صانعو السياسات يتخبطون في استجابتهم لتعثر البنوك
ألم نتعلم شيئا من الطريقة التي تعاملت بها الجهات التنظيمية على جانبي الأطلسي مع إخفاقات البنوك خلال الأسبوع الماضي؟ أشعر أن الإجابة هي "لا". والأمر الأكثر إثارة للدهشة هو أن الأنظمة التي تم وضعها بعد الأزمة المالية الأخيرة لم تستخدم على النحو المنشود - بدلا من ذلك سارع صانعو السياسة في الولايات المتحدة وسويسرا إلى التوصل إلى حلول مخصصة لـ"سيليكون فالي بنك" وبنك كريدي سويس. ربما اعتقدوا أن هذا كان أفضل لوقف الذعر وحماية الاستقرار المالي. يبدو أن كثيرين يتفقون على أنه من المثالي للغاية اتباع الخطط الموضوعة لهذه الأزمات في الأوقات الأكثر هدوءا، وأن "البراجماتية" يجب أن تحكم. في النهاية، لا تنجو خطة قتال من أول اشتباك مع العدو. لكن أخشى أن هذه الفكرة، هي المشكلة بالتحديد.
لمعرفة السبب، فكر في الأزمات المالية بأعمق معانيها.
تحدث الأزمات المالية عندما لا تضيف قيمة الأصول، التي يعتقد الناس أن النظام المالي يحتفظ بها، إلى مجموع كل المطالبات عليها، ما يعني أنه لن يتم الوفاء بجميع هذه المطالبات بالكامل. لا يهم أن ما توقع الناس أن يحصلوا عليه قد لا يكون واقعيا أو عقلانيا على الإطلاق. ولا يهم حتى - على الأقل في البداية - ما إذا كانت معتقداتهم حول قيمة الأصول في النظام شديدة التشاؤم. ما يهم هو تعديل التوقعات - وخلال تلك العملية يمكن حدوث كثير من الضرر.
عندما يدور الشك حول عدم وجود قيمة كافية للجميع، يندفع الناس بطريقة أنانية لإخراج أموالهم من الخطر، ما يترك الآخرين أكثر عرضة للأصول التي لم يعد موثوقا بقيمتها كما كان الأمر سابقا. ولأن قرارات السياسة ستحدد من سيتحمل أي خسائر في النهاية، تندلع معركة سياسية قوية حول كيفية توزيعها. وبينما يحدث كل هذا، ستجد المؤسسات المالية أنه من الخطير للغاية التمديد أو تقديم قروض واستثمارات جديدة، وسيجد المستثمرون أن إعادة رسملة البنوك والكيانات الأخرى أيضا أمر خطير للغاية.
كل هذه العمليات - الأولى سريعا، والأخرى بشدة - تعرقل النشاط الاقتصادي، بسبب عدم اليقين الذي يسمم أي خيار لاستخدام رأس مال جديد. هذا يزيد الخسائر سوءا ويدفع دوامة الهبوط بشكل أكبر. لهذا السبب، يمكنك تقليل التداعيات عن طريق إعادة تنظيم التوقعات بأقرب وقت ممكن حتى يتمكن الجميع من المضي قدما.
إذا فهمنا هذا التركيب الأساس للأزمات المالية، فإن بعض الدروس المتعلقة بالسياسات ستكون واضحة. الأول هو أنك بحاجة إلى توزيع الخسائر. وهذا يعني أن الآليات التنظيمية والقانونية يجب أن تشكل الخسائر وتحدد المكان الذي يجب أن يحدث فيه خفض القيمة. الثاني هو أنه يجب عليك فعل ذلك في أقرب وقت ممكن. والثالث هو أنه يجب عليك فعل ذلك بطرق تؤدي إلى إنشاء نظام مصرفي ذي رأس مال كاف بعد تخفيض جميع الخسائر. يتعلق الرابع بالسياسة، يجب حشد الدعم السياسي لآثار إعادة التوزيع الحتمية، وتعويض أولئك الذين يحتاجون بشكل مشروع إلى التعويض، وإخبار الذين ليسوا بحاجة إلى التعويض "والذين يتحملون تكاليف التعويض" أن هذا هو الهدف.
لا شيء من هذا سهل أو ممتع. كل ذلك يسهل فعله إذا وافقت عليه مسبقا. لهذا تضع الحكومات القوانين والمنهجيات التي من شأنها أن تسمح لها بإعادة هيكلة الميزانيات العمومية للبنوك المتعثرة بسرعة، ما يعني فقط توضيح خسائرها وتقليل مطالبات الناس للبنوك. إذا تم ذلك بشكل طموح بما فيه الكفاية، فإن الأصول "التي تم تقييمها الآن بشكل أكثر واقعية" تتجاوز الالتزامات مرة أخرى بهامش آمن، البنك المعاد هيكلته الآن غير مثقل بخسائر سابقة وجاهز للإقراض مرة أخرى.
إن هذه الأطر القانونية لحل الأزمات، في مجملها، مصممة بشكل جيد. لكن الغريزتين الطبيعيتين المتمثلتين في الرغبة في تهدئة الأمور وتجنب فرض خسائر على أي شخص، حتى لو كان الهدف هو محاولة منع الأمور من أن تزداد سوءا، تعرقلان فعل ما يجب فعله. تشير زميلتي هيلين توماس قائلة، "بغض النظر عن مقدار العمل الذي تم إنجازه بشأن حل الأزمات المصرفية، عندما يأتي الوقت الحاسم، فإن المنظمين والسياسيين يترددون في اتخاذ الإجراءات اللازمة".
مع وضع هذا في الحسبان، لنعد إلى عمليات إنقاذ البنوك الأسبوع الماضي.
لقد فشل "سيليكون فالي بنك" لأن المودعين خافوا من كيف يمكن أن يضر ارتفاع أسعار الفائدة بالقيمة السوقية لأصول البنك التي تضمنها الحكومة. لكن أسعار الفائدة المرتفعة أثرت في أصول جميع البنوك الأمريكية. كم مقدار الضرر؟ يستشهد سيباستيان مالابي وزميلي مارتن وولف ببحث يقدر خسائر القيمة السوقية لإجمالي أصول البنوك الأمريكية عند 1.7 تريليون دولار إلى تريليوني دولار، ما يعادل تقريبا احتياطي الأسهم الإجمالي البالغ 2.1 تريليون دولار.
هذه مشكلة أكبر من انهيار "سيليكون فالي بنك" وبعض البنوك الأخرى متوسطة الحجم. لكنها ليست القضية التي تناولتها السلطات الأمريكية. كان قرارها الخاص بتعويض المودعين غير المؤمنين في "سيليكون فالي بنك" قرارا بالابتعاد عن إجراء الحل الموحد الذي تطبقه المؤسسة الفيدرالية للتأمين على الودائع على البنوك الأصغر المنهارة. إنه ينم عن عدم الرغبة في توزيع الخسائر - وهذه إشارة سيئة بالنظر إلى حجم الخسائر غير المحققة في النظام المصرفي ككل. إنه، بالطبع، ليس تأمينا لكنه إنقاذا بعد حقيقة أنه يتعين على شخص ما دفع الثمن نظرا إلى أن المودعين غير المؤمنين لن يفعلوا ذلك. القول إنه لم يتم استخدام أموال دافعي الضرائب هو خدعة، إذ إن رسوم مؤسسة التأمين الفيدرالية العالية، لجميع الأغراض العملية، هي زيادة ضريبية، لأن البنوك التي يتعين عليها أن تدفعها ليس لديها خيار سوى القبول. وللإنصاف، خفضت مؤسسة التأمين الفيدرالية على الأقل جميع مطالبات المساهمين وحاملي السندات غير المؤمنين إلى الصفر، وهو أفضل مما فعلته سويسرا.
لذلك تحاول السلطات الأمريكية زيادة الثقة بالنظام المصرفي الأمريكي بدلا من حل المشكلات التي تسببت في موجة التشاؤم الحالية. إلا إذا كانت محظوظة للغاية، فإن هذا النهج غير مستدام، ويزيد الطين بلة بالفعل. يتساءل الجميع الآن عما إذا كانت ودائعهم ستكون آمنة إذا واجهت بنوكهم مشكلة. لم تعط جانيت يلين وزيرة الخزانة، إجابة مطمئنة، يبدو أن السياسة تتمحور حول أنه إذا كان لديك وديعة أعلى من حد التأمين البالغ 250 ألف دولار، فسيتم إنقاذك إذا كان من المحتمل أن يؤدي التهافت على سحب الودائع من البنك الذي تتعامل معه إلى انتقال العدوى إلى النظام المصرفي الأوسع - لكن ليس خلافا لذلك وليس حتى ذلك الحين.
هذه دعوة لكبار المودعين في البنوك الأصغر إلى تحويل أموالهم - إما إلى البنوك الكبيرة، التي ستظل تعد دائما مهمة للنظام، وإما إلى صناديق أسواق المال - كما يحدث الآن بالفعل. يوضح الحوار الذي دار بين يلين والسناتور جيمس لانكفورد الأسبوع الماضي أن الحكومة ليس لديها إجابة عن هذا. سيكون الجواب الوحيد الممكن هو تأمين جميع المودعين بلا حدود الآن، لكن كما أخبرت يلين المشرعين أمس، لم تكن هناك خطة فورية لذلك. وكما كتبت الأسبوع الماضي، فإن أي دعوة لضمان جميع الودائع هي دعوة إلى توفير الحكومة للودائع عبر عملة رقمية للبنك المركزي.
من المؤكد أن الدوامة السلبية الناتجة من البنوك إلى الاقتصاد جارية الآن. تمثل البنوك الأمريكية المتوسطة والصغيرة نسبة كبيرة من الإقراض للاقتصاد الأمريكي - ولا سيما، العقارات التجارية، لكن أيضا الرهون العقارية وإقراض الشركات. لن يقتصر الأمر على أن تصبح هذه البنوك الجديدة ذات المخاطر العالية أكثر حذرا بشأن إصدار قروض جديدة. إذا اضطرت أيضا إلى بيع الأصول لتغطية تدفقات الودائع الخارجة، فإنها ستزيد مشكلات الملاءة المالية على بعضها بعضا. توجد بالفعل مخاوف عميقة في السوق بشأن الأوراق المالية المدعومة بالرهون العقارية.
إذن، ما الذي كان بإمكان السلطات الأمريكية فعله بدلا من ذلك باعتقادي؟ في الحالة المحددة لـ"سيليكون فالي بنك"، كان من الممكن أن تترك عملية مؤسسة التأمين الفيدرالية العادية تأخذ مجراها. بالتزامن مع البرنامج الجديد للاحتياطي الفيدرالي للإقراض مقابل الأوراق المالية الحكومية بالقيمة الاسمية، كان من الممكن أن تكون خسائر المودعين ضئيلة. كما جادل البعض أنه كان بإمكان الحكومة استخدام صلاحيات القرار الخاص في قواعد دود-فرانك المسماة "سلطة التصفية المنظمة"، التي كانت ستغطي الشركة القابضة التابعة لـ"سيليكون فالي بنك". كانت كلتا الحركتين متاحتين، لكنهما تطلبتا استعدادا سياسيا أكبر لتوضيح من الذي سيخسر.
ماذا عن تأثير ذلك في البنوك الأخرى؟ كما اقترح بعض، يمكن وضع قواعد محاسبية من أجل توضيح خسائر القيمة السوقية في النظام المصرفي على الفور، وبالتالي جعل الحقائق المحاسبية تتماشى مع التوقعات بشكل أسرع. وهذا من شأنه أن يكشف عن الحاجة إلى توفير سيولة أوسع إذا تهافت الناس على سحب الودائع من البنوك، والأهم من ذلك، إعادة الرسملة. بعبارة أخرى، كان لا بد من استبعاد آليات شطب الأسهم والسندات التي تم وضعها بعد الأزمة الأخيرة.
لا يزال من الممكن أن يصل الأمر إلى هذا الحد. من الواضح أن السلطات تأمل في أن تتمكن من تهدئة الأسواق بدلا من ذلك - التعريف الدقيق لخدعة الثقة. لكن إذا لم ينجح الأمر، فسيكون الألم أكبر. مرة أخرى، إنه قصر نظر يمر باعتباره براجماتية مسؤولة.
الآن لننظر إلى سويسرا، التي لا غنى عنها في سرد "فاينانشال تايمز " التفصيلي حول كيف جعلت الحكومة بنك يو بي إس يستولي على بنك كريدي سويس المنكوب في عملية دمج لإبقاء الأمور داخل الأسرة الوطنية. وهنا أيضا، عدم الرغبة في المضي قدما في الخطط الموضوعة منذ فترة طويلة لمثل هذا الموقف أمر مذهل. اقتبس زملائي من مصدر على صلة ببنك يو بي إس: "الحل (عملية إنهاء تسيطر عليها الحكومة) كان من الممكن أن يشكل كارثة للنظام المالي ويؤدي إلى خطر العدوى في جميع أنحاء العالم".
لقد كنت أسلي نفسي بقراءة موقع فينما، الجهة التنظيمية المالية السويسرية، تحديدا الصفحات المتعلقة ببرامج الحلول والتعافي. قيل لنا إن هذه الخطط "عالجت" مخاطر أن يكون البنك أكبر من أن يفشل و"يفرض خطة إنقاذ حكومية فعلية بتمويل من دافعي الضرائب". كيف يفيدك ذلك؟ يحق لنا أن نسأل عن ذلك بعد أن قدمت سويسرا ضمانات خسائر بالمليارات وخط سيولة بقيمة 100 مليار فرنك سويسري (109 مليارات دولار) لإتمام عملية الاندماج القسري.
من الذي يستفيد من إعانات دافعي الضرائب هذه؟ في انتهاك كامل لـ"التسلسل الهرمي" للمسؤولية، حيث يتوجب على المساهمين أن يكونوا أول من يتحمل الخسائر، تم دفع مبلغ 3.25 مليار دولار لمالكي كريدي سويس في عملية اندماجه مع بنك يو بي إس، حتى مع شطب بعض السندات - وهي ما تسمى بسندات الدرجة الأولى الإضافية (أيه تي 1) - بالكامل. ينبغي ألا نشعر بالأسف الشديد لهؤلاء الدائنين، الذين كان يجب عليهم الشطب عند حدوث مشكلة. لكن إنقاذهم قبل أن يخسر المساهمون كل شيء لم يكن من ضمن الفهم العام لكيفية إعادة رسملة البنوك، حتى لو كان نص القانون و(عقود السندات) في صف السلطات السويسرية.
تلك الـ3.25 مليار دولار هي مال كان يمكن أن يبقى مع دافعي الضرائب (لو لم يكن بنك يو بي إس مضطرا لمنحه لمساهمي بنك كريدي سويس، لكان من الممكن أن يحصل على دعم أقل بكثير). مرة أخرى، الانطباع يقول إن خسائر المساهمين في البنوك ستكون محدودة، على حساب دافعي الضرائب. وإذا واجه بنك يو بي إس خسائر أكبر مما كان متوقعا، فلن يكون ذلك جيدا. ومرة أخرى، من خلال عدم الالتزام بالخطط التي وضعت في الأوقات الأكثر هدوءا، زاد صانعو السياسة المخاوف في أنحاء أخرى من النظام. كان على المنظمين في الاتحاد الأوروبي الإصرار على أنهم لن يفعلوا ما فعلته سويسرا، مع أن قيمة سندات الدرجة الأولى الإضافية انخفضت على مستوى العالم.
وأعني "الخطط" بكل حرفية. يخبرنا تقرير حل "فينما" لـ2022 بثقة أن بنك كريدي سويس وضع "خطة الطوارئ السويسرية" المطلوبة لكيفية استمرار عملياته في سويسرا في حال فشله، التي عدتها فينما "جاهزة للتنفيذ". بينما كان لدى "فينما" نفسها خطة تسوية لكريدي سويس ككل، لكنها قالت إن "قابلية الحل" الكامل لن تكون جاهزة حتى نهاية 2022. كنت أود أن أعرف ما هي هذه الخطط، لذا كتبت إلى "فينما" وطلبت رؤيتها. إلا أنني لم أتلق منهم أي رد. لكنني أعتقد أنه من المعقول التخمين بأنهم لم يوصوا بما تقرر بالفعل نهاية الأسبوع ما قبل الماضي.
إذن، على جانبي الأطلسي، كان الدرس هو أن صانعي السياسة الذين واجهتهم أزمة تخلوا عن الخطط وتجاهلوا الأدوات التي تم إعدادها بعناية لهذه الاحتمالات على وجه التحديد. لماذا؟ يقترح وولف في عمود نشر على "فاينانشيال تايمز" أن "وظائف البنوك في توفير المال والائتمان حيوية للغاية بحيث لا تسمح" بخفض المطالبات. أعتقد أن هذا يوحي أن المنظمين على حق في التخلي عن جميع خطط التسوية "ووصايا الحياة" للبنوك، وقد خدعنا جميعا عندما تم تطويرها في المقام الأول. لكن وجهة نظري عكس ذلك - وهي أن الحل السريع هو أفضل طريقة لحماية وظيفة البنوك، وبالتالي فإن صانعي السياسة يخذلوننا بشدة من خلال عدم استخدامها.
إذا لم يغيروا المسار بسرعة، فسنصبح في مواجهة عقد ضائع آخر مثل التعافي البطيء في العقد الثاني من القرن الـ21. حتى الآن، أثبتت الهيئات التنظيمية لدينا أنها أسوأ من عائلة بوربون. فهم لم يتعلموا شيئا، ونسوا كل شيء.