بعد فترة المال السهل .. اختبار إجهاد هائل للنظام المالي
بعد خمسة أسابيع من انهيار سيليكون فالي بنك، لا يوجد إجماع حول ما إذا كانت الضغوط المالية التي أعقبت ذلك في أمريكا الشمالية وأوروبا قد وصلت إلى نهايتها أو أنها نذير للأسوأ في المستقبل.
وعلى القدر نفسه من الأهمية يقع السؤال حول ما إذا كانت البنوك المركزية في الاقتصادات المتقدمة، على خلفية استمرار ارتفاع معدلات التضخم، ستتراجع قريبا عن تشديد السياسة النقدية وتتجه نحو التيسير.
هذه الأسئلة، ذات الأهمية القصوى للمستثمرين، والمدخرين ومقترضي الرهن العقاري، ترتبط ارتباطا وثيقا. لأنه إذا واجهت البنوك والمؤسسات المالية الأخرى أزمات سيولة عندما يكون التضخم أعلى بكثير من هدف البنوك المركزية، الذي يبلغ عادة 2 في المائة، سينشأ توتر حاد بين هدفيها المتمثلين في استقرار الأسعار والاستقرار المالي. وفي حالة الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، فإن هدف استقرار الأسعار يتعارض أيضا مع هدف الحد الأقصى من التوظيف.
سيكون للخيارات التي تتخذها البنوك المركزية تأثير بعيد المدى في مواردنا المالية الشخصية. إذا ظل التضخم مرتفعا فترة أطول، فسيكون هناك مزيد من الألم لأولئك الذين استثمروا في السندات التي يفترض أنها آمنة لتقاعدهم. وإذا فشلت البنوك المركزية في هندسة هبوط ناعم للاقتصاد، فإن المستثمرين في الأصول الخطرة مثل الأسهم سيتضررون. وبالنسبة إلى أصحاب المنازل الذين يتطلعون إلى إعادة تمويل قروضهم خلال الأشهر المقبلة، فإن أي تشديد إضافي من قبل بنك إنجلترا سيرفع تكاليف الرهن العقاري.
الفقاعة تنفجر
يوضح سيليكون فالي بنك، البنك الـ16 الأكبر في الولايات المتحدة، بشكل مثالي كيف أن أهداف البنوك المركزية المتعلقة بالتضخم والاستقرار المالي قد تتعارض. إذ تم إغراقه بشكل أساس بالودائع غير المؤمنة – الودائع التي تزيد على سقف التأمين الرسمي البالغ 250 ألف دولار – التي تجاوزت بكثير فرص الإقراض في مكانه المعروف في صناعة التكنولوجيا. لذلك استثمر الأموال في سندات الخزانة متوسطة وطويلة الأجل والوكالة. وقد فعل ذلك دون التحوط من مخاطر أسعار الفائدة فيما كان أكبر فقاعة في سوق السندات في التاريخ.
أدى الارتفاع الحاد في أسعار الفائدة خلال العام الماضي إلى إحداث ثقب، ما أدى إلى انخفاض قيمة السندات طويلة الأجل. لم تكن هذه لتكون مشكلة لو احتفظ المودعون بالثقة في البنك حتى يتمكن من الاحتفاظ بالأوراق المالية حتى تاريخ الاستحقاق. لكن، من الناحية العملية، كان المودعون الأثرياء المتوترين غير المؤمنين قلقين من أن سيليكون فالي بنك قد يكون مفلسا إذا قومت السندات بسعر السوق.
سرعان ما انتشر خطاب جريج بيكر الرئيس التنفيذي، في 9 آذار (مارس) عبر الإنترنت، ما تسبب في هروب ربع قاعدة ودائع البنك في أقل من يوم ودفع سيليكون فالي بنك إلى عمليات بيع إجبارية للسندات مع خسائر فادحة. وسرعان ما امتدت حالة انهيار الثقة إلى بنك سيجنتشر في نيويورك، الذي وسع نطاقه بشكل مفرط في الممتلكات وزادت مشاركته في أصول العملات المشفرة. وكانت نحو 90 في المائة من ودائعه غير مؤمنة، مقارنة بنسبة 88 في المائة في سيليكون فالي بنك.
انتشر الخوف إلى أوروبا، حيث تسببت حالات فشل إدارة المخاطر وسلسلة من الفضائح في بنك كريدي سويس في انحسار الودائع. وسرعان ما توسطت السلطات السويسرية في عملية استحواذ من قبل منافسه اللدود بنك يو بي إس، بينما في المملكة المتحدة، قام بنك إنجلترا بتأمين استحواذ بنك إتش إس بي سي على فرع سيليكون فالي المتعثر في المملكة المتحدة مقابل جنيه استرليني.
لا يبدو أن هذه البنوك تشكل مجموعة متجانسة. لكن، بطرقها المختلفة، توضح كيف أن الفترة الطويلة من أسعار الفائدة المنخفضة للغاية منذ الأزمة المالية الكبرى في عامي 2007-2009 أدت إلى حدوث هشاشة في النظام المالي ما أوجد فقاعات الأصول.
وكما أشار جون دانيلسون وتشارلز جودهارت من كلية لندن للاقتصاد، كلما ظلت السياسة النقدية متراخية، زادت المخاطر النظامية، إلى جانب الاعتماد المتزايد على توافر النقود وأسعار الفائدة المنخفضة.
كانت النتيجة النهائية تقويض الاستقرار المالي. إن إصلاح هذا الوضع يتطلب زيادة في قاعدة رأسمال النظام المصرفي. لكن كما يشير دانيلسون وجودهارت، فإن زيادة متطلبات رأس المال عندما يكون أداء الاقتصاد سيئا، كما هي الحال الآن، يؤدي إلى الركود لأنه يقلل من قدرة البنوك على الإقراض. لذا فقد عدنا إلى توترات السياسة التي تم توضيحها سابقا.
يتمثل جزء من مشكلة سياسة التراخي المطولة هذه في أنها ولدت الرضا عن الذات. فكثير من البنوك التي تكافح الآن مع ارتفاع أسعار الفائدة افترضت، مثل سيليكون فالي بنك، أن أسعار الفائدة ستظل منخفضة إلى أجل غير مسمى وأن البنوك المركزية ستأتي دائما لتنقذ الوضع. وتقدر مؤسسة تأمين الودائع الفيدرالية أن خسائر البنوك الأمريكية غير المحققة على الأوراق المالية كانت 620 مليار دولار في نهاية 2022.
كانت النتيجة الأكثر مباشرة، التي لاحظها الأكاديميان راجورام راجان وفيرال أشاريا، المحافظ السابق ونائب محافظ بنك الاحتياطي الهندي على التوالي، هي أن التيسير الكمي للبنوك المركزية منذ الأزمة المالية، حيث قاموا بشراء الأوراق المالية بكميات كبيرة من الأسواق، أدى إلى توسع ميزانيات البنوك وحشوها بالودائع غير المؤمنة.
يضيف راجان وأشاريا أن المشرفين في الولايات المتحدة لم يخضعوا جميع البنوك للمستوى نفسه من التدقيق واختبار الضغط الذي طبقوه على أكبر المؤسسات. لذلك ربما تكون هذه المعايير التفاضلية قد تسببت في هجرة القروض العقارية التجارية المحفوفة بالمخاطر من البنوك الكبيرة ذات رأس المال الأفضل إلى البنوك الصغيرة والمتوسطة ذات رأس المال الضعيف. وهناك أسباب للاعتقاد بأن هذه قد تكون مشكلة أقل أهمية في المملكة المتحدة، كما سنرى.
هناك نقطة ضعف أخرى في النظام تتعلق بسوء تخصيص رأس المال غير المألوف الناجم ليس فقط من ميل السياسة النقدية المتساهلة إلى إيجاد الفقاعات، بل إلى أسعار الفائدة المنخفضة للغاية التي تبقي الشركات "الزومبي" (غير المربحة) على قيد الحياة. أدت الطاقة الإنتاجية الزائدة التي أبقت عليها هذه السياسة إلى ضغط هبوطي على الأسعار.
إن السياسة الأكثر تشددا اليوم، التشديد الأكثر صرامة خلال أربعة عقود في الاقتصادات المتقدمة مع استثناء ملحوظ لليابان، ستقضي على كثير من الشركات الزومبي، وبالتالي ستقيد العرض وتزيد من قوة الدفع التضخمية. لاحظ أن إجمالي عدد حالات إفلاس الشركات المسجلة في المملكة المتحدة 2022 كان الأعلى منذ 2009 وأعلى 57 في المائة من 2021.
نظام تحت الضغط
في الواقع، أدى التحول من التيسير الكمي إلى التشديد الكمي والزيادة الحادة في أسعار الفائدة إلى فرض اختبار ضغط هائل على كل من النظام المالي والاقتصاد الأوسع. وما يجعل الاختبار مرهقا بشكل خاص هو الزيادة الهائلة في الديون التي شجعت عليها أعوام من الأموال السهلة.
يقول ويليام وايت، كبير الاقتصاديين السابق في بنك التسويات الدولية وأحد الاقتصاديين القلائل في الدوري الممتاز الذين توقعوا الأزمة المالية الكبرى، إن الأموال فائقة السهولة "شجعت الناس على اقتراض الديون للقيام بأمور غبية". والنتيجة هي أن الدين المشترك للأسر، والشركات والحكومات فيما يتعلق بالناتج المحلي الإجمالي قد ارتفع إلى مستويات لم يسبق لها مثيل في وقت السلام.
كل هذا يشير إلى زيادة كبيرة في نطاق الحوادث في النظام المالي. وبينما أثارت الاضطرابات التي حدثت في الأسابيع القليلة الماضية أسئلة جادة حول فاعلية تنظيم البنوك والإشراف عليها، إلا أن هناك جانبا كانت الاستجابة التنظيمية للأزمة المالية الكبرى فيه فعالة للغاية. إذ تسببت في هجرة كثير من الأنشطة المصرفية التقليدية إلى القطاع المالي غير المصرفي، بما في ذلك صناديق التحوط، وصناديق أسواق المال، وصناديق المعاشات التقاعدية وغيرها من المؤسسات التي تعد أقل شفافية بكثير من القطاع المصرفي المنظم، وبالتالي فإنها قادرة على إحداث مفاجآت نظامية سيئة.
جاء مثال على ذلك في المملكة المتحدة في أيلول (سبتمبر) الماضي بعد إعلان حكومة ليز تروس عن التخفيضات الضريبية غير الممولة في ميزانيتها "المصغرة". ما أدى إلى زيادة سريعة وغير مسبوقة في عوائد السندات الحكومية طويلة الأمد وما تبعه من انخفاض في الأسعار. وقد كشف هذا عن نقاط الضعف في صناديق الاستثمار المدفوعة بالالتزامات التي استثمر فيها عديد من صناديق التقاعد من أجل التحوط من مخاطر أسعار الفائدة ومخاطر التضخم.
استثمرت صناديق الاستثمار المدفوعة بالالتزامات هذه في الأصول، ولا سيما السندات الحكومية والمشتقات، التي ولدت تدفقات نقدية تم توقيتها لتتناسب مع حالات مصروفات المعاشات التقاعدية. كان الاقتراض يغذي معظم النشاط.
إن صناديق المعاشات التقاعدية ذات المزايا المحددة في المملكة المتحدة، حيث ترتبط المعاشات التقاعدية بمتوسط الأجر النهائي أو الوظيفي، لديها التزام شبه موحد بمطابقة الالتزامات. وقد أدى ذلك إلى التركيز المفرط في الأجل الأطول لكل من سوق الأسهم ذات أسعار الفائدة الثابتة والسندات الحكومية المرتبطة بالمؤشر، ما أدى إلى تفاقم إعادة تسعير السندات الحكومية بعد الإعلان. وتبع ذلك دوامة هائلة من استدعاءات الضمانات والمبيعات الاضطرارية للسندات الحكومية التي زعزعت استقرار السوق في صلب النظام المالي البريطاني، ما شكل خطرا مدمرا على الاستقرار المالي ومدخرات التقاعد للملايين.
لم يكن هذا غير متوقع بشكل كامل من قبل الجهات التنظيمية، التي أجرت اختبارات ضغط لمعرفة ما إذا كانت صناديق الاستثمار المدفوعة بالالتزامات قادرة على تأمين سيولة كافية من عملاء صناديق التقاعد لتلبية طلبات الهامش في الظروف الصعبة. لكنها لم تسمح بمثل هذا التأرجح الشديد في عوائد السندات الحكومية.
خوفا من أن يؤدي ذلك إلى تشديد غير مبرر لشروط التمويل وتقليل تدفق الائتمان إلى الأسر والشركات، تدخل بنك إنجلترا في السوق ببرنامج مؤقت لمشتريات السندات الحكومية. كان الغرض من ذلك هو منح صناديق الاستثمار المدفوعة بالالتزامات الوقت لبناء مرونتها وتشجيع اتخاذ احتياطات وقائية أقوى للتعامل مع التقلبات المستقبلية في سوق السندات الحكومية.
كان التدخل ناجحا للغاية فيما يتعلق باستقرار السوق. لكن عبر توسيع ميزانيته العمومية في الوقت الذي كان ملتزما فيه بتقليص الميزانية العمومية لمصلحة تطبيع أسعار الفائدة والحد من التضخم، زرع بنك إنجلترا بذور الشك في أذهان بعض المشاركين في السوق. هل سيتفوق الاستقرار المالي دائما على التزام البنك المركزي بتحقيق استقرار الأسعار؟ وما هي حوادث إعادة التسعير الدراماتيكية الأخرى التي قد تؤدي إلى صدمات نظامية خطيرة؟
التضخم قبل كل شيء؟
يرتبط النطاق الأكثر وضوحا لإعادة التسعير الحاد بتوقعات السوق بشأن التضخم. فعلى المدى القصير، من المقرر أن ينخفض التضخم مع تراجع ضغوط الأسعار العالمية وانحسار الاضطراب في سلسلة التوريد، ولا سيما الآن حيث تواصل الصين إعادة فتح أبوابها بعد عمليات الإغلاق الناجمة عن كوفيد - 19. تشير التوقعات الأساسية للجنة السياسة النقدية في بنك إنجلترا إلى انخفاض تضخم أسعار المستهلك من 9.7 في المائة في الربع الأول من 2023 إلى ما دون 4 في المائة بقليل في الربع الرابع.
إن الدعم الذي يقدمه الاحتياطي الفيدرالي وغيره من البنوك المركزية للمؤسسات المالية المتعثرة يترك مجالا لمزيد من تشديد السياسة واحتمالية قوية بأن هذا سيمهد الطريق لخفض التضخم والركود. وقد أكد صندوق النقد الدولي هذا الأسبوع على هذه النقطة، حيث حذر من أن "فرص الهبوط الصعب" للاقتصاد العالمي قد ترتفع بشكل حاد إذا استمر التضخم المرتفع.
لكن إضافة إلى علامة الاستفهام حول استعداد البنوك المركزية لإعطاء الأولوية لمكافحة التضخم على الاستقرار المالي، كانت هناك مخاوف على المدى الطويل بشأن صدمات العرض السلبية التي يمكن أن تبقي الضغط التصاعدي على التضخم بما يتجاوز توقعات السوق الحالية، وفقا لوايت. وكبداية، يجبر كوفيد - 19 والخلاف الجيوسياسي الشركات على إعادة هيكلة خطوط الإمداد، ما يزيد من المرونة لكنه يقلل من الكفاءة. لقد تضرر المعروض من العمال بسبب الوفيات وكوفيد طويل الأمد.
يتوقع وايت أن يتضرر إنتاج الوقود الأحفوري والمعادن من انخفاض مستويات الاستثمار في الآونة الأخيرة، ولا سيما في ظل التأخيرات الطويلة في إدخال الإنتاج الجديد إلى حيز التنفيذ. كما يجادل بأن الأسواق تقلل من شأن التأثير التضخمي لتغير المناخ، والأهم من ذلك، أن المعروض العالمي من العمال في انخفاض حاد، ما يؤدي إلى ارتفاع تكاليف الأجور في كل مكان.
أين هي المملكة المتحدة من كل هذا؟ لقد تم تعزيز مرونة القطاع المصرفي بشكل كبير منذ الأزمة المالية بين عامي 2007 و2008، حيث انخفضت نسب القروض إلى الودائع في البنوك البريطانية الكبرى من 120 في المائة في 2008 إلى 75 في المائة في الربع الرابع من 2022. حيث تم تقييم عدد أكبر من محافظ سندات البنوك البريطانية بسعر السوق لأغراض تنظيمية ومحاسبية مقارنة بالولايات المتحدة.
إن قوة الجنيه الاسترليني منذ رحيل حكومة تروس تعني أن مخاطر الميزانية العمومية الخارجية طويلة الأمد للمملكة المتحدة – من حيث اعتمادها على ما أسماه محافظ بنك إنجلترا السابق مارك كارني "إحسان الغرباء" - قد تضاءل إلى حد ما. ومع ذلك، لا تزال هناك شكوك كبيرة حيث يبدو أن أسعار الفائدة ستتخذ خطوة صعودية أخيرة.
المخاطر على المقترضين والمستثمرين
بالنسبة إلى المقترضين بضمان الرهن العقاري، فإن الصورة مشوشة. حيث تقدر لجنة السياسة المالية التابعة لبنك إنجلترا أن نصف قروض الرهن العقاري في المملكة المتحدة البالغ عددها أربعة ملايين للمالكين الذين يسكنون تلك العقارات ستتعرض لارتفاع أسعار الفائدة في 2023. ولكن، في أحدث تقرير لها في مارس، قالت لجنة السياسة المالية التابعة لبنك إنجلترا: إن مخاوفها بشأن القدرة على تحمل مدفوعات الرهن العقاري قد تراجعت بسبب انخفاض أسعار الطاقة والتوقعات الأفضل للتوظيف.
إن استمرار ارتفاع مستوى التضخم يقلل من القيمة الحقيقية لديون الرهن العقاري. وإذا تسببت مخاوف الاستقرار المالي في قيام بنك إنجلترا بتمديد الفترة التي يعيد التضخم خلالها إلى هدفه البالغ 2 في المائة، فإن العبء الحقيقي للدين سيتناقص أكثر.
أما بالنسبة إلى المستثمرين، فإن إمكانية – لا بل احتمالية - أن الضغوط التضخمية هي الآن أكبر مما كانت عليه لعقود من الزمن ترفع إشارة تحذيرية، على الأقل على المدى المتوسط والبعيد، بالنسبة للسندات ذات الفائدة الثابتة. وبالنسبة إلى المستثمرين من القطاع الخاص، فإن السندات المرتبطة بالمؤشر لا توفر أي حماية ما لم يتم الاحتفاظ بها حتى تاريخ الاستحقاق.
هذا الافتراض ضخم نظرا إلى التوقيت غير المعروف للوفيات وإمكانية أن تتطلب فواتير الرعاية في سن الشيخوخة تصفية الاستثمارات. لاحظ أن العائد على السندات الحكومية المرتبطة بالمؤشر في 2022 كان سالب 38 في المائة، وفقا لشركة إل سي بي الاستشارية. فعندما ترتفع عوائد السندات ذات السعر الثابت وتنخفض الأسعار، يتم رفع العوائد المرتبطة بالمؤشر بنفس المد القوي.
في تخصيص الأصول لا يمكن أن تكون هناك ضرورات مطلقة، بالطبع. كما تجدر الإشارة إلى تجربة جورج روس جوبي في السبعينيات، مؤسس ما يسمى بـ"طائفة حقوق الملكية" في الأيام التي استثمرت فيها معظم صناديق التقاعد في السندات الحكومية بصورة حصرية.
أثناء إدارته لصندوق إمبريال توباكو للمعاشات التقاعدية بعد الحرب، اشتهر جوبي ببيع جميع الأوراق المالية ذات الفائدة الثابتة للصندوق واستثمر حصريا في الأسهم - بنتائج رائعة. في 1974، وضع رهانا كبيرا على "قرض الحرب" عندما كان يحقق 17 في المائة من الأرباح وحقق مكاسب كبيرة. إذا كان السعر مناسبا، فحتى سندات الدين ذات الفائدة الثابتة يمكن أن تعد صفقة رابحة في فترة تضخم هائل.
السؤال الأخير الذي أثارته الضغوط المصرفية في الأسابيع الأخيرة هو ما إذا كان الأمر يستحق الاستثمار في البنوك. ففي مقال صدر أخيرا عن قسم إف تي موني في "فاينانشيال تايمز"، كانت الإجابة لا بحسب تيري سميث، الرئيس التنفيذي لشركة فندسميث والمحلل المصرفي السابق الأعلى تصنيفا. فهو لا يستثمر أبدا في أي شيء يتطلب رافعة مالية (أو اقتراضا) لتحقيق عائد مناسب، كما هي الحال بالنسبة إلى البنوك. وعلى أي حال، فإن العوائد في البنوك ضعيفة. وحتى عندما تكون إدارة البنك جيدة، يمكن أن يتسبب الذعر الشامل في دماره.
ويضيف سميث أن التكنولوجيا أخذت تحل محل البنوك التقليدية. وهو يسأل بشكل بلاغي، هل لاحظت أن فرع البنك المحلي الذي تتعامل معه قد تحول إلى بيتزا إكسبرس، وبالمناسبة، في أي وظيفة يجني مزيدا من المال؟
هذه نهاية جيدة لقصة الموجة الأخيرة من إخفاقات البنوك.