هل تملك «أبل» علاجا لعلل الخدمات المصرفية المستعصية؟
تتمتع شركة أبل بمدى عالمي وثقة مستهلك أكبر بكثير من معظم البنوك. هل من المستغرب إذن أن تتحول بخطى بطيئة، لكن ثابتة، إلى مؤسسة مالية؟ حتى قبل إطلاقها، بالتعاون مع "جولدمان ساكس"، حساب توفير رائد في السوق، كانت تملك بالفعل بطاقة ائتمان خاصة بها، وقدرة إقراض من نظير إلى نظير، وتطبيق "والت"، وخدمة "اشتر الآن وادفع لاحقا" التي تتيح للعملاء الذين يستخدمون محافظهم الرقمية سداد مشترياتهم على أقساط - دون فوائد.
في الجهة الأخرى، أعلنت البنوك الأسبوع الماضي عن خسارة بلغت 60 مليار دولار، عبارة عن تدفقات ودائع خارجة في الربع الأول، تماما في الوقت الذي أعلنت فيه "أبل" عن حساب التوفير الجديد.
يمكن لأحد ما أن يجادل حول ما إذا كان التعاون بين شركات التكنولوجيا الكبرى والبنوك الكبرى أمر جيد للمنافسة. لكن "أبل" تبدو في وضع جيد يؤهلها لحل بعض المشكلات التي ابتليت بها الخدمات المصرفية التقليدية لأعوام. خذ برنامج "اشتر الآن وادفع لاحقا"، مثلا. تمول الشركة بالفعل القروض إلى حد كبير من ميزانيتها العمومية الخاصة التي كانت تحتوي، ابتداء من الربع الأول من 2023، على 165 مليار دولار نقدا وأوراق مالية قابلة للتداول، مع إجمالي ديون يبلغ 111 مليار دولار.
يتناقض هذا مع معظم البنوك، التي تجري أعمالها اليومية بـ90 في المائة أو أكثر من الأموال المقترضة. يتكون معظم هذا الدين من ودائع وقروض قصيرة الأجل يمكن سحبها بسرعة. هذا هو بالضبط ما حدث خلال انهيار بنك سيليكون فالي، الذي شهد محاولة المستثمرين سحب 42 مليار دولار من المقرض المنكوب في يوم واحد.
إن كونها غنية جدا بالنقد يمكن، نظريا، أن يسمح لـ"أبل" بتجنب مشكلة شائعة في الصناعة المالية – باعتمادها الكبير على تمويل الأسهم، تبقى "أبل" أقل هشاشة بكثير.
تقول أنات أدماتي، الأستاذة في جامعة ستانفورد، التي طالما دعت إلى رفع مستويات تمويل الأسهم للبنوك: "ينسى رؤساء البنوك التنفيذيون أحيانا أن المودعين دائنون، لأن المودعين لا يتصرفون مثل الدائنين العاديين، وبدلا من ذلك يثقون في التأمين على الودائع، وربما السلطات التنفيذية، لضمان أنهم سيدفع لهم. لن تحلم المؤسسات غير المصرفية (...) بتمويل أعمالها بكثير من الديون وقليل من الأسهم".
ميزة أخرى تتمتع بها "أبل" على عديد من البنوك التقليدية، هي علامتها التجارية.
في الأغلب ما تتصدر الشركة قوائم الشركات "الأكثر إثارة للإعجاب"، في حين سيصعب عليك العثور على بنك (مع استثناء محتمل لجيه بي مورجان) يفعل الشيء نفسه.
حب المستهلك لـ"أبل" يرجع، جزئيا، إلى حميمية العلاقة مع الشركة. تشير دراسات إلى أن الناس يلمسون هواتفهم الذكية أكثر من 2600 مرة في اليوم. هذه ليست صلة توطدها عند ذهابك إلى فرع بنك (إن كان بوسعك العثور على واحد حتى).
الثقة، أو على الأقل تصورها، هي أمر سوقت له "أبل" بنشاط في محاولة لتمييز نفسها عن شركات مثل "جوجل" أو "ميتا"، التي تعتمد إلى حد كبير على الإعلانات المستهدفة، أو ما يسمى رأسمالية المراقبة، لجني ثروتها.
لا تزال "أبل" تجني معظم أموالها من بيع الأجهزة، لكن مع تعمقها في مجال الخدمات الرقمية عليها السير على خط أرفع بين استغلال نظامها من أجل الربح واستغلال مستهلكيها بطرائق ستثير مخاوف تنظيمية.
ضع في الحسبان أنه من أجل فتح حساب توفير "أبل"، أنت بحاجة إلى بطاقة ائتمان "أبل"، ما يعني أنك بحاجة إلى هاتف آيفون من "أبل". النظام سهل الاستخدام بلا شك - حساب التوفير ليس له رسوم أو حد أدنى للودائع أو متطلبات الرصيد. جميع العروض تعزز العروض الأخرى، في مثال نموذجي لتأثير الشبكة. لكن هذا يعني أنه بمجرد دخول النظام البيئي، قد يجد المستخدمون صعوبة في المغادرة.
هل ستغير إلى هاتف "أندرويد" إذا كنت صاحبا لحساب "أبل" المصرفي، مثلا؟ هل سيكون احتمال بحثك عن قرض في مكان آخر أقل؟ هذه المسائل تدور بهدوء في المنطقة التي يهتم بها منظمو مكافحة الاحتكار في لجنة التجارة الفيدرالية. ففي أي مرحلة يصبح عرض ما لمستهلك مغر على نحو لا يصدق قضية احتكارية؟
لا تحاول "أبل" أن تصبح بنكا بأي شكل رسمي ـ بميثاق وجميع امتيازات الإنقاذ التي تصاحبه. ربما هذا قرار حكيم، بالنظر إلى أداء شركات التكنولوجيا الأخرى عند محاولة دخول الأعمال المالية التقليدية. (مثلا، أفنت "ميتا" أعواما في محاولة إنشاء عملة مستقرة مدعومة بالدولار، "ديم"، قبل إلغاء المشروع في نهاية المطاف).
لكن حقيقة أن "أبل" تبدو مثل بنك، لها مثل رائحته وتتصرف مثله، تثير تساؤلات عن آثار التعطيل التي يمكن أن تنشأ عن التكنولوجيا المالية، وشركات التكنولوجيا الكبرى عموما. يحب وادي السيليكون مراجحة القوانين التنظيمية - تحرك سريعا واقتحم الأعمال في أي قطاع تود إحداث تغيير ثوري فيه (البيع بالتجزئة، والرعاية الصحية، والخدمات المصرفية، والنقل، مثلا) قبل أن يدرك صانعو السياسة أنك لا تلعب في الواقع بالقوانين نفسها التي يلتزم بها المشاركون الآخرون في الصناعة. إنها الطريقة التي تتغلب بها الشركات الناشئة في مجال الرعاية الصحية على "قوانين التأمين الصحي والمساءلة" وتواصل بها شركات التشفير خداع المستثمرين.
إذا عجلت "أبل" من وتيرة هجرة الودائع من القطاع المصرفي التقليدي على نحو يبدأ في تقويض المؤسسات المالية المنكوبة بالفعل، أظن أن السلطات التنظيمية ستلقي نظرة فاحصة على نموذج أعمالها. على الشركة أيضا توخي الحذر لتجنب المساس ببيانات المستهلك بطرائق تثير قضايا مكافحة الاحتكار.
لكن حتى ذلك الحين، أظن أننا سنرى مزيدا من الخدمات المصرفية عبر آيفون.