في الهند. يعد 40 في المائة من سكانها تحت سن الـ25، ويعيش هناك ما يقارب واحد من كل خمسة ممن تقل أعمارهم عن 25 عاما في العالم. يتناقض متوسط العمر فيها البالغ 28 عاما بشكل إيجابي مع 38 عاما في الولايات المتحدة و39 عاما في الصين. لكن هذه المجموعة الضخمة والشابة لن تكون نعمة لبلادهم إلا إذا تمكنوا من العثور على وظائف.
لدى الهند طبقة وسطى مزدهرة وهي رائدة عالميا في مجال تكنولوجيا المعلومات، ما يجعلها في وضع جيد لكسب استثمارات من الشركات التي تسعى إلى التنويع بعيدا عن الصين. لكن الانتقال إلى التصنيع عالي الجودة، الذي دفع دولا مثل تايوان وكوريا الجنوبية إلى الازدهار، بعيد المنال حتى الآن في دولة لا يزال نصف القوى العاملة فيها تقريبا يعملون مزارعين، و46 في المائة من البالغين فوق سن الـ25 عاما لم ينهوا المرحلة الابتدائية. وقد تتراجع جاذبيتها باعتبارها قوة موازنة ديمقراطية في ظل السياسات القاسية لناريندرا مودي رئيس الوزراء .
في جميع أنحاء العالم، يستمر السباق لتأمين العوائد الديموغرافية قبل أن يؤثر انخفاض معدلات المواليد في النمو الاقتصادي. لكن كثيرا من الدول النامية -من الهند إلى مصر إلى نيجيريا- قد تعاني من أجل تحقيق هذا النوع من العائد الديموغرافي الذي تجنيه الدول التي تدعى بالنمور الآسيوية "كوريا الجنوبية وتايوان وسنغافورة وهونج كونج" ما لم تتمكن أيضا من تحقيق مكاسب في الإنتاجية. يمكن أن تكون المواد الخام في إفريقيا نعمة للقارة، لكن في الوقت الحالي، تستخدم الصين ثقلها لتأمين الموارد هناك، وإثبات نفوذها، وموازنة صورة الشائخة.
في العقد المقبل، ستسعى الدول في جميع المجالات للحفاظ على الناتج المحلي الإجمالي للفرد الواحد مع تباطؤ النمو السكاني. رحبت كندا للتو بأكبر عدد من المهاجرين في تاريخها، كجزء من استراتيجية لموازنة انخفاض معدل المواليد فيها. وترفع دول أوروبا الغربية سن التقاعد.
الخوف هو أننا قد نكون على وشك الدخول في حلقة مفرغة. إذا فرضت الحكومات مزيدا من الضرائب على القوى العاملة المتقلصة لدعم كبار السن، فقد يجد المواطنون الأصغر سنا أن إنجاب الأطفال أبعد منالا تدريجيا. بينما تتصارع الدول مع الديموغرافيا، يتبنى عدد متزايد منها سياسات رسمية إما لزيادة الانجاب أو خفضه. من بين 197 دولة في العالم، هناك 69 دولة لديها أهداف لخفض معدل المواليد، و74 لديها أهداف إما لرفعه أو الحفاظ عليه.
يأتي الخطر عندما تبدأ الدول التي تفقد قوتها الديموغرافية في ممارسة ضغوط غير مقبولة على النساء لإنجاب الأطفال. كانت تسعى كل من الهند والصين إلى التحكم في الانجاب منذ عقود: كانت الهند أول دولة في العالم لديها سياسة وطنية لتنظيم الأسرة أطلقتها في 1952، بينما طبقت الصين سياسة الطفل الواحد في 1980. فرضت الدولتان تدابير قاسية لتقييد حجم الأسرة سعيا لتحقيق أهداف التنمية. كان لهذا تداعيات بعيدة المدى. على الرغم من تخليها عن سياسة الطفل الواحد في 2016، فإن الحزب الشيوعي الصيني لم يتمكن من عكس هذا الاتجاه. في الهند، معظم النمو تدفعه خمس ولايات فقط من ولاياتها الـ36.
من المهم أن نتذكر أن البشر ليسوا عوامل إنتاج. الموضوع الحديث عن انخفاض معدلات المواليد هو إلى حد كبير موضوع يدور حول تحرير الإناث. تدفع كثير من الديمقراطيات الآن "مكافآت الأطفال" للمساعدة على تكاليف رعاية الأطفال. لكن الأنظمة الأكثر سوءا يمكن أن تعود بسرعة إلى أساليب أكثر قسوة. في تركيا، شجب الرئيس رجب طيب أردوغان تنظيم الأسرة وقال "إن الأمهات مسؤولات عن تكثير النسل". وفي إيران، يزداد زواج الأطفال. كما أحيت روسيا جائزة "الأم البطلة" للنساء اللاتي لديهن عشرة أطفال أو أكثر.
تعليقا على تقدم الهند مقابل الصين، دعا صندوق الأمم المتحدة للسكان، وكالة الصحة الجنسية والإنجابية التابعة للأمم المتحدة، إلى تركيز عالمي على جودة حياة الأشخاص، وليس عددهم. كما وجد أن الدول التي ليس لديها سياسات تسعى إلى تعزيز معدلات الإنجاب تسجل درجات أعلى بكثير في مؤشرات الحرية الإنسانية مقارنة بالدول التي تفرض مثل هذه السياسات.
تخشى الحكومات فقدان نفوذها في العالم إذا لم تواكب شعوبها منافساتها، وتخشى تعطل النمو الاقتصادي. في البداية، يجب عليهم تسريع بدائل زيادة المواليد. إن الحفاظ على صحة المواطنين في سن الشيخوخة يمكنهم من العمل لفترة أطول. يمكن أن يزيد الاستثمار في التكنولوجيا والمهارات إمكانات السكان الحاليين. ويمكن أن يؤدي اعتماد سياسات مؤيدة للهجرة إلى إعادة تنشيط المجتمع، طالما أنه مقترن بجهود متضافرة لتحقيق التكامل.
صيغت العناوين الرئيسة التي رحبت بقفزة الهند إلى الأمام بلغة قوية حول "التفوق" و"تقليل المكانة"، ما يوضح مدى ارتباط علم الديموغرافيا القاسي البارد بسيكولوجية "الفوز". لكن الكبير ليس هو الأفضل دائما، كما يمكن أن يظهر لنا العقد المقبل.
*مؤلفة كتاب الوقت الإضافي: 10 دروس لعالم يتقدم في السن

الأكثر قراءة