الشرق الأوسط يسطع على رادار المستثمرين العالميين

الشرق الأوسط يسطع على رادار المستثمرين العالميين
الجمع بين الإصلاح التنظيمي وأسعار النفط المرتفعة كان محسوسا بوضوح في سوق الأسهم السعودية "الفرنسية"

ارتفعت الأسهم في شركة بريسايت أيه آي لتحليل البيانات في أول يوم تداول لها في بورصة أبوظبي، الإثنين الماضي، بعد طرح عام أولي بقيمة 496 مليون دولار تمت تغطيته 136 مرة.
هذا الطلب ليس حالة منفردة. فهو يأتي بعد أسبوعين من جمع شركة أدنوك غاز 2.5 مليار دولار في أكبر إدراج في أبوظبي. ويعد هذان الطرحان من بين الأحدث في سلسلة عمليات طرح سريعة في الشرق الأوسط تتناقض بشدة مع حال السوق الأوروبية المحتضرة.
في العام الماضي سجلت الطروحات العامة الأولية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا رقما قياسيا بلغ 51 طرحا، وفقا لشركة إي واي. أوضحت الشركة الاستشارية أن تلك الطروحات جمعت 22 مليار دولار، بزيادة 179 في المائة على عام 2021، مضيفة أن سوق هذا العام تبدو "صحية".
قال ميجيل أزيفيدو، رئيس قسم الخدمات المصرفية الاستثمارية لمنطقة الشرق الأوسط وإفريقيا في سيتي جروب، إن المنطقة "ظهرت على شاشة الرادار".
أضاف: "انتقل كثير من الناس إلى هنا بعد كوفيد وكان هناك كثير من الطروحات العامة الأولية هنا، وبذلك أجبرت العالم على النظر إلى المنطقة، التي جذبت الانتباه عندما لم يكن هناك شيء يحدث في بقية العالم".
قال مصرفيون إن الإصلاح التنظيمي المالي، والدفع نحو الخصخصة وسط حالة الاستقرار السياسي، وأسعار النفط والغاز التي ارتفعت بشكل كبير من أدنى مستوياتها خلال جائحة كوفيد -19، تدفع كلا من جنون الطروحات العامة الأولية والصفقات الخاصة.
أشار سامي كاييلو، كبير المستشارين في بنك مورجان ستانلي، إلى أن "حالة الاضطراب المستمرة هدأت وأسعار النفط أعلى من نقطة التعادل بالنسبة للحكومات".
وتعمل المملكة العربية السعودية على إصلاح اقتصادها المعتمد على النفط بقيادة ولي عهدها الطموح، محمد بن سلمان. واجتذبت دولة الإمارات مجموعات مالية إلى مركزها التجاري في دبي وأطلقت عددا مذهلا من عمليات الإدراج في أبوظبي، العاصمة الغنية بالنفط. وقطر التي تنبض بالحياة عقب استضافتها الناجحة لبطولة كأس العالم لكرة القدم، تضاعف صادرات الغاز.
نشر مديرو صناديق رأس المال الخاص 19.8 مليار دولار في 191 صفقة في الشرق الأوسط العام الماضي، المكان الوحيد في العالم الذي سجل زيادة سنوية في قيمة الاستثمار عام 2022، وفقا لجمعية رأس المال الخاص العالمية. في عام 2018 تم استثمار 600 مليون دولار.
كان الجمع بين الإصلاح التنظيمي وأسعار النفط المرتفعة محسوسا بشكل كبير في سوق الأسهم السعودية، حيث تمثلت أبرز الصفقات في إدراج شركة أرامكو السعودية العملاقة للنفط عام 2019 بقيمة بلغت 29 مليار دولار.
أطلقت تلك العملية زيادة كبيرة في عدد الطروحات العامة الأولية وكان 2022 عاما قياسيا. خلال الخمسة أعوام الماضية ارتفعت القيمة السوقية نحو 475 في المائة. وبحسب هيئة تنظيم السوق السعودية، هناك الآن 269 شركة مدرجة مقارنة بـ188 في نهاية 2017، مع تهيؤ 80 شركة أخرى للتعويم.
في أبوظبي، عومت شركة النفط الوطنية سلسلة من الأصول، ما أدى إلى زيادة مشابهة في عمليات الإدراج.
تم إدراج شركة أمريكانا للوجبات السريعة، المملوكة لصندوق الاستثمارات العامة السعودي ورجل الأعمال محمد العبار، من دبي، في بورصتي أبوظبي والرياض في كانون الأول (ديسمبر) وسط ارتفاع في الطلب.
قال أحد كبار المصرفيين في أسواق رأس المال في الولايات المتحدة: "إنها قواعد اللعب نفسها التي كانت في أوروبا"، مشيرا إلى أن الفترة من منتصف الثمانينيات إلى آخرها التي شهدت حملة الخصخصة في المملكة المتحدة، شجعت النشاط هناك "وساعدت على تحفيز الأسواق والترويج لثقافة مساواة أوسع وتشجيع المؤسسات الخاصة على أن تصبح عامة".
في دبي، معالجة الإمارة الناجحة للجائحة جذبت أصحاب المليارات في مجال التشفير والمديرين التنفيذيين الماليين الذين استفادوا من اقتصادها المفتوح. وقد رسخ كثير منهم جذورهم وأقنعوا شركاتهم باللحاق بهم.
وفتحت صناديق التحوط وشركات إدارة الأصول، بما في ذلك بريفان هوارد وإيكسودس بوينت، فروعا لها في الحي المالي في المدينة، الذي يجري الآن محادثات لترخيص 50 صندوق تحوط آخر، بينما يتطلع المديرون إلى الإعفاء من الضرائب وفرص التداول المفيدة التي تمتد عبر آسيا والولايات المتحدة.
بعد أن شهدت أسواق المال في الدول المجاورة لها، بدأت دبي العام الماضي حملتها الخاصة في الخصخصة، متعهدة بإدراج عشرة كيانات مرتبطة بالدولة. تم بالفعل إدراج أربعة منها، بما في ذلك هيئة كهرباء ومياه دبي وشركة سالك لتحصيل رسوم الطرق.
قال أزيفيدو إن المنطقة تنتقل إلى "المرحلة الثانية" من الإدراج، مع "الطروحات العامة الأولية للكيانات غير الحكومية في دولة الإمارات، في كل من دبي وأبوظبي"، مضيفا أن "هذا العام سيشهد إدراج عدد من الشركات العائلية".
تشكل الشركات العائلية ما يصل إلى 90 في المائة من القطاع الخاص في دول مثل المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات. وعندما يتوفى المؤسسون، قد تدب اختلافات بين الورثة. وتعد الطروحات وسيلة لفرض ترتيبات حوكمة الشركات وتخطيط الخلافة لتجنب الصراع الأسري.
جمعت شركة الأنصاري للخدمات المالية، وهي شركة عائلية وأكبر سلسلة صرافة في الإمارات، 210 ملايين دولار يوم الإثنين الماضي وسط طلب قوي على طرحها العام الأول في سوق الأسهم في دبي. ومن بين المجموعات الإقليمية الأخرى العائلية الناضجة بما يكفي لإدراج أسهمها في القطاع العام، مجموعة مراكز التسوق التي تتخذ دبي مقرا لها، ماجد الفطيم، ومتاجر التجزئة التي يملكها لبنانيون، أزاديا، وسلسلة المتاجر الضخمة في أبوظبي، لولو.
توقع أزيفيدو أن يتبع هذه الطروحات موجة ثالثة من "شركات التكنولوجيا المالية الناشئة والشركات التي تستخدم التكنولوجيا التي كانت تجمع الأموال في سوق رأس المال الخاص".
ومن بين المرشحين المحتملين شركة بيور هارفست للتكنولوجيا الزراعية، ومنصة المطبخ السحابية، كيتوبي، وشركة الإعلانات ذات التصنيف العالي، دبيزل.
أدت الانهيارات المصرفية الأخيرة في الولايات المتحدة وأوروبا إلى إحياء المخاوف بشأن تكرار الأزمة المالية العالمية، عندما كان الشرق الأوسط مزدهرا في الوقت الذي دخل فيه باقي العالم في الانهيار المالي.
في ذلك الوقت، تباهت دول الخليج بأنها "انفصلت" عن الاقتصاد العالمي قبل أن تواجه أزمة تراجع أسعار النفط في 2009.
قال طارق فضل الله، الرئيس التنفيذي لشركة نومورا لإدارة الأصول، الشرق الأوسط: "الأمر مختلف قليلا الآن بسبب الميزانيات العمومية القوية وبرامج التحول المستمرة. خلال الأزمة المالية العالمية، انخفضت أسعار النفط بشكل حاد والفرق الكبير هذه المرة هو أن الأسعار لا تزال ضمن منطقة الراحة".

الأكثر قراءة