اكتشافات من رحم المأساة
كشفت الزلازل الأخيرة وما قبلها عن فساد البشر وهشاشة المباني التي كان من المفترض أن تكون مقاومة للزلازل، لكن الطمع جعل الخراب والدمار يعم المدن، وفي الوقت نفسه أهدت إلى البشرية اكتشافات عظيمة عن باطن الأرض التي كان يعتقد أنها موطن للجن ولمخلوقات غريبة، ولم يكن هذا ما يقال لنا ونحن أطفال، بل حتى في الثقافات الغربية كانوا يعتقدون ذلك، ففي رواية الخيال العلمي "رحلة إلى مركز الأرض" التي نشرت 1864 للكاتب الفرنسي جول جابريل فيرن، وتحكي قصة مغامرين دخلوا إلى باطن الأرض عبر بركان في آيسلندا ليكتشفوا عالما شاسعا تسكنه مخلوقات من قبل التاريخ، ويستكشفوا البنية الداخلية للكوكب.
لكن الواقع لا يمت إلى هذا الخيال العلمي بصلة فقد كشفت لنا الزلازل حقيقة مركز الأرض وما يدور داخله وهو أغرب مما تحدثت عنه الرواية، وأحد أدلة عظمة الخالق وإعجاز الخلق، فقد أكدت دراسة مكثفة عن أعماق كوكب الأرض، استنادا إلى حركة الموجات الزلزالية الناشئة عن الزلازل الضخمة، وجود بنية مميزة واضحة المعالم للب الداخلي لكوكب الأرض. وهو عبارة عن كرة صلبة مستعرة من الحديد والنيكل قطرها 1350 كيلومترا، بينما يبلغ قطر الأرض نحو 12750 كيلومترا. وهذه الكرة مغلفة بأربع طبقات، قشرة صخرية من الخارج يلفها وشاح صخري بعده لب خارجي من الحمم ثم اللب الداخلي الصلب البالغ قطره 2440 كيلومترا والمكتشف في ثلاثينيات القرن الماضي بالاستناد أيضا إلى الموجات الزلزالية التي تنتقل خلال الأرض.
وافترض علماء في 2002 أن قسما عميقا منفصلا عن البقية مختبئ داخل هذا اللب الداخلي، وهو ما يشبه دمية ماتريوشكا الروسية التي تعني "الأم الصغيرة"، وتنفتح من المنتصف كاشفة عن دميه أخرى وهكذا. وسمح التقدم في وسائل مراقبة الزلازل تأكيد هذا الافتراض، حيث تطلق الزلازل موجات تنتقل عبر كوكب الأرض مكنت العلماء من كشف ملامح بنيته الداخلية استنادا إلى تغير شكل وسلوك الموجات من طبقه إلى أخرى.
راقب العلماء 200 زلزال تزيد قوتها على ست درجات وهي ترتد مثل كرات البينج بونج لما يصل إلى خمس مرات عبر الكوكب. يقول هرفويه تكالتشيتش، عالم الجيوفيزياء والمشارك في الدراسة، "اللب الداخلي للأرض عبارة عن كوكب داخل الكوكب. إنه كرة صلبة حجمها أصغر بقليل من حجم القمر. ولو تمكنا من تفكيك الأرض من خلال نزع وشاحها واللب الخارجي السائل، فسيبدو اللب الداخلي الذي تبلغ حرارته نحو ستة آلاف درجة مئوية لامعا مثل النجم!