المستهلكون مرضى .. الشركات تفلت من المسؤولية
يأتي مهرج طارقا بابك حاملا رسالة مفرحة لأطفالك، مفادها أنه يمكنهم الحصول على لعبة مجانا، إذا اشتريت لهم وجبة من مطعم للوجبات السريعة. هل ستدعوه للدخول؟
تلك هي قوة الإعلان، أنك لا تحتاج إلى الوجبة. يملك المهرج المال والحرية التنظيمية لنشر رسالة شركته المرحة عبر اللوحات الإعلانية وشاشات التلفزيون والمحتوى الذي يتم بثه مباشرة على الإنترنت. لكن منتجاته مرتبطة بالسمنة وأمراض القلب.
يرمز المهرج إلى ما يسميه الباحثون "المحددات التجارية للصحة"، وهو مفهوم ناشئ يصف تأثير الشركات في صحة الناس والكوكب. وجد الباحثون الذين يكافحون في العالم لجعل عبوات السجائر دون ألوان "لتقليل جاذبيتها" أو إدخال حد أدنى لسعر كل وحدة جرام من الكحول "لتقليل مستويات الشرب"، وجدوا أنفسهم في مواجهة الخصم نفسه: المصلحة الذاتية التجارية. لكن الباحثين اتحدوا الآن لتوضيح تلك المحددات وحصر أبعادها.
كان تحليلهم الذي نشر الأسبوع ما قبل الماضي في مجلة "ذا لانسيت" الطبية، لا يسر: أربعة قطاعات فقط -هي التبغ والوقود التقليدي والأطعمة فائقة المعالجة والكحول- تسهم في ثلث الوفيات العالمية على الأقل. كتب الباحثون أن "التحول نحو أصولية السوق والشركات عبر الوطنية متزايدة القوة، أوجد نظاما مرضيا، يتم فيه تمكين الجهات التجارية بشكل متزايد من إحداث ضرر وتحميل الآخرين والبيئة تكاليف فعلها".
من الصعب المبالغة في تقدير مدى راديكالية التحليل، فهو يستهدف الأسواق الحرة والليبرالية الجديدة والملاذات الضريبية والمنظمين الضعفاء والسياسيين الجبناء والعلماء الساذجين وشعار المسؤولية الشخصية الذي تدفع به الشركات. كما تصر آنا جيلمور المؤلفة المشاركة، أستاذة الصحة العامة ومديرة مجموعة أبحاث مكافحة التبغ في جامعة باث في المملكة المتحدة، بقولها "إن ذلك ليس معاديا للشركات بل مؤيدا للصحة وللكوكب".
لا يطالب الباحثون الذين ينتمون إلى دول مثل المملكة المتحدة وأستراليا ونيوزيلندا وأمريكا والبرازيل بالإطاحة بالرأسمالية، بل -بحسب جيلمور- "حجم الضرر الذي لحق بالصحة والكوكب هو الآن كبير بالفعل، وينبغي لنا اتخاذ إجراءات تجاهه". كما تنفي أن تكون مفسدة للبهجة، مشيرة إلى أن معظم المدخنين يندمون على البدء به، وأن معظم البدناء يريدون إنقاص وزنهم.
تتأثر الصحة بالعوامل الطبية، مثل الجينات، والعوامل غير الطبية، التي تسمى عادة المحددات الاجتماعية، تشمل المحددات الاجتماعية الدخل والوضع الاجتماعي والتعليم والسكن، حيث يتمتع الأثرياء بصحة أفضل ويعيشون لفترة أطول من ذوي الدخل المنخفض.
أضافت منظمة الصحة العالمية الآن "المحددات التجارية" تحت مظلتها للمحددات الاجتماعية، واصفة إياها بأنها "الشروط والأفعال والأخطاء من الجهات التجارية الفاعلة التي تؤثر في الصحة". ويمكن أن تكون إيجابية، كما هي الحال مع أحزمة الأمان في المركبات، لكنها يمكن أن تكون سلبية أيضا، كالتسعير والتسويق المستهدف للتبغ والوجبات السريعة والكحول والحليب الاصطناعي "بما في ذلك في البلدان منخفضة الدخل"، وإنشاء المصانع التي تسبب تلوث الهواء، وإزالة الغابات المرتبطة بإنتاج سلع مثل الأخشاب والبن والسكر.
يجادل مؤلفو الدراسة بأنه من غير العادل ومما لا يمكن تحمله أن تواصل الشركات جني الأرباح من منتجاتها دون أن تدفع ثمن الأضرار. استقال هنري ديمبلبي، مالك مطعم، هذا الشهر من منصب كبير مسؤولي الطعام في حكومة المملكة المتحدة، مشيراً إلى التأخير في تشديد القوانين الخاصة بإعلانات ترويج الوجبات السريعة.
تنبأ ديمبلبي بأن إحجام الوزراء عن التدخل من شأنه أن يجلب "مشكلات ضخمة لهيئة الخدمات الصحية الوطنية خلال عقد من الزمان، وأن يتسبب في البؤس من الأمراض المرتبطة بالنظام الغذائي". يعاني تقريبا ربع البالغين في إنجلترا السمنة المفرطة. قالت وزارة الصحة والرعاية الاجتماعية "إن الحكومة ستواصل العمل من كثب مع الصناعة الغذائية للتسهيل على الناس مسألة اتخاذ الخيارات الصحية". هذا يعد كالموسيقى التي تطرب لها آذان الشركات، حيث ضغط كثير من القطاعات لتأخير السياسات التي من شأنها كبح الحرية التجارية أو تخفيفها أو تدميرها. يقول الباحثون في مجلة "لانسيت"، "إن الصناعة لا ينبغي أن يكون لها دور في صياغة السياسة".
لكن الصناعة لديها إمكانات مالية كبيرة وحلفاء أقوياء، مع علماء مذعنين لها، ومنظمات "أمامية" داعمة، ومؤسسات فكرية ذات تأثير في السوق الحرة على استعداد للدفاع عن مصالحها. إن مؤلفي الدراسة محقون في الإشارة إلى كيفية إعادة صياغة اللامسؤولية المؤسسية ببراعة لتصبح ضعفا من المستهلك، مثل علة رامي القمامة المعادي للمجتمع، والمقامر المدمن، ومستهلك الوجبات السريعة الذي لا يمارس التمارين إلا قليلا جدا.
تقول جيلمور "إنه ليس مطلبا كبيرا أن تتبع الشركات القوانين وتدفع الضرائب ولا تعوق صنع سياسات المصلحة العامة، وليس مطلبا كبيرا أن تعمل الحكومات لمصلحة الأغلبية، وليس القلة، في السعي إلى تحقيق اقتصاد أكثر سعادة وصحة".
لا يسعنا إلا أن نكون آملين. فلنواصل السير.