رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


صناعة التعدين والتحولات الاقتصادية

لا يمكن تجاهل الاتجاه التنافسي المتسارع بين الولايات المتحدة والصين في ساحة قطاع التعدين العالمي. فهذا القطاع أساسي في كل الصناعات، وهو مرتبط حتى بالخلافات الجيوسياسية على الساحة الدولية ويعد سلعة استراتيجية مهمة. لكن السيطرة على هذا القطاع من قبل بكين وواشنطن، ليست بالأمر السهل، بصرف النظر عن الإمكانات التي يتمتع بها أكبر اقتصادين في العالم. لماذا؟ لأن صناعة التعدين ذاتها تواجه تحديات مختلفة، في مقدمتها حالة عدم اليقين التي يمر بها الاقتصاد العالمي. فرغم الهدوء النسبي للضغوط الآتية القوية من الموجة التضخمية العاتية، إلا أن إمكانية الركود العالمي لا تزال واردة، خصوصا في بعض الاقتصادات المتقدمة، وعلى رأسها الاقتصاد الأمريكي. وهذا ما يجعل في الواقع كل القطاعات الاقتصادية بما فيها بكل تأكيد قطاع التعدين، رهينة الحالة الدولية العامة.
ولا شك ستكون عمليات الاندماج والاستحواذ مؤشرا مهما في مستقبل قطاع التعدين على المستوى العالمي، لكن الأمر ليس سهلا كما يبدو للوهلة الأولى، لأسباب تتعلق بالقيم المطروحة لشركات التعدين المؤهلة للاستحواذ أو الاندماج، بما في ذلك تلك التي تجري حاليا بين جهات بريطانية سويسرية وأخرى كندية، لتأسيس مؤسسة عبر دمج الأعمال بقيمة 100 مليار دولار، وإدراجها في بورصة لندن. إنها خطوة مهمة على صعيد القطاع ككل، لكن التفاصيل صارت معطلة لها حتى الآن. وعمليات الاستحواذ والدمج بلغت العام الماضي 1402 عملية بقيمة إجمالية وصلت إلى 75 مليار دولار. وهذا يعني أن هذه العمليات توفر قوة دفع للقطاع عالميا، وتؤمن انسيابية الإنتاج، ولا سيما في ظل الارتفاع المتوقع للطلب في المستقبل.
ويتفق الخبراء في هذا المجال، على أن عمليات الاندماج والاستحواذ ستتواصل في الأعوام القليلة المقبلة، بصرف النظر عن المخاوف التي يطرحها البعض حول الكيانات العملاقة التي قد تتشكل، والآثار الكبيرة التي ستتركها في الساحة في حالة تعثرها. لكن من المؤكد أن الطلب على المعادن سيرتفع بقوة في الأعوام المقبلة، ذلك مع التحول الذي نشهده حاليا نحو إنتاج الطاقة المتجددة، والابتعاد عن الطاقة البترولية التقليدية.
ووفقا للخبراء، قطاع الطاقة المتجددة، يحتاج إلى المعادن أكثر من تلك التي تدخل في إنتاج الوقود الأحفوري. مع ضرورة الإشارة، إلى أن أغلبية مصانع التعدين ستعمل لاحقا بالطاقة المتجددة، أو الكهرباء أو الهيدروجين. فالطلب سيرتفع بقوة في الفترة المقبلة. ما يزيد من محورية قطاع التعدين على الساحة الاقتصادية عالميا.
من المشكلات التي تواجه قطاع التعدين تبقى القيود القانونية التي تفرضها بعض الدول المؤثرة في المشهد، ما يرفع من حدة وحجم التحديات التي يواجهها القطاع. لكن البعض يتوقع أن تتراجع هذه القيود ولو قليلا في المرحلة المقبلة، غير أن ذلك سيزيد من مساحة النشاط الراهن أمام كل من الولايات المتحدة والصين للسيطرة ما أمكن على هذه الصناعة.
وفي كل الأحوال، لا تنحصر التحديات في القوانين المقيدة ومواقف الحكومات من هذه الصناعة التي تعد عند بعضها ضمن الأمن القومي، بل تشمل أيضا موجات جديدة من المعارضين للقطاع برمته من زاوية أنه يستنزف الموارد. وهذا متوقع، من جانب بعض الجماعات، إلا أن نمو الطلب على المعادن في المستقبل إلى مستويات مرتفعة، لن يمنح المعترضين أي مساحة لتفعيل حراكهم أكثر. المعادن هي محور استراتيجي مهم من النمو العالمي ككل، وستبقى محورا رئيسا لهذا النمو، ولا سيما في ظل التحولات الاقتصادية الراهنة على الساحة العالمية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي