تضخم مكافآت رؤساء الشركات
نظرا إلى تأثير الإدارة العليا البالغ في أداء الكيانات الاقتصادية، تحاول الشركات -قدر المستطاع- استقطاب الكفاءات والخبرات لتولي أهم مناصبها. وتخصص الشركات في سبيل ذلك مبالغ طائلة لرؤسائها التنفيذيين تصل إلى عشرات حتى مئات الملايين من الدولارات سنويا. وتدفع الشركات عادة رواتب أساسية إلى رؤسائها، إضافة إلى مكافآت سخية مربوطة في معظم الأحيان بأداء الشركات. تشكل الأسهم وخياراتها عبر فترة من الزمن معظم المكافآت الممنوحة. وتحاول الشركات من خلال منح المكافآت كسب ولاءات رؤسائها وتحفيزهم لبذل أقصى جهودهم في تحسين أداء الشركة ومراعاة مصالحها على الأمد الطويل.
شهدت رواتب ومكافآت كبار التنفيذيين نموا قويا في الأعوام الماضية. ويقدر بعض المصادر أنها تضاعفت عدة مرات منذ بداية الألفية. وتربط الشركات عادة المكافآت بأداء الشركات طويل الأجل، لهذا نسمع أحيانا عن حصول بعض التنفيذيين على مبالغ خرافية في بعض الأعوام. وحصل مثلا إيلون ماسك، الرئيس التنفيذي لشركة تسلا في 2018 على أكثر من ملياري دولار مقابل أداء الشركة خلال فترة من الزمن، بينما لم يحصل على شيء يذكر العام الذي قبله. ولا يزال ماسك يحتل قائمة أكثر الرؤساء التنفيذيين دخلا حيث حصل مقابل إدارته شركات عدة على 6.7 مليار دولار في 2022، كما تفيد بعض المصادر. وتلقى أعلى عشرة رؤساء تنفيذيين عالميا رواتب ومكافآت تفوق 200 مليون دولار العام الماضي.
غالبا ما يحتل قائمة أعلى الرؤساء التنفيذيين مخصصات مالية أشخاص مبتكرون أسسوا شركات ناجحة وكبيرة. ويأتي رؤساء الشركات التنفيذيون من جميع مجالات التخصصات الدراسية، وبعضهم لم يحصل على شهادات جامعية، لكن معظمهم درس إدارة أعمال في وقت ما من حياته. يأتي الأمريكيون على رأس قائمة الرؤساء التنفيذيين الأعلى منافع في العالم، بسبب كثرة الشركات الأمريكية وضخامتها وتركز ابتكارات التقنية في الولايات المتحدة.
احتلت قائمة أعلى الشركات في دفع مخصصات مالية لرؤسائها التنفيذيين العام الماضي في المملكة شركة إكسترا التي منحت 136 مليون ريال رواتب ومكافآت لمحتلي أعلى خمسة مناصب فيها. شكلت مكافآت الأسهم معظم مخصصات الشركة لإدارتها العليا، ما وضعها العام الماضي بشكل استثنائي على رأس قائمة الترتيب في المملكة. أتى عملاق النفط "أرامكو" ثانيا في مخصصات رؤسائها التنفيذيين الخمسة الذين حصلوا على ما يقارب 100 مليون ريال. بعد ذلك جاء البنك الأهلي في المركز الثالث بنحو 66 مليونا لأعلى خمسة مناصب. واحتلت المصارف مراكز متقدمة في قائمة أعلى الرؤساء التنفيذيين دخلا، حيث جاءت سبعة مصارف ضمن قائمة أعلى 12 شركة سعودية في مخصصات الرؤساء التنفيذيين. وعموما دفعت أغلب الشركات المساهمة السعودية مخصصات تزيد على 30 مليون ريال لأعلى خمسة رؤساء تنفيذيين فيها.
لا يبدو أن الشركات السعودية تتصرف بطريقة مختلفة عن الشركات العالمية، حيث تدفع مبالغ مرتفعة لأكبر موظفيها، محاولة قدر الإمكان اجتذاب الخبرات والكفاءات اللازمة لتحقيق النمو وتعظيم الأرباح. طبعا لا يمكن مقارنة مستويات مخصصات الرؤساء التنفيذيين في الشركات المساهمة السعودية بالشركات الأمريكية الضخمة، لكنهم يحصلون على مستويات جيدة مقارنة بـقرنائهم في باقي العالم.
ترتفع أصوات كثيرة تلقي اللوم على النظام الرأسمالي السائد حاليا على المستوى العالمي الذي يسمح بدفع مبالغ طائلة إلى الرؤساء التنفيذيين مقابل الحد من أجور باقي الشرائح العاملة في الشركات. ويتقاضى رؤساء تنفيذيون في كثير من الأحيان مئات أضعاف متوسط رواتب الشرائح العاملة في الشركات. وتقود مثل هذه الممارسات إلى زيادة فجوة الدخل في المجتمعات، كما أنها تركز على دور الإدارة العليا، وتهمش بدرجة كبيرة أدوار باقي القوى العاملة التي تقوم بالإنتاج الفعلي للخدمات والسلع.
قد يدفع السعي الحثيث لتضخيم المكافآت، الرؤساء التنفيذيين إلى المجازفة ورفع المخاطر، ما قد يهدد وجود الشركات والمصارف خصوصا. وهذا ما حصل بالفعل مع مصرف ليمان براذرز، الذي أفلس وتسبب في بدء الأزمة المالية العالمية 2008. كما يقال إن إدارة مصرف وادي السيليكون حصلت على مكافآت كبيرة قبل انهيار المصرف. من جانب آخر، قد يمارس ملاك الشركات الرئيسون أو مؤسسوها عند توليهم المناصب العليا ضغوطا لرفع مكافآتهم على حساب المستثمرين الآخرين، ما يرفع شبهات الفساد. كما قد تحفز المكافآت المربوطة بالأرباح على التركيز في الأداء على الأمد القصير، أو حتى خفض دقة البيانات المالية، وربما تدليس الأرقام وخفض المخاطر.
تتغافل الأغلبية الساحقة من الشركات عن تحفيز القوى العاملة على الرغم من أنها العمود الفقري للشركات، مقابل تدليل الإدارة العليا ومنحها امتيازات وكفاءات يشعر كثيرون أنها لا تستحقها، وفي الوقت نفسه تستحوذ على حيز كبير من دخلها. طبعا تبرر الشركات دفع مبالغ ضخمة لإداراتها بدواعي تحسين الأداء، والسؤال الذي يطرح نفسه: لماذا لا يتم تخصيص جزء من دخول الشركات لتحفيز جميع القوى العاملة وكسب ولاءاتهم وزيادة انتماءاتهم وحرصهم على مصالح الشركة وديمومتها؟
تتحمل الجهات التنظيمية في أي بلد مسؤولية إلزام الشركات بالإفصاح عن مخصصات الإدارة العليا ومجالس الإدارات والتدقيق في بياناتها. في الجانب المقابل، يتحمل المستثمرون مسؤولية النظر في مخصصات الإدارة العليا ومجالس الإدارات وتقييم كفاءتها في إدارة الشركات ومواجهة التحديات وتعظيم الأرباح وضمان الاستمرارية لتحديد جدوى الاستثمار فيها.