على طريق التدويل .. الرنمينبي يضاعف حصته في التمويل التجاري

على طريق التدويل .. الرنمينبي يضاعف حصته في التمويل التجاري

أظهر تحليل أجرته "فاينانشيال تايمز" أن نصيب الرنمينبي في التمويل التجاري تضاعف منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا، وهو ارتفاع يقول محللون "إنه يعكس استخداما أكبر لعملة الصين لتسهيل التجارة مع روسيا، كما يعكس ارتفاع تكلفة التمويل بالدولار".
تظهر بيانات التمويل التجاري من سويفت، منصة المدفوعات والتمويل الدولية، أن حصة الرنمينبي من حيث قيمة السوق ارتفعت من أقل من 2 في المائة في شباط (فبراير) 2022 إلى 4.5 في المائة في شباط (فبراير) 2023. تضع هذه المكاسب العملة الصينية في منافسة شديدة مع اليورو الذي يمثل 6 في المائة من الإجمالي.
مع ذلك، لا يزال كلاهما جزءا صغيرا من حصة الدولار التي بلغت 84.3 في المائة في شباط (فبراير) عام 2023، انخفاضا من 86.8 في المائة قبل عام.
وفقا لمنصور محي الدين، كبير الاقتصاديين في بنك سنغافورة "هذه خطوة مهمة. من الصعب التفكير في أي شيء آخر يمكن أن يكون وراء هذا التغير الكبير بخلاف (...) الحرب في أوكرانيا".
تمثل الحصة المتزايدة للعملة الصينية في التمويل التجاري -الذي يقدم له المقرضون الائتمان لتسهيل حركة البضائع عبر الحدود- نعمة لبكين الساعية إلى تسريع تدويل الرنمينبي وتحديا صارخا للغرب الذي سعى إلى استخدام العقوبات لمنع المؤسسات المالية الروسية الكبرى من استخدام منصة سويفت.
قال آرثر كروبر، شريك مؤسس في مجموعة الأبحاث جافيكال دراجونوميكس التي تركز على الصين "من المحتمل أن كثيرا من هذا، نظرا للتوقيت، يمثل التجارة الروسية (مع الصين) التي تتم عبر وسطاء. وحقيقة أن روسيا نفسها معزولة عن منصة سويفت قد تكون غير ذات صلة".
وأضاف "من الواضح أن هناك كثيرا من النفط الروسي الذي يظهر في الصين عبر الشرق الأوسط وماليزيا"، مشيرا إلى "الانفجار" في أحجام واردات النفط الصيني من ماليزيا منذ آذار (مارس) من العام الماضي على نحو يتجاوز الطاقة الإنتاجية للبلد.
نفذ بنك الشعب الصيني حملة تدويل منسقة في الأعوام التي سبقت آب (أغسطس) 2015، عندما أدى تخفيض قيمة العملة إلى هروب حاد لرأس المال. أجبر هذا البنك المركزي على عكس مساره وفرض ضوابط صارمة على رأس المال عاقت تقدم الصين في تعزيز الاستخدام العالمي للعملة.
لم يقابل الارتفاع الأخير للرنمينبي في قائمة عملات التمويل التجاري استخداما أكبر في المدفوعات الدولية عبر منصة سويفت، التي استقرت عند نحو 2 في المائة من الإجمالي العالمي.
تتمتع روسيا بإمكانية الوصول إلى نظام الدفع العابر للحدود بين البنوك "سيبس" Cips، البديل الصيني لنظام سويفت. في العام الماضي ارتفعت التجارة الثنائية بين البلدين إلى مستوى قياسي بلغ 185 مليار دولار، ودفعت الشركات الروسية ثمن معظم مشترياتها من البضائع الصينية بالرنمينبي. أظهرت بيانات البنك المركزي أن إجمالي التسويات وصل إلى 97 تريليون رنمينبي "14 تريليون دولار" عام 2022، بزيادة 21 في المائة على أساس سنوي.
قال كروبر "هناك حد لمقدار ما يمكنك اكتشافه من حيث الآليات الدقيقة لكيفية حدوث هذه المدفوعات. لكنني أشك في أن جزءا كبيرا جدا من هذه الزيادة في التمويل التجاري، عندما تصل إلى أساس الأمر، يعكس معاملات تشمل روسيا".
يرى محللون وخبراء اقتصاديون أن ارتفاع تكلفة التمويل بالدولار جعل العملة الصينية أكثر جاذبية نسبيا لأغراض التمويل التجاري. رفع الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي أسعار الفائدة تسع مرات منذ عام 2022، بينما خفض بنك الشعب الصيني سعر الفائدة الأساسي للقروض مرتين خلال الفترة نفسها.
جوان تاو، كبير الاقتصاديين العالميين في بنك الصين الدولي والمسؤول السابق في إدارة الدولة للنقد الأجنبي، أشار إلى أن ارتفاع العملة الصينية في التمويل التجاري "يتعلق باختلاف السياسات النقدية الأمريكية والصينية (...) لقد تغير دور الرنمينبي من عملة ذات سعر فائدة مرتفع إلى عملة ذات سعر فائدة منخفض".
كلفن لاو، كبير الاقتصاديين لشؤون الصين الكبرى في بنك ستاندرد تشارترد، قال "من ناحية سعر الفائدة (...) أصبح الرنمينبي أرخص على أساس نسبي. نرى أخيرا اهتماما أكبر باستخدام الرنمينبي في التمويل التجاري". وأضاف "بوجود روسيا أو بدونها، من الناحية الهيكلية، نشهد عودة تدويل الرنمينبي".
وفقا لورقة بحثية حديثة نشرها تشانج مينج، نائب مدير إدارة التمويل الدولي في الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية، غير بنك الشعب الصيني بتيير استراتيجيته لتدويل الرنمينبي منذ بداية عام 2022.
بدلا من التركيز على الدفع باتجاه مزيد من تسعير النفط الخام بالرنمينبي وتوسيع وصول المستثمرين الأجانب إلى الأوراق المالية الداخلية كما فعل حتى نهاية عام 2021، بدأ البنك المركزي الضغط بقوة من أجل زيادة استخدام العملة في تسوية صفقات السلع العابرة للحدود وتحسين الوصول العالمي للمشتقات المرتبطة بأصول الرنمينبي.
يتجلى هذا التركيز على تسوية السلع في صفقات مثل تلك التي أبرمت الشهر الماضي مع البرازيل، التي تسمح لأكبر اقتصاد في آسيا وأكبر اقتصاد في أمريكا الجنوبية بإجراء معاملات تجارية ومالية بعملتيهما الخاصتين.
قال جي شياوجيا، رئيس قسم الأبحاث الآسيوية في بنك كريدي أجريكول "لدى الصين حافز قوي لدفع تدويل الرنمينبي إلى الأمام لإدارة المخاطر المتزايدة للتوترات الجيوسياسية وفك الارتباط بين الولايات المتحدة والصين"، مشيرا إلى أن بكين "كثفت الحوار الدولي وأحرزت بعض التقدم الإيجابي على هذه الجبهة، ولا سيما مع رابطة أمم جنوب شرق آسيا واقتصادات الشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية".
لكن في ضوء الضوابط الصارمة التي يفرضها البنك المركزي الصيني على الأموال، يتوقع عدد قليل من الخبراء أن يرتقي الرنمينبي بسرعة في ترتيب عملات المدفوعات العالمية.
قال تشي لو، كبير الخبراء الاستراتيجيين في الشأن الصيني في شركة بي إن بي باريبا أسيت مانجمنت "يستخدم الصينيون تكتيك تقطيع السلامي لتدويل الرنمينبي. إنهم ليسوا في عجلة من أمرهم".

الأكثر قراءة