إعادة التشجير .. البرازيل تنقذ غابات الأمازون
يقف ريناتو كروزيل وفريقه أمام مساحة شاسعة من الأراضي العشبية الأمازونية، والغابة المرئية على مد النظر. تنظر إليهم مجموعة من المارة بنظرات فضولية غير معتادين على رؤية الغرباء في هذه الزاوية النائية من البرازيل.
بصفته مدير العلوم في "مومباك"، وهي شركة ناشئة في مجال إعادة التشجير تأسست قبل عامين، يقوم كروزيل بزراعة ثلاثة ملايين شجرة عبر ما يقارب ثلاثة آلاف هكتار في ولاية بارا في البلد، في أحد أكبر المشاريع التي تهدف إلى استعادة الغابات في منطقة الأمازون.
قال "إن التحدي الأكبر في المنطقة هو تغيير الثقافة. إنها ليست ثقافة غابات، إنهم لا يفكرون في إعادة التشجير. فما فعلوه في الماضي هو إزالة الغابات، ثم وضع الأبقار هنا".
إن غابات الأمازون المطيرة تمتص كميات هائلة من الكربون وهي بمنزلة حاجز مهم ضد تغير المناخ. لكن المنطقة تعرضت للدمار بسبب اجتثاث الغابات المرتبطة بتربية الماشية غير القانونية واستخراج الذهب وصادرات الأخشاب. ففي العام الماضي، كان يتم تدمير أرض مشجرة تعادل مساحة ثلاثة آلاف ملعب كرة قدم يوميا، وفقا لمجموعة ايمازون البيئية غير الربحية، حيث اتهمت الحكومة آنذاك بقيادة اليميني الشعبوي جاير بولسونارو، بغض الطرف عن تلك الأعمال.
لكن في تشرين الأول (أكتوبر) ومع انتخاب الرئيس لويز إيناسيو لولا دا سيلفا الذي تعهد بإنهاء اجتثاث الغابات غير القانوني، احتلت حماية البيئة مركز الصدارة مرة أخرى.
بينما ركزت جهود الحكومة حتى الآن على تعزيز إنفاذ القانون لمنع التدمير، تعمل سلسلة من الشركات الخاصة على إعادة التشجير. فهم يشترون أو يستأجرون الأراضي ويزرعون الأشجار ويحققون الإيرادات عن طريق بيع أرصدة الكربون التي يستخدمها المشترون للتعويض عن التلوث الناتج عن أنشطتهم. ويمثل كل تعويض طنا من الانبعاثات التي يتم تجنبها أو إزالتها من الغلاف الجوي.
على مساحة 400 مليون هكتار تقريبا، يمثل الجزء البرازيلي من غابات الأمازون المطيرة أكبر فرصة في العالم لإعادة التشجير. إذ إن أكثر من 54 مليون هكتار مربع من المنطقة الحيوية -مساحة تبلغ 1.3 مرة مساحة كاليفورنيا- هي مراع مناسبة لزراعة الأشجار.
قال خوسيه شينكمان، وهو أستاذ للاقتصاد في جامعة كولومبيا وعضو في مشروع أمازون 2030، وهي مبادرة برازيلية لتطوير الغابات المطيرة على نحو مستدام "إن إعادة تشجير الغابات الاستوائية يمكن أن يقدم مساهمة مهمة في التخفيف (...) من الانبعاثات العالمية، وغابات الأمازون البرازيلية هي أكبر غابة استوائية على هذا الكوكب".
وفقا للعلماء في بروجكت دروداون، وهي منظمة غير ربحية مقرها الولايات المتحدة تقدم المشورة بشأن الحد من غازات الاحترار العالمي، فإن إعادة تشجير الغابات الاستوائية والمعتدلة يمكن أن تزيل ما يصل إلى 113 جيجا طن من الكربون من الغلاف الجوي من الآن حتى 2050.
إن هذا يمثل أكثر من ضعفي إمكانات سيلفوباستور -دمج الأشجار مع الماشية- التي تعد الطريقة الثانية من حيث الفاعلية، وفقا لـ"بروجكت دروداون". وصلت انبعاثات الكربون العالمية إلى ما يقارب 38 جيجا طن في 2021، وفقا لقاعدة البيانات الدولية إدجار.
قال بيدرو برانكاليون، وهو اختصاصي في إعادة التشجير في جامعة ساو باولو، "إنه من الممكن لإنشاء الغابات والحفاظ عليها أن يجلب فوائد عالمية وإقليمية ومحلية، من ضمنها التخفيف من آثار تغير المناخ، وحماية التيارات الهوائية المعروفة باسم الأنهار الطائرة، التي تنقل المياه من نهر الأمازون عبر أمريكا اللاتينية، الأمر الذي يدعم الزراعة والصناعة. وعلى الصعيد المحلي، يمكنها أن توجد فرص عمل وأن تدر دخلا من أرصدة الكربون ومنتجات التشجير".
لكن مبادرات إعادة التشجير في البرازيل واجهت صعوبات، خاصة تعقيدات حقوق الأراضي ومطالبات الملكية كما يقول برانكاليون.
قالت "فيرا"، وهي هيئة معنية بمعايير ائتمانات الكربون ومقرها الولايات المتحدة، "إنها تلقت مزاعم عديدة عن سلوك عدائي من جانب مطوري مشاريع إعادة التشجير فيما يتعلق بملكية الأراضي"، لكنها أضافت أنها "لم تجد حتى الآن أي دليل على ارتكاب مخالفات".
قال بيتر فرنانديز، الرئيس التنفيذي والمؤسس المشارك لشركة مومباك التي تتخذ من ساو باولو مقرا لها "إن الأرض هي القضية الأولى، وتحديدا العثور على أراض ذات حقوق ملكية قانونية كاملة. إن هناك أرضا أكثر كافية لاستغلالها. لكن العثور عليها وتقييم توافقها مع القانون يتطلب كثيرا من الجهد". وأضاف أن مومباك لم تشتر أراضي لذوي الحيازات الصغيرة أو أراضي بالقرب من مناطق السكان الأصليين لتجنب النزاعات".
وزاد أن "الشركة تخطط لتوسيع مشروعها إلى 50 ألف هكتار، بهدف إزالة مليون طن من الكربون من الغلاف الجوي كل عام بحلول 2030. إننا بحاجة إلى إنشاء صناعة إعادة تشجير بحجم صناعة اللب والورق".
إن إحدى الصعوبات التي تواجهها عملية إعادة التشجير هي نقص بذور الأشجار. لكن مصدر قلق أكبر هو مصداقية سوق ائتمانات الكربون التي تدعم نماذج أعمال إعادة التشجير. فقد تلقت شركة مومباك في البداية تمويلا من رأس المال المغامر قبل تأمين استثمار قدره مائة مليون دولار من شركة بين كابيتال وتنوي تحقيق إيرادات عن طريق بيع الاعتمادات.
لكن طالما اجتذبت السوق الجدل، حيث قال النقاد "إن المشاريع لا تحقق دائما الفوائد البيئية الموعودة". ويقولون "إن بعض الائتمانات تكلف أقل من خمسة دولارات لكل منها، وهذا لا يعطي كثيرا من الحوافز للشركات للحد من التلوث، وإنه قد يكون من الصعب التمييز بين الائتمانات عالية الجودة ومنخفضة الجودة في سوق غير منظمة، وغالبا ما تكون غامضة".
لكن فرنانديز قال "إن وجود السوق ضروري، وإذا لم يتم توسيع نطاقها، فلن تزداد جهود إزالة الكربون بالمثل، ما يعني أن العالم سيسخن. الأمر بهذه البساطة".
إن جهود الإصلاح جارية. فمن المتوقع أن يعلن مجلس النزاهة لسوق الكربون التطوعية -وهو فريق عمل دولي يترأسه مارك كارني محافظ بنك إنجلترا السابق- هذا العام مجموعة من القواعد لما تبدو عليه السوق الجيدة.
ومصدر قلق آخر هو ضمان ديمومة المناطق المعاد تشجيرها وعدم إعادة إطلاق الكربون في الغلاف الجوي. إذ قال ريتشارد كيلي، الرئيس المشارك لشركة فورسايت ساستينابل فورستري التي تعمل على تطوير مشاريع ائتمان الكربون في المملكة المتحدة، "إن هناك تحديا يكمن في الحفاظ على صحة الغابات وحمايتها من الحرائق، وهو خطر متزايد مع اشتداد تغير المناخ".
في هذه الأثناء، مرتدين واقيات الساقين للحماية من الثعابين، والقبعات ذات الحواف العريضة لدرء الشمس، يجتاز كروزيل وفريقه ولاية بارا في شاحنات صغيرة.
قال كروزيل "إنه تم اختيار المنطقة بعناية. فقد كان أحد العوامل يكمن في وجود خطر أقل لحدوث حريق هنا بسبب هطول الأمطار بانتظام. إنها منطقة تواجه مخاطر أقل لتغير المناخ".
ورغم قلة الوعي حول إعادة التشجير في منطقة فقيرة تركز على تربية الماشية، قال كروزيل "إن فريقه لقي ترحيبا حارا من قبل السكان المحليين الذين كانوا حريصين على معرفة الوظائف في المشروع"، وأضاف "إن تغيير العقول والثقافات يتطلب الوقت. لكن لحسن الحظ، نحظى بقبول كبير".