اقتصاد الحرب .. سباق اليوم بين المستثمرين
أدت الحرب الروسية- الأوكرانية إلى زيادة الاهتمام لدى مستثمري القطاع الخاص في الشركات الأوروبية العاملة في مجال الدفاع والتكنولوجيات المقترنة بها، حيث يراهنون على أن الدفعة القادمة من الإنفاق العسكري استجابة للصراع ستوفر فرصا للنمو.
كان المديرون التنفيذيون لشركات الأسهم الخاصة في فرنسا، ومنهم سيرج واينبرغ رئيس مجلس إدارة شركة سانوفي ومروان لحود، المدير السابق لشركة إيرباص، من بين الذين يقودون تحركا لتوحيد سلسلة الإمداد لشؤون الفضاء والدفاع المشتتة في البلاد، والتي تضم عديدا من الشركات الصغيرة التي ما زالت تعاني آثار جائحة كوفيد - 19.
قال واينبرغ لـ "فاينانشيال تايمز": "إن أكبر شركات الدفاع معنية بوجود سلسلة إمداد قوية. وقد أصبح هذا الأمر أكثر أهمية في ضوء مشهد الإنفاق العسكري الإضافي والذي من المقرر أن يأتي من خلال الميزانية العسكرية المقبلة متعددة الأعوام".
أضاف: "هناك حاجة إلى طاقة إنتاجية إضافية، والقدرة على تعزيز المخزونات، وبالتالي هناك حاجة لتقوية الهياكل المالية (لهذه المجموعات)".
جمعت شركته الخاصة، واينبرغ كابيتال بارتنرز، أكثر من 100 مليون يورو لصندوق جديد سيستثمر في شركات الدفاع الفرنسية، ويأمل في مضاعفة هذا المبلغ مع استمرار جمع الأموال.
يعود استثمار رأس المال الخاص في صناعة الطيران والدفاع إلى عقود ماضية، ولكنه كان لفترة طويلة من اختصاص صناديق الأسهم الخاصة الكبيرة، نظرا لتعقيد العمل في قطاع شديد التنظيم تلعب الحكومات فيه دورا كبيرا.
يمكن أن تكون طبيعة عقود الدفاع طويلة الأجل عقبة لمستثمري القطاع الخاص الذين يتطلعون عادة للخروج منها بعد خمسة أعوام، في حين أن المخاوف المرتبطة بالأمن القومي يمكن أن تجعل بيع الشركات أكثر صعوبة.
كان عديد من الصناديق، خاصة في أوروبا، حذرة أيضا من دعم مصنعي الأسلحة نظرا لخطر التعارض مع القوانين البيئية والاجتماعية والحوكمة، مفضلة بدلا من ذلك دعم الأطراف التي تطور التكنولوجيات ذات الاستخدام المزدوج للتطبيقات المدنية والعسكرية.
ولكن، مع بدء الحكومات في الاستثمار بشكل أكبر في القدرات الجديدة مثل الطائرات دون طيار وأجهزة الاستشعار والذكاء السيبراني والاصطناعي التي تشمل تطبيقات أوسع، أخذ مستثمرو القطاع الخاص يلاحظون ذلك.
كما أثارت الحرب في أوكرانيا خططا لزيادة كبيرة في الإنفاق العسكري في عديد من البلدان، منها فرنسا وألمانيا وبولندا والمملكة المتحدة، التي يتوق مستثمرو القطاع الخاص للاستفادة منها.
بلغت قيمة النشاط العالمي للصفقات في شركات الفضاء والدفاع من قبل مستثمري الأسهم الخاصة ورأس المال المغامر 20 مليار دولار في 2022 و34 مليار دولار في 2021، وفقا للبيانات التي جمعتها شركة بيتش بوك لمصلحة "فاينانشيال تايمز". وهو ما يمثل ارتفاعا عما كانت عليه قبل الجائحة عندما بلغ متوسط الأموال المتدفقة إلى القطاع 10.4 مليار دولار سنويا من 2015 لغاية 2019.
بلغ نشاط صفقات الأسهم الخاصة الأوروبية في الشركات التي تركز على الدفاع 3.8 مليار يورو في 2021، بحسب البيانات من بيتش بوك، وهو ثاني أعلى نشاط خلال العقد الماضي بعد الصفقات التي بلغت 5.3 مليار يورو في 2019. تم تنفيذ أكبر صفقتين دفاعيتين من حيث القيمة من قبل شركة أدفينت إنترناشونال، التي اشترت مجموعة كوبهام المدرجة في المملكة المتحدة مقابل أربعة مليارات جنيه استرليني في 2019، ومجموعة ألترا إليكترونيكس مقابل 2.8 مليار جنيه استرليني في 2022.
لحود، رئيس الأسهم الخاصة في شركة تيكيهاو كابيتال، التي استثمرت ما يقارب 1.1 مليار يورو في مجال الفضاء والدفاع من خلال أربعة صناديق منذ 2004، قال إن القطاع "أصبح أكثر رواجا" أخيرا. "من قبل، كان ينظر إلى الأمر على أنه مسألة تدعو للخجل، لذلك لم يتحدث أحد عن الاستثمار في الدفاع، ولكن منذ الحرب في أوكرانيا، تغيرت الديناميكية، وأصبح المستثمرون يتفاخرون به".
وبعد أن دعا الرئيس إيمانويل ماكرون مقاولي الدفاع الفرنسيين العام الماضي للمضي قدما في دعم "اقتصاد الحرب"، أعلنت الحكومة أيضا دعمها لإنشاء مزيد من صناديق الاستثمار في مجال الدفاع لتعزيز ما يقارب أربعة آلاف شركة صغيرة ومتوسطة الحجم تقدم الإمدادات لشركات مثل إيرباص وداسو أفييشن وتاليس.
سيكون تعزيز قدرات الموردين أمرا أساسيا إذا أرادت فرنسا تحقيق الأهداف الواردة في ميزانية ماكرون العسكرية من 2024 إلى 2030 التي تقتضي زيادة الإنفاق 40 في المائة تقريبا لتصبح 413 مليار يورو.
تحاول فرنسا أيضا إقناع الشركات باستعادة تصنيع الأسلحة من الخارج، مثل خطة وضعت أخيرا للمساعدة في تمويل مشروع في مجموعة يورينكو لبناء مصنع جديد لمسحوق القذائف المدفعية بالقرب من مدينة بوردو.
اتبعت فرنسا نهجا استباقيا مشابها خلال جائحة كوفيد - 19 من خلال تشجيع صناديق الأسهم الخاصة على دخول المجال الجوي. حيث استثمرت الدولة 200 مليون يورو في صندوق تم تأسيسه حديثا، والذي كان مدعوما بمساهمات من إيرباص وسافران وتاليس وداسو أفييشن، وتديره مجموعة الأسهم الخاصة تيكيهاو كابيتال.
منذ ذلك الحين، حذا الناتو حذوها، حيث أطلق صندوقا بقيمة مليار يورو في حزيران (يونيو) للاستثمار في الشركات الناشئة وصناديق رأس المال المغامر لتطوير تكنولوجيات ذات استخدام مزدوج، بما فيها الذكاء الاصطناعي والمواد الجديدة والدفع والفضاء.
قال شونيل مالاني، الشريك الإداري في شركة أدفينت إنترناشونال في لندن، إنه حتى قبل الحرب في أوكرانيا، كان رأس المال الخاص يتدفق إلى قطاع الدفاع، نظرا للمخاطر الجيوسياسية المتزايدة التي تشكلها الصين وروسيا. وبالنسبة إلى شركة أدفينت، يعد قطاع الدفاع "أولوية" وتولي اهتماما خاصا بـ "التكنولوجيات المبتكرة التي تركز على الدفاعية فرط الصوتية، والدفاع السيبراني والفضاء والغواصات".
تستثمر صناديق رأس المال المغامر أيضا بشكل أكبر في الشركات الأوروبية ذات الصلة بالدفاع، حيث ضخت 96 مليون يورو في 2022، بزيادة قدرها 50 في المائة عن العام السابق وهو أعلى مستوى خلال عقد، وفقا لتحليل شركة بيتش بوك.
كانت شركة تيكيفر البرتغالية للطائرات دون طيار من بين الشركات التي جذبت اهتماما أكبر منذ بداية الحرب، حيث قامت الشركة، التي كانت طائراتها دون طيار تستخدم في مهام المراقبة البحرية في القناة الإنجليزية مع اختبارها أيضا من قبل قوات الناتو البحرية، قامت بجمع 20 مليون يورو من خلال جولة تمويل قادتها في 2022 شركة فينتورا كابيتال الاستثمارية التي يوجد مقرها في المملكة المتحدة.
قال ريكاردو مينديز الرئيس التنفيذي لشركة تيكيفر: "لقد شهدنا بعض الزيادة منذ بدء الحرب، خاصة لأن تكنولوجيتنا ذات استخدام مزدوج ويمكن تطبيقها في عدد واسع من الأسواق، بما فيها سوق الدفاع".
من الأمثلة الحديثة الأخرى لجمع التبرعات شركة هيلسينج الألمانية الناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي والتي تنتج خرائط حية لساحات المعارك.
على الرغم من الرياح المواتية التي تجلب مزيدا من التمويل الخاص إلى قطاع الدفاع، يبقى أن نرى ما إذا كانت هذه الاستثمارات ستثبت أنها مربحة.
حذر المستثمران الفرنسيان لحود وواينبرغ بشكل منفصل من أن صناديق الأسهم الخاصة يجب أن تختار أهدافها جيدا لتجنب الوقوع في مشكلات عند السعي للخروج، نظرا لأن الحكومات كانت تتعرض لضغوط من أجل حماية الأصول الاستراتيجية الرئيسة.
قال لحود: "ليس من الممكن القيام بمزاد عالمي لشركة ما، لكن يمكنك القيام بمزاد فرنسي أو أوروبي"، مضيفا أن هذه القيود قد تضر بمضاعفات التقييم.
فيما قامت المملكة المتحدة، التي كانت تاريخيا تتبع نهجا أكثر انفتاحا لعمليات الاستحواذ الأجنبية، بالتدخل لتأمين تعهدات ملزمة من شركة أدفينت فيما يتعلق بشرائها لشركتي كوبهام وألترا. وهذه الأخيرة تصنع معدات صيد الغواصات بالإضافة إلى أنظمة التحكم لأسطول غواصات ترايدنت التي تحمل أسلحة الردع النووي البريطانية.
منعت فرنسا في 2021 مجموعة الأسهم الخاصة أرديان من بيع شركة فوتونيس، التي تصنع أنابيب تكثيف الصورة لتكنولوجيا الرؤية الليلية، لشركة أمريكية وطالبتها أن تبيع لمشتر أوروبي بدلا من ذلك بسعر أقل.
لتجنب هذه المشكلات، استعان صندوق واينبرغ بمسؤول سابق من إحدى وزارات الحكومة الفرنسية التي تشرف على مشتريات الجيش، حيث قال: "يجب أن تكون مقربا من الدولة حتى تعرف حقا أين يمكنك الاستثمار وكيف يمكنك الخروج".