السعودية .. وجهة ثقافية وسياحية ورياضية

السعودية .. وجهة ثقافية وسياحية ورياضية
هدف السعودية هو استقطاب استثمارات بنحو 69 مليار دولار وتوفير أكثر من 200 ألف فرصة عمل بحلول 2030.

إذا كنت محظوظا، وزرت ممر الشهرة في هوليوود، وتأملت بعينيك أسماء العظماء، نيكولاس كيج، توم كروز، محمد علي كلاي، ثم توقفت عند النجمة رقم 6747 التي تحمل اسم والت ديزني، عليك أن تعرف أن وجود هذا الاسم تحديدا في المكان المخصص للمبدعين الكبار لم يكن محض المصادفة، إذ إن مسافة ألفي كيلومتر وهو طول الطريق الممتد من شيكاغو إلى لوس أنجلوس، كان شاقا على أعرق مدينة ترفيهية ضمن رحلة بدأت بيأس وانتهت بإنجاز.
ففي الوقت الذي كان العالم يخوض حربه العالمية الأولى، كان والتر إلياس المولود في شيكاغو 1901 قد أكمل عامه الـ15، وبدأ العمل مع أخيه في المطبعة، ولم ينس شغفه بالرسم وحلمه أن يكون رسام كاريكاتور، فأسس شركة خاصة لهذا الغرض لكنه فشل، فما كان منه سوى بيع كاميرته الخاصة والانتقال إلى هوليوود، ووسط عاصمة السينما العالمية ابتكر الشاب الذي سيعرف لاحقا باسم "والت ديزني" شخصية ميكي ماوس لتنطلق شهرته، ويتزايد الإقبال على استوديوهاته للدرجة التي دفعته إلى تأسيس مدينة ترفيهية في ولاية كاليفورنيا عرفت بـ"ديزني لاند" وتم افتتاحها 17 تموز (يوليو) 1955 حينها شهد العالم احتفالية ضخمة حضرها 200 ألف شخص.
وبعيدا عن الأرباح التي وصلت في أول ثلاثة أشهر من 2020 إلى 21 مليار دولار، بحسب المصادر الرسمية، فإن والت ديزني نفسه لم يكن يعرف أن بتأسيسه مدينة ترفيهية، سيؤسس أيضا لقوى ناعمة تضاهي هوليوود نفسها، وقبل شرح كيف تم ذلك، نتذكر مقولة جوزيف ناي، عالم السياسة الأمريكي، الذي عرف القوى الناعمة بأنها القدرة على تحقيق الأهداف المنشودة عن طريق الجاذبية أو السحر أو الإقناع، وليس هناك أفضل من تقديم نموذج يقلدك فيه الجميع وتبقى الريادة لك.
هذا بالضبط ما تحقق مع شركة "والت ديزني" التي افتتحت أول فروعها الخارجية في طوكيو 1983 لتتعدد الأفرع بعد ذلك في باريس وشنغهاي وهونج كونج، حتى بعض الأماكن الترفيهية في دول أخرى اقتبست الاسم كنوع من الدعاية، وبذلك أصبحت هي البصمة الحقيقية المرادفة لكلمة الترفيه، وبلغ الأمر أنه في 2013 تناولت عشرات وكالات الأنباء العالمية خبر تقاعد ميكي ماوس عن عمر 85 عاما في دلالة على تأثير أشهر فأر عالمي في عقول ملايين الأطفال، بعدما ظهر بالصوت والصورة للمرة الأولى في فيلم "الباخرة البخارية ويلي" في 1928.
عربيا.. تعيش الإمارات في الخيال، وتريد تحقيق أحلامها إلى واقع، ففي 2003 أطلق المشروع الحالم "دبي لاند" كمدينة ترفيهية عربية تضاهي ديزني لاند، لكن قيمها تكون نابعة من ثقافتنا العربية، وكان المشروع حسب ما وصفته وكالة "رويترز" وقتها طموحا للغاية لكنه تعثر بسبب الركود العالمي 2008، بينما عاد بعدها بعامين محتلا المرتبة الخامسة ضمن قائمة أغلى عشرة مشاريع في العصر الحديث من حيث تكلفة الإنشاء وبقيمة تصل إلى 76 مليار دولار، وفق مجلة "ذا ريتشيست" الاقتصادية المتخصصة، ومن حينها تقدم دبي الجمال إلى العالم من أكبر نافورة راقصة وأطول برج في العالم وجزيرة النخلة العائمة إلى منتجع دبي باركس آند ريزورتس الممتد على مساحة 25 مليون قدم مربعة ويضم 100 لعبة بجانب ثلاثة متنزهات ترفيهية.
مدن الترفيه كالبناء، كل واحدة تكمل الأخرى، لذلك حين دخلت الرياض في هذا المجال في 2016، وبالتحديد حين أسست الهيئة العامة للترفيه في العام نفسه، أعطت القصة أبعادا أخرى فلم يعد يقتصر على "التسلية"، فمن ناحية جعلت الترفيه مرادفا لتحسين جودة حياة الناس وهو الهدف الأسمى في رؤية المملكة، لذلك أطلق صندوق الاستثمارات العامة مشروع القدية ليكون أكبر وجهة ترفيهية في العالم ضمن مساحة 334 كيلومترا مربعا يستقطب 17 مليون زائر بحلول 2030، بينما في 2019 انطلق موسم الرياض، أضخم حدث ترفيهي في الشرق الأوسط، وقد بلغ عدد زواره في أول شهرين من 2023 فقط نحو تسعة ملايين منهم 600 ألف سائح من مختلف دول العالم.
وإذا كان من الصعب حصر مشاريع المملكة الترفيهية، في العلا ونيوم والدرعية والبحر الأحمر، فإن هدف السعودية هو استقطاب استثمارات بنحو 69 مليار دولار وتوفير أكثر من 200 ألف فرصة عمل بحلول 2030، وما تم حتى الآن فاق التوقعات، فخلال 2021 كان نمو إصدار السجلات التجارية لشركات قطاع الترفيه والفنون قد ارتفع 906 في المائة، بجانب إصدار 2847 سجلا تجاريا للقطاع، وبلغة الأرقام فإن الخطة هي أن يصبح قطاع الترفيه مساهما بـ4.2 في المائة في الناتج القومي للسعودية، ولا سيما أن الحكومة ستستثمر برفقة القطاع الخاص في الترفيه بنحو 64 مليار دولار خلال العقد الجاري، كان آخر المبادرات أخيرا افتتاح "فيا رياض" كإحدى أفخم وأرقى مناطق موسم الرياض.
بلا شك أن السعودية أصبحت قبلة ثقافية وسياحية وترفيهية ورياضية لمختلف الجنسيات والثقافات، وما يعززها إطلاق ولي العهد "صندوق الفعاليات الاستثماري" الشهر الفائت، وإذا كانت "بي دبليو سي" إحدى أكبر الشركات الاستشارية في العالم، نشرت في دراسة لها أن قطاع الترفيه في 2026 سيصل حجمه إلى 2.9 تريليون دولار، وسيبلغ عدد حضور الفعاليات حول العالم أكثر من 93 مليون شخص في 2024، فكم ستكون حصة السعودية خاصة أنها باتت الآن تؤسس لثقافة ترفيه جديدة تتناسب مع طقس فصولها الأربعة، من ثلوج نيوم مرورا بجبال العلا وصولا إلى جزيرة أمالا وانتهاء بالقدية.

الأكثر قراءة