فن الإدارة .. القيادة من خلال الإجماع واستخدام الإجماع ذريعة لعدم القيادة
عندما تم اختيار جولي بولاند العام الماضي لرئاسة أعمال شركة إي واي في الولايات المتحدة، كان الشركاء يأملون أن تتمكن من إنهاء حقبة من الاقتتال الداخلي بلغت ذروتها بخروج كيلي غرير سلفتها شديدة الحزم والعدوانية.
كانوا يقولون على سبيل المزاح إن بولاند كانت "سويسرا"، بلد محايد يتمتع بسمعة التقريب بين الآراء ولطف استثنائي من النوع الذي لا يوجد إلا في الغرب الأوسط للولايات المتحدة.
ومع ذلك، تجد بولاند نفسها الآن وسط ما سماه أحد الشركاء السابقين "الحرب الأهلية"، بعد أن أوقفت الأسبوع الماضي مشروعا استمر لمدة عام كان يهدف إلى إنشاء كيان مستقل للأعمال الاستشارية لإحدى شركات المحاسبة الأربع الكبرى.
كان من الممكن أن يؤدي تفكيك الشركة التي يبلغ عدد موظفيها 390 ألف شخص إلى أكبر جيشان تشهده صناعة المحاسبة منذ انهيار شركة آرثر أندرسن التي كانت مسؤولة عن تدقيق حسابات شركة إنرون في عام 2002.
التقسيم الذي تم إجهاضه استهلك بالفعل عشرات الآلاف من ساعات العمل و600 مليون دولار من أموال الشركاء. وقد تم دفع المشروع الذي أطلق عليه اسم بروجيكت إيفريست من قبل القيادة العالمية لشركة إي واي تحت إشراف كارمين دي سيبيو الرئيس التنفيذي، فيما تم دعمه من قبل بولاند نفسها من حيث المبدأ. لكن بروجيكت إيفرست فشل في العثور على الدعم في أوساط الأطراف الأساسية في فريق القيادة الأمريكية، الذي اختار التخلي عن الخطة قبل أن يتمكن 13 ألف شريك حول العالم من إبداء رأيهم.
دافع دي سيبيو عن التقسيم باعتباره وسيلة لتحرير كلا جانبي الشركة من قواعد تضارب المصالح التي تمنع الاستشاريين من بيع عديد من خدماتهم لعملاء تدقيق الشركة. ونظرا لأن شركة إي واي تعمل كشبكة عالمية للشركات الأعضاء، فقد تطلب التخطيط شهورا من المفاوضات بين رؤساء فروعها في البلدان التي تعمل فيها وبين خطوط العمل الموجودة فيها وخطوط الأعمال حول كيفية تقسيم العمليات والغنائم. ومن ثم فإن أي تقسيم يحتاج إلى موافقة على أساس كل دولة على حدة.
لكن كانت نهاية مشروع إفرست -وآمال الشركاء في تحقيق مكاسب مفاجئة من الاكتتاب العام الأولي للأعمال الاستشارية- فترة تملؤها الاتهامات المتبادلة والفظاظة. ينقسم الشركاء الغاضبون من بولاند بين من يلومها على السماح للمشروع بالوصول إلى تلك النقطة وآخرين غاضبين لأنها فشلت في التغلب على المعارضين وإتمام المشروع.
قال أحد الأشخاص الذين عملوا معها "هناك طريقة للقيادة من خلال بناء الإجماع، وهناك طريقة لاستخدام الإجماع عذرا للامتناع عن القيادة".
بالنسبة إلى آخرين، كان قرار إسقاط مشروع إفرست في اللحظة الأخيرة يروي الكثير عن الصفات القيادية لبولاند، نظرا لأنه كان من المقرر ترقيتها إلى منصب الرئيسة العالمية لشركة إي واي في حال تم المضي قدما في الانقسام. قال أحد كبار الشركاء "إن هذا يروي كثيرا عن حقيقة أنها تهتم بالمؤسسة أكثر بكثير من اهتمامها بلقبها الشخصي".
بولاند البالغة 56 عاما، تعرف تاريخها في شركة إي واي. أمضى والدها جيم بولاند، مدة 34 عاما في الشركة، وأصبح شريكا رئيسا في أوهايو وعضوا في إدارتها في الولايات المتحدة قبل أن يدير امتياز فريق كليفلاند كافالييرز لكرة السلة.
لكن ابنته لم تتبعه على الفور إلى شركة إي واي. فقد بدأت مهنة المحاسبة في برايس ووترهاوس كوبرز ثم أمضت سبعة أعوام في الخدمات المصرفية الاستثمارية في "جولدمان ساكس" و"جيه بي مورجان"، بما في ذلك في لندن، قبل أن تعود إلى كليفلاند لتتولى مناصب المديرة المالية. ثم انضمت إلى شركة إي واي فقط في عام 2010 وتمت ترقيتها إلى شريك إداري في كليفلاند بعد أربعة أعوام فقط قبل أن تتقدم لقيادة منطقة وسط الولايات المتحدة في عام 2018.
وفي العام الماضي أصبحت المرأة الثانية فقط التي تتولى قيادة الأعمال الأمريكية التي تمثل 40 في المائة من إيرادات شركة إي واي البالغة 45 مليار دولار. وكانت غرير قد استقالت بعد اشتباكها مع دي سيبيو بشأن مدى تأثير الشركة الأمريكية في العمليات الدولية وحجم الرسوم التي تدفعها الشركة الأمريكية للمقر الرئيس العالمي.
وكان خروج غرير قاسيا لدرجة أنه بحلول الوقت الذي تم فيه انتخاب بولاند لخلافتها رئيسة لفرع الولايات المتحدة، لم تحضر غرير الاجتماعات العالمية المنتظمة على مستوى التنفيذيين لعدة أشهر.
قد تكون العلاقات الآن بين الشركة الأمريكية وبقية الشبكة العالمية أكثر ضعفا. الإحباط الذي شعر به مؤيدو مشروع إيفرست ليس فقط أن الشركة الأمريكية بدت كأنها تتراجع عن اتفاق جرى في أيلول (سبتمبر) لوضع الانفصال أمام تصويت الشركاء، لكنها فعلت ذلك بعد الدفع بصفقة صعبة للغاية خلال المفاوضات.
قال أحد كبار الشركاء الغاضبين من خارج الولايات المتحدة "لقد قدمنا كل تنازل طلبوه منا"، ملقيا باللوم في هذا التحول على "التزام بولاند بالسعي إلى الإجماع" داخل القيادة الأمريكية. وأضاف "هناك كثير من التردد، فقليل منه سببه من أثر فيها آخرا، والذي اجتمع معها في آخر جلسة".
في مقابلة مع "فاينانشيال تايمز" الشهر الماضي بعد أن دعت إلى "إيقاف مؤقت" للتخطيط لمشروع إيفرست، نفت بولاند أنها كانت متناقضة. قالت "هناك مبدأ نهتدي به كنا نحاول حقا تحقيقه"، مضيفة أن "الصفقة يجب أن تتم فقط إذا أسفرت عن منظمتين ملهمتين يقودهما هدف".
نتيجة لذلك، شكك كثيرون في أن يكون جانب الشركة الذي يركز على التدقيق قويا بدرجة كافية.
وقد ثبت أن الإجماع في اللجنة التنفيذية الأمريكية المكونة من 16 عضوا أمر بعيد المنال، وكان هذا هو الجو السام الذي قررت فيه بولاند في النهاية أن يكون الاقتراع دون الإفصاح عن الهوية، مع تقديم الأصوات إلى محام. لم يتم الكشف عن الانقسام نفسه، لكن بروجيكت إيفرست لم يحصل على أغلبية الثلثين كما تطلب اللجنة.
أعلن دي سيبيو، باقتضاب، يوم الثلاثاء "نظراً للأهمية الاستراتيجية للشركة الأمريكية العضوة لبروجيكت إيفرست، فإننا سنوقف العمل على المشروع".
تحتفظ بولاند بمؤيدين على جانبي الانقسام بين المستشارين والمحاسبين في شركة إي واي، بمن فيهم عدد من كبار الشركاء الذين عملوا معها من كثب في بروجيكت إيفرست.
قال أحدهم إن دي سيبيو أراد "إيجاد إحساس بالزخم وأن يحصل على الزخم ليكون قادرا على التعامل مع أي شكوك حول الانفصال. ومن العدل أن نقول إن هذا نهج مختلف عن نهج جولي، التي كانت ستقول (هذا أمر منطقي، لكننا بحاجة إلى اجتياز العملية)".
فيما تحاول بولاند الآن وضع الشركة على مسار جديد، واعدة بإجراء تغييرات على صعيد الحوكمة في الشركة الأمريكية، وتنفيذ برنامج لخفض التكاليف، واستثمارات في جودة التدقيق، لكن التفاصيل ما زالت بحاجة إلى توضيح. وبعد أن خاطبت الشركاء في الولايات المتحدة في بث على شبكة الإنترنت، لم يكن المعلقون على موقع الدردشة الخاص بـ"فيش بول"، وهو شريك "إي واي"، راضين إلى حد كبير. وصف بعضهم أداءها بأنه "آلي"، بينما تناول أحد النقاشات إذا ما كان ينبغي طرد اللجنة التنفيذية بأكملها، أو الاكتفاء بفصل بولاند فقط.
لكن بعض الشركاء المتقاعدين الذين قدموا المشورة للجنة التنفيذية الأمريكية هرعوا للدفاع عنها. أرسل ستيف هاو، الذي أدار الأعمال الأمريكية لمدة 12 عاما حتى عام 2018، كما أرسل الرؤساء العالميون السابقون بيل كيمزي وفيل لاسكاوي والمدير التنفيذي العالمي السابق جون فيرارو بيانا مشتركا لـ"فاينانشيال تايمز"، يقولون فيه إنه تم التوصل إلى النتيجة الصحيحة.
"لقد كانت جولي بولاند صبورة وشجاعة وتتبع الحقائق في قيادة اللجنة التنفيذية الأمريكية لرفض بروجيكت إيفرست، نظرا للتحديات الواضحة والمتعددة التي لا يمكن التغلب عليها".
وسيتحول التركيز قريبا إلى إذا ما كان بإمكان بولاند أن تعزز موقعها وأن ترأب الصدع الذي تعرضت له شركة إي واي منذ خروج غرير، أو إذا ما كان قد لحق ضرر كبير بمكانتها بين الشركاء. وفيما أصبح واضحا أن دي سيبيو خسر صراع القوة على بروجيكت إيفرست، لم يتضح بعد إذا ما كانت بولاند قد فازت.