سوق العمل الضيقة تدفع الشركات إلى انتهاك قوانين عمالة القصر
ازدادت انتهاكات عمالة الأطفال في الولايات المتحدة بسبب لجوء الشركات التي تتصارع مع نقص الموظفين إلى استخدام المراهقين بشكل مخالف للقانون لملء نوبات العمل الليلية.
كانت وتيرة انتهاكات قوانين عمالة الأطفال قد ارتفعت 37 في المائة خلال 2022، وفقا للأرقام الأمريكية الرسمية، مع زيادة في عدد القصر الذين اكتشفت وزارة العمل أنهم يعملون بشكل غير قانوني من 2819 قاصرا إلى 3876.
دفعت سوق العمل الضيقة بالشركات التي تبحث يائسة عن العمال إلى توظيف الأشخاص الذين كان النظر مصروفا عنهم في السابق، بما فيهم المراهقون. لكن هذا الاتجاه يتزامن مع قفزة في عدد الشركات التي تم ضبطها في حالة انتهاك القيود المفروضة على مكان وزمن عمل القاصرين.
قالت أليشيا ساسر موديستينو، أستاذة السياسة العامة والاقتصاد في جامعة نورث إيسترن، "في البداية، كنا نقول، حسنا، لقد عاد المراهقون أخيرا إلى العمل في الوظائف المناسبة لهم التي تم إخراجهم منها، كالعمل في محال الآيسكريم وكمنقذين في المسابح".
أضافت، "لكن بعد ذلك، برز جانب مظلم، وهو توظيف القاصرين في أماكن ينبغي ألا يوجدوا فيها، إضافة إلى توظيفهم في أوقات ينبغي لهم ألا يعملوا خلالها، (كالوقت المتأخر) من الليل. لكن هذا الأمر ليس مفاجئا للغاية في سوق العمل هذه (...) إن أرباب العمل انتهازيون ومهملون".
يشار إلى أن القوانين الفيدرالية تحظر على الأطفال دون سن 14 عاما العمل في معظم الوظائف باستثناء الأعمال الزراعية. حتى بعد هذا العمر، تفرض عديد من الولايات قيودا مشددة على العمل الذي يسمح للقصر القيام به، وفي الأغلب ما تحظر مناوبات العمل بعد الساعة السابعة مساء في الليالي التي تسبق الأيام المدرسية، أو تطالبهم بالحصول على تصريح عمل.
قالت موديستينو إن أرباب العمل بدأوا توظيف الأطفال الأصغر سنا، ويبدو أن عديدا من أسوأ هؤلاء المخالفين يتجاهلون تماما عملية استخراج تصريح العمل.
في وقت سابق من هذا الشهر، تم تغريم شركة باكرز سانيتيشن سيرفيسيز ومقرها ويسكونسن مبلغ 1.5 مليون دولار إثر توظيفها لأكثر من 100 طفل تراوح أعمارهم بين 13 و17 عاما بشكل غير قانوني للعمل في نوبات ليلية، لتنظيف مصانع تعبئة اللحوم المنتشرة في جميع أنحاء البلاد. حيث قال المسؤولون إن هؤلاء الأطفال يتعاملون مع مواد كيميائية خطيرة ومعدات فيها "شفرات حادة"، مثل المناشير ذات الأسنان الحادة من الأمام والخلف ومناشير اللحم وأجهزة تقطيع الرؤوس. وقد تعرض ثلاثة أطفال منهم على الأقل لإصابات.
فيما قالت شركة باكرز سانيتيشن سيرفيسيز إنها "مسرورة للتوصل إلى مبلغ التسوية هذا" وإنها تتبنى "سياسة عدم التسامح المطلق ضد توظيف أي شخص دون سن 18 عاما".
في تشرين الأول (أكتوبر)، أمرت محكمة فيدرالية مصنع إس إل ألاباما، لقطع غيار السيارات تملكه شركة هيونداي بحصة الأغلبية، بالتوقف عن توظيف الأطفال الذين تراوح أعمارهم بين 13 و14 و15 عاما وأن تتوقف عن بيع المنتجات التي صنعوها. حيث يمنع القانون في ألاباما القاصرين الذين تقل أعمارهم عن 16 عاما من العمل في قطاع التصنيع. ولم ترد شركة إس إل ألاباما على طلب للتعليق.
لكن التصنيع ليس القطاع الوحيد المرتبط بزيادة انتهاكات عمالة الأطفال في الولايات المتحدة. قالت جيسيكا لومان، المسؤولة في وزارة العمل، إن بعض الانتهاكات قامت بها الشركات المسموح لها بتوظيف الأطفال الأكبر سنا - مثل محال البقالة والمطاعم - حيث جعلتهم يعملون لساعات أطول مما يسمح به القانون.
وجد تحقيق أصدرته وزارة العمل الأسبوع الماضي أن فرع لشركة ماكدونالدز في ولاية بنسلفانيا سمحت لـ154 طفلا تراوح أعمارهم بين 14 و15 عاما بالعمل خارج الساعات المسموح بها قانونيا. وكان بعض أولئك الأطفال يستخدمون معدات يقصر استخدامها على العاملين فوق سن 16 عاما، بما في ذلك أجهزة القلي العميق اليدوية.
قال توماس دوتشارم، صاحب فرع ماكدونالدز، إنه "ملتزم بشدة" بسلامة ورفاهية موظفيه ومنذ ذلك الحين قام "بتعزيز العمليات" لتلبي "المعايير العالية التي نلتزم بها".
بدلا من طلب رفع مستوى الحماية للأطفال، استجابت بعض الولايات الأمريكية للضغوط في سوق العمل عبر النظر في رفع مزيد من القيود المفروضة على الأطفال العاملين.
أقرت ولاية نيوجيرسي قانونا في تموز (يوليو) الماضي لزيادة عدد ساعات العمل المسموح بها للأطفال الأكبر من 14 عاما. واقترح المشرعون في مينيسوتا مشروع قانون في كانون الثاني (يناير) يسمح لمن تراوح أعمارهم بين 16 و17 عاما بالعمل في وظائف البناء.
كما قدم المشرعون في ولاية أيوا مشروع قانون في يناير لا يسمح فقط بزيادة أنواع العمل الذي يمكن للأطفال القيام بها، بل يمنح أرباب العمل حماية ضد المسؤولية المدنية في حال مرض الطالب المنخرط في برنامج التعلم المبني على العمل أو إذا أصيب به أو توفي عرضا.
قال ريد ماكي، مدير النصح والإرشاد في منظمة تشايلد ليبور كواليشن، التي تهدف إلى حماية العمال القصر، "يبدو أن الأشخاص الذين كتبوا مشروع قانون ولاية أيوا لم يتعلموا أي شيء من الأخبار الأخيرة لأنهم في الواقع يعتقدون أن بإمكان الأطفال القيام بأعمال التنظيف باستخدام مواد كيميائية حارقة، طالما كانوا يستخدمون المعدات الواقية. إننا نشعر بقوة أنه ينبغي عدم إضعاف القوانين".
يعتقد أن عديدا من الأطفال العمال الذين تم استغلالهم هم من المهاجرين غير الشرعيين، مع أن مسؤولي وزارة العمل يقولون إنهم لا يتتبعون وضع الهجرة للضحايا.
فتحت إدارة الرئيس جو بايدن "نافذة تأشيرة"، وهي فترة حماية ضد ترحيل العمال المهاجرين والأطفال الذين يبلغون عن أصحاب العمل الأمريكيين المخالفين للقوانين.
قالت ميليسا أتكينز، محامية التوظيف في شركة أوبرماير، إن هذا الإجراء كان "متبعا" لكنه جاء "كصدمة لنا لأننا مررنا بفترة أربعة أعوام دون أن يحدث شيء تقريبا".
ارتفع عدد المراهقين العاملين الأكبر سنا في الولايات المتحدة بشكل كبير خلال جائحة فيروس كورونا، ولا سيما في النقل ومرافق الخدمات، وفقا لبيانات مكتب إحصاءات العمل.
بينما زاد العدد الإجمالي للبالغين الأمريكيين الذين يعملون كسعاة ومراسلين 58 في المائة بين 2019 و2021، إلا أن عدد الأشخاص الذين تراوح أعمارهم بين 16 و19 عاما ارتفع بأكثر من الضعف من 42 ألف ليصل إلى 92 ألف عامل.
قالت موديستينو إن هناك فوائد يجنيها الأطفال الذين يعملون بدوام جزئي في وظائف ذات المخاطر المنخفضة، مثل تعلم إدارة الوقت، والتوعية المالية، والعمل الجماعي. لكنها أضافت أنه مع ساعات العمل الطويلة واستخدام المعدات الخطرة، يمكن لهذه الفوائد أن تتلاشى بسرعة.
يعد الأطفال العاملون أكثر عرضة من البالغين للإصابة في مكان العمل، وفقا لتقرير صادر عن مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها. حيث بلغت الإصابات المهنية غير المميتة بين العاملين من الفئة العمرية 14 إلى 19 عاما أعلى مستوى لها في عشرة أعوام في 2020، حيث ارتفعت من 23910 إصابات في 2010 إلى 32970 إصابة، استنادا إلى أرقام مكتب الإحصاءات المذكور.
فيما قال ماكي، "لا أعتقد أن الأشخاص الذين يضغطون من أجل استخدام المراهقين للعمل لساعات طويلة يدركون الضرر الذي يمكن أن يحدث".
تأمل موديستينو أن يقل توظيف أرباب العمل في الولايات المتحدة للأطفال عندما يخف النقص في اليد العاملة ويتراجع التضخم.
قالت، "إن الأطفال يشعرون بالضغط من أجل العمل في مثل هذه الوظائف للإسهام مع عائلاتهم. فلا أحد يفعل ذلك من أجل الخروج والادخار لشراء سيارة".