سوق النفط تترقب إشارات دعم من زخم تحسن البيانات الاقتصادية في الصين والهند
استمرت التقلبات السعرية في سوق النفط الخام انتظارا لإشارات جديدة داعمة خاصة البيانات الاقتصادية الصينية، التي قد تنبئ عن تعافي مؤثر في نمو الطلب، بينما يطبق تحالف "أوبك+" خفضا إضافيا للإنتاج لتعزيز الأسعار بعد الهبوط الحاد السابق الذي حدث بالتزامن مع الأزمة المصرفية العالمية.
وقال لـ"الاقتصادية"، محللون نفطيون: إن هناك حالة من الشكوك وعدم اليقين في السوق بشأن تمكن برامج تحول وانتقال الطاقة من تقليل الطلب على النفط والغاز بشكل كبير، بينما تؤكد "أوبك" حاجة المستهلكين إلى كل موارد الطاقة، وفي صدارتها الوقود التقليدي لعقود مقبلة، لافتين إلى تأكيد وكالة الطاقة الدولية وشركة بريتيش بتروليوم بقاء الطلب على النفط والغاز راسخا وقائدا لمزيج الطاقة على المدى الطويل.
وذكر المحللون أن الصين تقود العالم في الإنفاق على الطاقات المتجددة مع إنفاق يزيد بنحو أربعة أضعاف على الولايات المتحدة، حيث تعمل الصين بقوة على توسيع بصمتها في مجال الطاقة، وقد استحوذت بالفعل على شركات الطاقة في بيرو والاقتصادات الناشئة الأخرى.
وذكر روبرت شتيهرير مدير معهد فيينا الدولي للدراسات الاقتصادية، أن الطلب على النفط الخام يستعيد كثيرا من زخمه مع تحسن البيانات الاقتصادية في الصين وإنهاء كل قيود الإغلاق وأيضا في الهند، التي تمثل أسرع الاقتصادات الدولية نموا، مشيرا إلى أن هذا لا يمنع من تقديرات موازية تشير إلى مستقبل مشرق للسيارات الكهربائية.
من جانبه، قال ردولف هوبر الباحث في شؤون الطاقة ومدير أحد المواقع المختصة، إن "أوبك+" تعمل على استقرار سوق النفط الخام وتوازن العرض والطلب وبقاء المخزونات النفطية عند المستويات الصحية الملائمة وقد ارتأت ضرورة إجراء خفض إضافي للإنتاج بدءا من أيار (مايو) المقبل ليرتفع إجمالي خفض الإنتاج المطبق منذ تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي إلى أكثر من ثلاثة ملايين برميل يوميا، وذلك في أعقاب اتساع المخاوف من الركود والرفع المتكرر لأسعار الفائدة الأمريكية لمكافحة التضخم وأضيف إلى ذلك أخيرا أزمتا انهيار بنك "سيليكون فالي" والاستحواذ على بنك "كريدي سويس".
وأضاف أن الطلب العالمي على الطاقة لا يشمل فقط الطاقة النظيفة، وهذا ما تدركه "أوبك" وتعمل عليه جيدا من خلال استراتيجيتها المستقبلية، حيث تدرك "أوبك" مدى حاجة معظم الناس إلى الطاقة، حيث يحتاجون إليها في جميع الأوقات ومن أولى أولوياتهم أن يحصلوا على هذه الطاقة، بينما يجيء مصدر الطاقة ومدى نظافتها كعنصر ثانوي لأغلب سكان العالم، مشيرا إلى توقع شركة "إكسون موبيل" ارتفاع الطلب العالمي على الطاقة 15 في المائة من الآن حتى عام 2050.
من ناحيته، ذكر ماثيو جونسون المحلل في شركة "أوكسيرا" الدولية للاستشارات، أن قضية تغير المناخ تفرض ضغوطا هائلة على صناعة الطاقة في كل دول العالم، لكنها تبقى عاجزة أمام احتياجات المستهلكين المتزايدة في ظل بقاء أزمة فقر الطاقة، مبينا أن الدول المتقدمة ستعمل على تحسين كفاءة استخدامها للطاقة على مدى العقدين المقبلين بينما الدول النامية التي تمثل 80 في المائة من سكان العالم ستستخدم مزيدا من الطاقة أثناء سعيها إلى تحقيق مستويات معيشية أفضل.
وأشار إلى أن الدول النامية تتوسع في بناء بعض طاقة الرياح والطاقة الشمسية، لكن رهانها الرئيس لا يزال على الوقود التقليدي خاصة في الصين، التي تبني محطات طاقة بالفحم بشكل وفير، بينما تغلق أوروبا والولايات المتحدة تلك المحطات، مبينا أنه رغم تكثيف بعض الدول لجهود تحول الطاقة انخفضت حصة النفط والغاز في مزيج الطاقة العالمي بمقدار بضع نقاط مئوية فقط.
بدورها، قالت مواهي كواسي العضو المنتدب لشركة "أجركرافت" الدولية، إن قضية دعم الاستثمارات النفطية الجديدة خاصة في مشاريع المنبع تظل أمرا مهما وعاجلا لمصلحة استقرار الأسواق وتعزيز منظومة الطاقة العالمية، مشيرة إلى التحذيرات من أنه لا يتم استثمار ما يكفي في إمدادات النفط والغاز في المستقبل، مرجحة البدء في نفاد إمدادات النفط والغاز قبل أن يبدأ الطلب في الانخفاض.
ولفت إلى أن الطلب على النفط الخام سيظل قويا، لكن تقديرات لبعض البنوك والشركات الدولية تشير إلى أن الطلب على النفط سيبلغ ذروته في مكان ما في العقد الثالث من القرن الحالي، لافتين إلى أنه بمجرد توقف نمو الطلب سيكون المنتجون منخفضو التكلفة فقط في وضع جيد للربح وعلى رأسهم دول "أوبك".
وفيما يخص الأسعار، تراجعت أسعار النفط مع صعود الدولار وترقب المستثمرين رفعا محتملا لأسعار الفائدة من مجلس الاحتياطي الفيدرالي، ما قد يضعف آمال التعافي الاقتصادي.
وانخفضت العقود الآجلة لخام برنت 1.55 دولار بما يعادل 1.8 في المائة لتبلغ عند التسوية 84.76 دولار للبرميل، كما تراجع خام غرب تكساس الوسيط الأمريكي 1.69 دولار بما يعادل 2.1 في المائة إلى 80.83 دولار للبرميل.
وارتفع الخامان الأسبوع الماضي للأسبوع الرابع على التوالي في أطول سلسلة مكاسب منذ منتصف عام 2022.
وارتفع الدولار جنبا إلى جنب مع أسعار الفائدة، ما جعل النفط المقوم بالدولار أكثر تكلفة لحائزي العملات الأخرى. وارتفع مؤشر الدولار بنحو 0.6 في المائة أمس الإثنين.
ويراهن المتعاملون على أن مجلس الاحتياطي الاتحادي سيرفع سعر الإقراض في مايو ربع نقطة مئوية مرة أخرى، وأرجأوا توقعات خفض الفائدة إلى أواخر العام، وهو ما يحدث عادة في حالة التباطؤ.
لكن من المتوقع أن يكون لنشر بيانات الناتج المحلي الإجمالي الصيني للربع الأول من العام هذا الأسبوع أثر إيجابي في أسعار السلع الأولية، كما تتوقع وكالة الطاقة الدولية أن يأتي معظم النمو في الطلب على النفط من الصين في 2023. من جانب آخر، تراجعت سلة خام "أوبك" وسجل سعرها 86.80 دولار للبرميل الجمعة مقابل 87.77 دولار للبرميل في اليوم السابق.
وذكر التقرير اليومي لمنظمة الدول المصدرة للبترول "أوبك" أمس أن سعر السلة التي تضم متوسطات أسعار 13 خاما من إنتاج الدول الأعضاء حقق أول انخفاض عقب عدة ارتفاعات سابقة، وأن السلة كسبت نحو دولار واحد مقارنة باليوم نفسه من الأسبوع الماضي الذي سجلت فيه 85.17 دولار للبرميل.