رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


المؤسسات غير البنكية .. ما الخطر ؟

المخاوف التي أطلقها صندوق النقد الدولي في الآونة الأخيرة بشأن المخاطر الائتمانية لما تعرف بالمؤسسات المالية غير البنكية، أمر يستدعي الحذر وضرورة المراجعة الشاملة للأوضاع الداخلية في كل دولة، للتأكد من سلامة المنظومة المالية. هذه المؤسسات غير البنكية تقدم خدمات مالية متنوعة وشبيهة بالخدمات التي تقدمها البنوك التقليدية، وتشمل بشكل رئيس شركات التأمين وشركات التمويل وصناديق التمويل والاستثمار والتحوط، إلى جانب جميع الأطراف التي لديها عقود مشتقات مالية.
كما ذكرت "الاقتصادية" في تقريرها أن الاستقرار المالي العالمي بات مرهونا بمؤسسات تعامل الجميع معها بدرجة أقل من الأهمية والاهتمام بتعامله مع البنوك التي تعد حجر الزاوية في النظام المالي الدولي. هذا على الصعيد العالمي، أما في المملكة فالمنظومة المالية تختلف في بعض الجوانب، وفي ذلك نقاط إيجابية تحسب في مصلحة المنظومة المالية المحلية، نتيجة السياسة التحفظية التي يمارسها البنك المركزي تجاه آليات تقديم الخدمات المالية وشروطها وقنوات تقديمها.
معظم العمليات المالية في المملكة تتم من خلال البنوك الرسمية، هذا على الرغم من سياسة الانفتاح التي انتهجها البنك المركزي في الأعوام القليلة الماضية، التي من خلالها تم السماح لعدد كبير من شركات التقنية المالية الجديدة بمزاولة نشاطات كانت إلى وقت قريب محتكرة في القطاع البنكي. إلا أن المخاطر الائتمانية المتعلقة بهذه الشركات إلى الآن تعد محدودة نتيجة وجود ضوابط تتعلق بأحجام الأموال التي يتم التعامل بها، وضرورة اجتياز تلك الشركات شروط تقديم الخدمات المالية والتطبيق المسبق من خلال بيئة العمل التجريبية.
القطاع البنكي في السعودية معروف منذ أعوام طويلة بتمتعه بمتانة مالية قوية من حيث الوفاء باشتراطات كفاية رأس المال وبقوة منهجية الرقابة على البنوك التي يمارسها البنك المركزي على جميع البنوك العاملة في المملكة، وجدية البنك المركزي في تطبيق الرقابة والالتزام بمقتضياتها. ولا شك أن السياسة المصرفية في المملكة استفادت من تجارب بعض الدول في وضع أسس المنظومة المالية.
من التجارب التي مرت بها الولايات المتحدة وتمخض عنها عدد من القوانين والتعليمات لتجنب ما ظهر هناك من سلبيات، تبرز على الفور تجربة جمعيات الادخار والتمويل التي كانت منتشرة في الولايات المتحدة، التي تسببت في واحدة من أكبر الأزمات المالية التي مرت بها البلاد. ففي وقت سابق كان هناك أكثر من ثلاثة آلاف جمعية ادخار وتمويل، وفي غضون أعوام قليلة انهار أكثر من ثلثي هذا العدد نتيجة عدم مقدرة تلك الجمعيات على التعامل مع التقلبات الاقتصادية التي أدت إلى ارتفاع أسعار الفائدة خلال فترة قصيرة. هذه الجمعيات كانت تستقبل الودائع من الناس وتقدم القروض العقارية والشخصية، وبسبب الارتفاع الكبير في معدلات الفائدة في الثمانينيات حدثت هناك فجوات تمويلية بين الفوائد المتدنية طويلة المدى التي تتحصل عليها الجمعيات من عمليات الاقتراض، والفوائد المرتفعة قصيرة المدى الواجب دفعها إلى المودعين.
لا توجد في المملكة جمعيات تمويلية بهذا الشكل، ولا يسمح لغير البنوك باستقبال ودائع العملاء، لذا فإن جميع المؤسسات المالية تخضع بشكل مباشر لمراقبة البنك المركزي، أو تخضع له بشكل غير مباشر من خلال إشراف هيئة السوق المالية على بعض المؤسسات المالية. وشركات التأمين في المملكة كذلك تختلف عن شركات التأمين في بعض الدول في محدودية الخدمات التمويلية التي تقدمها، فلا يمكن تقديم قروض للأفراد أو الشركات من خلال شركات التأمين، ولا يوجد إقبال على أي من المنتجات الادخارية التي تقدمها شركات التأمين، على العكس من بعض الدول التي تلعب فيها شركات التأمين أدوارا تمويلية كبيرة.
اليوم تقف أصول البنوك في المملكة العربية السعودية عند نحو 3.7 تريليون ريال، وهناك نمو منضبط إلى حد كبير في حجم الائتمان المصرفي مع نسب محدودة في حالات التعثر، إضافة إلى الجودة العالية لمؤشرات السلامة المالية. هذا الوضع يختلف عن كثير من الدول، حيث تشير التقارير إلى أن حجم الأصول المالية العالمية للمؤسسات غير البنكية يقارب نصف حجم جميع الأصول المالية العالمية. ورغم أن هناك مخاوف من بعض التعاقدات المتعلقة بالمشتقات المالية في المملكة، إلا أن هناك جهودا كبيرة يقوم بها البنك المركزي للحد من مخاطر المشتقات المالية، تشترط رفع تقارير عن هذه المعاملات والقيام بإجراءات المقاصة من خلال منصات مقاصة مركزية، لتقليل المخاطرة ورفع مستوى الشفافية في تلك التعاملات.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي