ضغوط متزايدة للتخلص من 10 آلاف مادة كيميائية

ضغوط متزايدة للتخلص من 10 آلاف مادة كيميائية
مقر شركةM 3، أحد أكبر منتجي مركبات بي إف إيه إس في العالم، التي قررت التوقف عن إنتاج أو استخدام هذه المركبات بحلول نهاية 2025.

في عام 1987، قرر العالم حظر مركبات الكربون الكلورو فلورية، بعد عامين فقط من اكتشاف أنها تستنفد طبقة الأوزون. في المقابل، حذرت الصناعة من عواقب اقتصادية وخيمة في حال استمرار الحظر. وبعد 36 عاما تم التخلص التدريجي من 99 في المائة من المواد المستنفدة لطبقة الأوزون، وبدأت هذه الطبقة في استعادة عافيتها.
بالنسبة إلى أي شخص يتابع ما يسمى جدال "المواد الكيميائية الأبدية"، فإن الحكاية مألوفة. لكن ليس هناك ما يضمن نهاية سعيدة هذه المرة ما لم تكيف الصناعة نهجها.
أطلقت أوروبا أخيرا مداولات عامة حول أحد أكثر التشريعات الكيميائية تطرفا تم اقتراحها على الإطلاق: حظر تدريجي لما يصل إلى عشرة آلاف مادة تعرف باسم بي إف أيه إس.
هذه الجزيئات، التي تحتوي على سلسلة من ذرات الكربون والفلور المرتبطة تستخدم في ملايين التطبيقات، من أدوات الطهي إلى مستحضرات التجميل والبطاريات وأشباه الموصلات إلى الأجهزة الطبية. وتأتي قيمتها من مقاومتها العالية للزيت والماء والحرارة.
لكن مع تضاعف استخدامها، يتزايد قلق العلماء بشأن المخاطر الصحية. فمركبات بي إف أيه إس لا تتحلل بسهولة، وتتراكم في البيئة والأعضاء البشرية، وترتبط بشكل متزايد بالسرطان ومشكلات صحية أخرى. وحذرت وكالة حماية البيئة الأمريكية من أن المستويات القريبة حتى من الصفر من مركبات بي إف أيه إس يمكن أن تشكل تهديدا.
لكن صناعة الكيميائيات الدولية تستشيط غضبا، معلنة أن اقتراح أوروبا يهدد النمو العالمي، ويجعل التحول المستدام لاقتصاد صديق للبيئة مستحيلا ويعرض آلاف الوظائف للخطر من خلال تصنيف جميع مركبات "بي إف أيه إس" على أنها ضارة. وفي بعض الحالات، كصناعة الرقائق الإلكترونية، تكون البدائل غير متوافرة أو يكون تطويرها مكلفا. وفي غضون ذلك، تنصح شركة محاماة واحدة على الأقل عملاءها من مستخدمي هذه المواد الكيميائية "بتكثيف أنشطة النصح والإرشاد" -أو ممارسة الضغط- لقتل الاقتراح.
إنه رد فعل متوقع. لكنه مضلّل. فالاتجاه العالمي واضح وليس في مصلحة مركبات "بي إف أيه إس".
لقد تم بالفعل حظر اثنين من أكثر أشكال هذه المركبات سمية بموجب اتفاقية للأمم المتحدة. ويتزايد القلق الآن بشأن بدائل مركبات "بي إف أيه إس"، ومع وجود كثير منها، من الصعب الحكم على مدى سميتها على أساس كل مادة على حدة. لذا فإن الجهات التنظيمية الأوروبية تفكر في فرض قيود أوسع ما لم يتم إثبات سلامتها. حتى في الولايات المتحدة، حيث النهج أكثر استهدافا، تتزايد القيود على مركبات "بي إف أيه إس". فنحو 30 ولاية أمريكية فرضت قيودا على "المواد الكيميائية الأبدية" أو تفكر في فرضها.
كما أن عدد الدعاوى القضائية الأمريكية آخذ في الارتفاع، بينما قد تشير تسوية شركة 3M في أوروبا التي بلغت تكلفتها 581 مليون دولار مع بلجيكا العام الماضي بشأن التلوث الناجم عن مركبات "بي إف أيه إس"، إلى مزيد من الدعاوى القانونية البيئية، كما حذرت شركات التأمين.
تعتقد شركة M 3، وهي أحد أكبر منتجي مركبات "بي إف أيه إس" في العالم، أن الخطر لا يستحق العناء وقالت "إنها ستتوقف عن إنتاج أو استخدام المركبات بحلول نهاية عام 2025".
المستثمرون أيضاً قلقون. كتبت شركات إدارة أصول تدير ثمانية تريليونات دولار العام الماضي إلى أكبر شركات الكيميائيات للمطالبة بالتخلص التدريجي من المواد الكيميائية الدائمة. وضع بعض الشركات، كشركة M3، خرائط طريق للعمل، بينما تعمل شركات أخرى على إخفاء المعلومات عن المواد الكيميائية المزعجة الخاصة بها عن أعين الجمهور. لكن شركات أخرى مثل شيمورز -وهي شركة انبثقت عن شركة دوبونت- ودايكن اليابانية فتحت خطوط إنتاج جديدة لخدمة شركات تصنيع الرقائق والصناعات الأخرى.
هناك مبرر لإعفاء الصناعات الحيوية كصناعة الرقائق، حيث تجعل المواصفات العالية المطلوبة من الصعب العثور على بدائل، لكن يجب أن يقترن هذا بتنظيم أكثر صرامة بشأن استخدام المركبات والتخلص منها.
وهناك مبرر أضعف لاستمرار استخدامها في المجالات الاستنسابية، كمستحضرات التجميل والملابس المضادة للأمطار وخيوط تنظيف الأسنان.
ومن دون ضغط الجهات المنظمة، من المشكوك فيه أن يميل المنتجون أو المستخدمون إلى إيجاد بدائل. فقد كانت الصناعة واعية للتأثيرات السامة لبعض مركبات "بي إف إيه إس" منذ عقود ورغم ذلك هي لا تزال قيد الاستخدام وتتراكم في البيئة.
لا يزال أي حظر من الاتحاد الأوروبي يتطلب أعواما، ومن المؤكد أن المقترحات ستتم مراجعتها قبل ذلك الحين. لكن لكي تحصل الصناعة على أفضل النتائج، ينبغي لها الانخراط بشكل أكثر فاعلية مع المخاوف الناشئة. مثلا، هناك نقص واضح في الشفافية. فبعد ثلاثة أعوام من العمل، لا يزال الباحثون الذين صاغوا خطة الاتحاد الأوروبي يكافحون لتحديد من ينتج ماذا وأين في أوروبا.
ينبغي أن تكون الشركات أكثر انفتاحا بشأن منتجاتها من مواد "بي إف أيه إس". يجب أن توضح تقييمات السلامة واستثمارها في البدائل التي تم التحقق منها بشكل مستقل. سيكون استبدال مركبات "بي إف أيه إس" أصعب من الجهد العالمي لاستبدال مركبات الكربون الكلورو فلورية. لكن هذه التجربة تظهر أن الصناعة قادرة على تحقيق ما يبدو مستحيلا. وبالنسبة إلى أولئك الذين يحققون المستحيل، هناك كثير من الأعمال التي يمكن كسبها.

الأكثر قراءة