نهاية «كريدي سويس» تلقي بظلالها على «اللمسة السويسرية»

نهاية «كريدي سويس» تلقي بظلالها على «اللمسة السويسرية»

"اللمسة النهائية السويسرية"، الوصف الذي يطلق على الطبقة الإضافية من الضمانات المالية التي يطلبها المنظمون المصرفيون في سويسرا، وصف يعكس الجودة العالية التي اشتهرت بها الدولة تقليديا، بدءا من ساعاتها إلى قطاعها المصرفي. لقد أضفت نهاية "كريدي سويس" على المصطلح معنى جديدا مؤسفا.
لكن ربما لا تنتهي المفارقة المصيرية عند هذا الحد. الطريقة التي أفلس بها "كريدي سويس"، وآليات إنقاذه بالإكراه من منافسه اللدود "يو بي إس"، والآثار المترتبة على "فينانزبلاتز شفايز" -المركز المالي السويسري كاملا- بالغة.
من الواضح أن جزءا كبيرا من اللوم في مشكلات "كريدي سويس" يجب توجيهه إلى البنك نفسه، ثقافته العدوانية، وسوء إدارته للمخاطر، وتلاعبه في اتخاذ القرارات. لكن اللوائح التنظيمية التي كان من المفترض أن تمنح البنوك هالة من القوة كانت، كما تبين، جزءا آخر من المشكلة.
في 2019، شكك ثلاثة أكاديميين، من كلية ييل للإدارة، والبنك المركزي الألماني في الدور المهم الاستثنائي لما يسمى أدوات رأس المال المشروطة القابلة للتحويل، التي تتحمل خفض قيمتها أو تحويلها إلى أسهم في فترات الضغوط لاستيعاب الخسائر. قال الأكاديميون "إن مدى استخدام سندات الشريحة الأولى الإضافية (أيه تي 1)، إحدى أدوات رأس المال المشروط، في هيكل رأس المال التنظيمي للبنوك، ربما يضع مدى إسهام اللمسة النهائية السويسرية المضافة إلى القوانين العالمية (...) موضع شك".
تعرضت "فينما"، الجهة التنظيمية الرقابية، لانتقادات لفشلها في مراقبة قوة "كريدي سويس" المالية كما ينبغي. أصبحت "فينما"، إلى جانب الحكومة السويسرية، في مرمى المستثمرين الأمريكيين، الذين اتهموا سويسرا بالتصرف مثل "جمهورية موز" بسبب قرار قلب التسلسل الهرمي المعتاد للمستثمرين وشطب قيمة سندات "أيه تي 1"، مع حفاظها على بعض قيمة الأسهم. لقد أصبح المغزى من رأس المال المشروط -المساعدة على استقرار مؤسسة في طريقها إلى الإفلاس بطريقة متوقعة- محل شك.
كل هذا مهم لأن النظام المصرفي السويسري ضخم جدا. مجموع أصوله يعادل 520 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للدولة، نسبة أعلى بكثير من أي دولة متقدمة رئيسة أخرى.
كانت الأعوام الـ15 الماضية عصيبة على الخدمات المصرفية السويسرية. "يو بي إس"، منقذ "كريدي سويس"، نفسه كان جاثيا على ركبتيه خلال الأزمة المالية عام 2008. بعد فترة وجيزة، سعت سلطات الضرائب الأمريكية وراء البنوك السويسرية لتسهيلها التهرب الضريبي على المواطنين الأمريكيين، وبحلول 2018 تم رفع قوانين السرية المصرفية المعمول بها في سويسرا منذ فترة طويلة. وعلى الرغم من أن بعض المصرفيين السويسريين أبدوا سرورهم بهذا، قائلين إنه يبدد نفحة شبهة في ارتباط إجرامي محتمل، إلا أنه محا أيضا جاذبية سويسرا عند بعض العملاء.
ثم بدأت الفضيحة في "كريدي سويس" رويدا رويدا، وبلغت ذروتها في انهيار هذا الشهر. نتيجة لذلك، سيلحق المركز المالي السويسري ما لا يقل عن ست إصابات أخرى. على المستوى الظاهر، ألحقت هذه الحادثة ضررا شديدا بسمعة سويسرا في مجال الخدمات المصرفية الاستثمارية، وإدارة الثروات، والتنظيم.
الطريقة التي استخدمت بها السلطات مرسوم طوارئ لخفض قيمة سندات "أيه تي 1" إلى الصفر دون حتى تصويت برلماني، هدم سمعة سويسرا الحسنة والعريقة في سيادة القانون الراسخة والمعهودة.
لقد أضرت تفاصيل معاملة حاملي سندات "أيه تي 1" في "كريدي سويس"، التي أصبحت موضوع طعن قانوني، بسمعة السلطات السويسرية وكذلك بنوك الدولة. سيكون من الصعب للغاية إصدار مزيد من السندات لفترة، وخسر المستثمرون الرئيسون، ولا سيما الآسيويون الأثرياء -كثير منهم من عملاء البنوك السويسرية- قدرا كبيرا من المال، وفقدوا الثقة ببنوكهم. وتم شطب سندات المساهمين أيضا، ما ألحق الضرر بمجموعة عملاء آخرين من أصحاب الثروات.
النتيجة النهائية هي أن بنك يو بي إس وحده سيشكل الآن ضعفين ونصف من الناتج المحلي الإجمالي لسويسرا، ما يجعل الدولة تتعامل مع خطر "بنك أكبر من أن يفلس" أكثر تعقيدا. على الصعيد المحلي، هناك أخطار ذات صلة بالخدمات المصرفية للأفراد نتيجة لغياب المنافسة في القطاع. يقدر "جيه بي مورجان" أن البنك المندمج سيملك نحو 30 في المائة من السوق.
لا شك أن سويسرا تظل مكانا جذابا، يتمتع بقوة عاملة عالية المهارة، وديمقراطية راسخة، ونظام مالي متطور. لقد تعافت نيويورك ولندن من إخفاقاتهما المصرفية. وقد ينتهي الأمر بامتلاك سويسرا بطلا وطنيا أقوى ممثلا في "يو بي إس". لكن من الواضح أن سويسرا كان عليها الاعتراف بحجم مشكلات "كريدي سويس" مسبقا وأن تعالجها بصرامة أكثر. إذا كانت اللامبالاة عاملا مساهما، فهذا درس ليس فقط لسويسرا، بل لمناطق أخرى في عالم المال. صدمة "كريدي سويس" تذكير بهشاشة الثقة بالقطاع المصرفي، حتى بعد إصلاحات ما بعد الأزمة. إذا كان سقوط "كريدي سويس" ممكنا، فسقوط الآخرين كذلك.

الأكثر قراءة