رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


الصحة وقوة الاقتصاد .. ما العلاج؟

يبدو أن التأثيرات التي تعرضت لها مؤشرات الاقتصاد الأمريكي خلال الفترة الماضية، انعكست بشكل واضح على المشهد العام في الولايات المتحدة، وأن التحولات التي طرأت ألقت بظلالها على صعيد الصحة العامة، والتكوين الجسدي للأمريكيين عموما، وتراجع متوسط الأعمار، بدأت تنعكس على التنمية الاقتصادية والاجتماعية في آن معا. وهذه التحولات ليست حكرا على هذا البلد، إلا أنها أكثر وضوحا فيه، بسبب تأثيراتها التي لا تتوقف في الأداء العام، سواء المرتبط بقوة العمل، أو بعدد العاملين.
وبدأت هذه التحولات تطرح وتناقش بقوة على الساحة الإعلامية في الولايات المتحدة بصورة كبيرة، وفق أجندة تبحث عن حلول ونتائج مرضية، بما في ذلك دراسات ومقالات تنشر هنا وهناك، ما يعزز الاعتقاد بأنها ليست عابرة، وأنها تمثل مشكلة متصاعدة، وأن المطلوب من الجهات المختصة التعاطي معها بجدية أكثر، وباهتمام يؤدي في النهاية إلى شكل من أشكال العلاج. حتى إن الكاتب الأمريكي ويليام جلاستون نشر أخيرا مقالا في "وول ستريت جورنال" الأمريكية المعروفة تحت عنوان لافت هو "أمريكا مجتمع مريض بالمعنى الحرفي للكلمة".
والمشكلة مترابطة بقوة بين التكوين الجسدي والصحة العامة للأمريكيين ودورهم في العمل والتنمية حتى إن ستة من كل عشرة أمريكيين يعانون مرضا مزمنا. ما يؤدي إلى مصاعب أو حتى مشكلات متزايدة تصيب الاقتصاد الوطني، وكما هو معروف فإن مأساة الفرد الصحية تكبح إنتاجية الدولة. وبسبب التحولات الصحية، بلغ (مثلا) عدد الوظائف الخالية أكثر من 11 مليون وظيفة، في حين وصل عدد أولئك الذين يبحثون عن وظائف إلى 5.7 مليون أمريكي فقط. وهذا الفارق يطلق من الناحية العملية جرس الإنذار، خصوصا مع اختفاء نحو 2.8 مليون شخص من قوة العمل المحلية منذ أوائل 2020.
مرة أخرى، هذه التحولات تتعمق أكثر في الولايات المتحدة، مقارنة ببقية الدول الغربية التي تعتمد نظام اقتصاد السوق. ووفق إحصائيات جديدة، يعجز أصحاب الأعمال بصورة متزايدة أيضا، عن العثور على العمال المطلوبين لشغل الوظائف لديهم. ما أحدث فجوة في الطلب والمؤهلات أو حتى مخرجات التعليم في بلد لا يزال يتصدر لائحة أكبر الاقتصادات في العالم له تأثير محرك في قطاعات مهمة متنوعة. وبالطبع ليست هناك حلول سريعة لمشكلة عميقة بهذه الصورة، في وقت ترتفع فيه فواتير الرعاية الصحية، التي تمثل واحدا من أكثر الجوانب إشكالية في الولايات المتحدة على مر الإدارات المتعاقبة، ولا تزال تمثل مادة للصراع السياسي بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي في الداخل الأمريكي.
وإذا كان الجانبان الاجتماعي والاقتصادي يمثلان مخاطر كبيرة على الاستراتيجية الاقتصادية العامة، وما يرتبط بهما من تنمية، فإن الجانب الأخطر من وجهة نظر عدد من المراقبين الأمريكيين، يأتي من الفجوة في التأهيل العسكري. لماذا؟ لأن وزارة الدفاع الأمريكية وجدت قبل عامين ونيف، أن ثلاثة أرباع الشباب الأمريكي الذين تراوح أعمارهم بين 18 و24 عاما، غير لائقين طبيا للخدمة العسكرية، ولا سيما معاناة أغلبهم السمنة.
وهذه النقطة الأخيرة تعد مشكلة قديمة في المجتمع الأمريكي، لكن آثارها بدأت تظهر في المجالات الاقتصادية والعسكرية في الوقت الراهن. فمعايير الثقافة الصحية في الساحة الأمريكية أقل من مثيلاتها على الساحة الأوروبية الغربية، وهذا عمق المشكلة التي تواجهها الولايات المتحدة حاليا.
وهذه الأزمة وروابطها ومواصلة استفحالها، لها خسائرها المالية بالطبع، بحيث يتكبد الاقتصاد الوطني أكثر من 258 مليار دولار سنويا منها. كل هذا، أدى ضمن السياق العام إلى تراجع ملحوظ في متوسط الأعمار في الولايات المتحدة قياسا بمستواه في دول أوروبية من بينها ألمانيا. ليس أمام المسؤولين الأمريكيين حاليا سوى وضع هذه التحولات الاجتماعية والاقتصادية حتى العسكرية على رأس الأولويات لضمان حراك تنموي انسيابي في القرن الحالي، ولإصلاح الخلل الواضح في طبيعة الحياة عموما. كل ما سبق ينبئ بأن القصور الصحي في الولايات المتحدة ليس مشكلة صحية واقتصادية فحسب، بل أزمة أمن قومي أيضا تضعف معها تنافسيتها مع التنين الصيني على جميع الأصعدة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي