مهرجان الكتاب والقراء .. ضفاف الشرقية تنبض أدبا وفنا
قيمة أدبية من السعودية إلى العالم.. شعار رفعه مهرجان الكتاب والقراء، محتفيا بالأدب بمختلف لغاته من الشرق إلى الغرب، فحضر بما يحمله من قيم وأخلاقيات وحكمة ومعرفة ليقرب بين شعوب المنطقة، من على ضفاف شواطئ المنطقة الشرقية، موطن الإبداع والإشعاع الثقافي على مر الأزمان.
ينقل المهرجان الأجواء التاريخية إلى كورنيش الدمام والخبر والقطيف، عبر العروض الحية ومسرحيات الشارع، مثلما أعاد النغم إليها، فعزفت الموسيقى في الواجهات البحرية، بأصوات وعزف المواهب السعودية الشابة، وصافح المهرجان زواره أيضا بعروض الكوميديا الارتجالية ومسرحيات حضرت للمرة الأولى، وحلقت بالمعرفة في فضاءات أرحب.
أسطورة «عبده الأسود»
عاش الروائي عبده خال الأساطير على أرض الخيال، فقد نشأ وترعرع في القرية، موطن الأساطير والخيال، وحل ضيفا على جلسة حوارية في كورنيش الخبر ضمن مهرجان الكتاب والقراء، وفيه كشف عن اسمه الحقيقي الذي أطلقته عليه والدته لحظة الولادة، وخضع إلى تغييرات عدة بمرور الزمن.
عادة، وبفعل الأساطير، يعود تغيير الاسم إلى إيمان الأهل بالأساطير والخرافات، ومن هذه الأسباب انطلق خال بقصته، فقد ولد باسم عبدالرحيم، وأخبرته والدته الراحلة أن أخاه الذي يكبره هو من سماه، ووثق عبده خال قصته في مقالة، مؤكدا أن عبدالرحيم هو اسم ولي من أولياء الله الصالحين، له ضريح يزوره أهالي القرى وجعلت الذاكرة الشعبية من حركة قبره موعدا لقيام الساعة، باعتقاد أن قبر الرجل يتحرك سنويا بمقدار شبر متجها للقاء الرسول في المدينة المنورة، ويظل القبر يقطع المسافات حتى إذا وصل قبر عبدالرحيم إلى قبر الرسول -صلى الله عليه وسلم- قامت الساعة، مبينا أن "الناس تجدهم يشجعون هذه الرحلة من خلال أهزوجة يترنمون بها سنويا أو عند زيارتهم لقبره منشدين: (يا عبدالرحيم يا صابر اصبر.. إن الله مع الصابرين).
أما عن تحول اسمه من عبدالرحيم إلى عبده، روى خال أن الاسم تأثر بطقس العادات، إذ إن أهل تهامة يحورون كل الأسماء المنتهية باسم من أسماء الله الحسنى إلى (عبده) بحذف الاسم أو الصفة، وإلحاق ضمير الغائب (الهاء) على الاسم، لكي يتبارك صاحبه بجميع صفات وأسماء الله الحسنى.
وكشف عبده خال، الحائز عن روايته "ترمي بشرر" جائزة "البوكر" في نسختها العربية لـ2010، أن والدته فقدت خمسة من أبنائها الذكور، فغيرت اسمه إلى "عبده الأسود"، وهذا ضمن الأساطير التي كانت سائدة آنذاك، ولا سيما أنه أصيب بعدد من الأمراض مثل شلل الأطفال وغيرها من الأمراض التي عرفتها المنطقة، ليختم قصته بقوله: "إننا بقايا أساطير، وهي حالة انفعالية للخيال وتجاوزت الخرافة".
رواية كتبت 4 مرات
لا يزال صدى رواية "حي بن يقظان عبر آلة الزمن" يسمع حتى القرن الـ21، فهي إحدى كلاسيكيات الأدب العربي القديم التي تناولها الأدباء نقدا ومراجعة وتأملا.
وأكد الكاتب عاصم الطخيس في جلسة حوارية عن الرواية، بأنه أعيدت كتابتها في التراث العربي أربع مرات على يد كل من ابن سينا وشهاب الدين السهروردي وابن الطفيل وابن النفيس، مشيرا إلى أن الأخير أعاد كتابتها تحت مسمى آخر يوافق معتقده الفلسفي، فسماها "فاضل بن ناطق".
وركزت الجلسة على قصة رواية "حي بن يقظان" ومضامينها الفلسفية العميقة، التي جمعت بين الفلسفة والأدب والدين والتربية، إذ تتضمن القصة عناصر الثقل المعرفي الأساسية والمتمثلة في (الإله، الإنسان، والطبيعة)، كما تتطرق إلى أبعاد العلاقة بين هذه العناصر، فهي تحكي قصة إنسان استقر به الحال وهو طفل على أرض لا إنسان فيها، فاتخذ من الحيوان مرضعا له، والطبيعة مأوى له، وافترش الأرض والتحف السماء، ولما كبر واشتد عوده ونضج فكره، انصرف إلى التأمل في الكون، وهو الأمر الذي قاده إلى حتمية وجود خالق لهذا الكون.
أما كاتب الخيال العلمي الدكتور منذر قباني فأبدى أسفه على قصة "ألف ليلة وليلة"، التي قرأت في شتى أنحاء المعمورة وتعد قمة الخيال، وملهمة لحكايات أخرى مثل علاء الدين وشهرزاد وسندباد، حيث كتبت منذ ألف عام تقريبا، لكن العرب أهملوها، حتى استفاد منها الغرب في أعمال الخيال وأعادوها إلى العرب.
سينما الصحراء
السينما نالت نصيبا من جلسات وندوات مهرجان الكتاب والقراء، وخصص لها على كورنيش القطيف جلسات للسينما الخارجية (سينما الحوش)، عرضت خمسة أفلام محلية وعالمية.
وفي السينما كذلك، أقيمت ندوة "حضور الصحراء في السينما" في الصالون الأدبي في كورنيش الدمام، وطالب السينمائي ومدير مهرجان أفلام السعودية أحمد الملا، المهتمين بالجوانب السينمائية، بتخفيف وتيرة مقارنة الأفلام السينمائية السعودية بالأفلام العالمية التي يتم تصويرها في الصحراء.
وأكد أن السينما العالمية في الصحراء لا يقتصر وجودها في العالم العربي فقط، بل هي في العالم أجمع، معتقدا أنه "يجب أن نخفف من وتيرة المقارنات، والبعد عن المشاحنات المتعلقة بهذا الأمر"، وزاد الملا في حديثه "الاهتمام بالصحراء العربية جاء من العالمية، وتحديدا من دول الأردن والمغرب ومصر، والآن تم تسليط الضوء على المملكة التي شهدت تصوير خمسة أفلام عالمية في صحرائها، وجميعها تؤيد المكان، خاصة أن الصحراء تعد سلطة المكان، والجميع يبحث عنها".
فيما عد الدكتور محمد البشير، أن السينما العالمية لم تنصف الممثل العربي، بعد أن كان التركيز عليه بأدوار معينة، مثل الشرير والسارق والخائن، وكل ما هو سلبي يتم إلصاقه بالعرب، ويرى بأننا مطالبون بتقديم موروثنا وهويتنا بشكل أكبر، فالعربي حينما انتقل إلى المدينة انتقلت معه الخيمة من البادية إلى المنزل، وكذلك انتقل معه الكرم والأبواب المفتوحة، حمل معه العادات والتقاليد والموروث، ولا بد أن يتم تسليط الضوء عليه من السينمائيين ونقل الصورة الحقيقية من حياتنا وعاداتنا وتقاليدنا في مسحاتهم السينمائية.
معرض للكتاب
لفت الروائي المصري أشرف العشماوي بحديثه زوار جلسته الحوارية، بعد تصريحه بأن أصدق من يكتب عن التاريخ هو الروائي، الوحيد الذي يكتب بطريقة مختلفة وصادقة، وفن الرواية يسمح أن يقدم التاريخ بحقيقته.
صاحب روايات "البارمان" و"توبا" و"كلاب الراعي" "وبيت القبطية" وغيرها من المؤلفات الشهيرة، روى مسيرته التي بدأها وكيلا للنيابة، إلى أن وصل إلى منصب قاض، مسلطا الضوء على تلك المرحلة وكيف زاوج بين شخصية القاضي والروائي، قائلا، "عند حضور فكرة عمل روائي أتجرد من كوني قاضيا، فلو استخدمت قيود الوظيفة نفسها لم أكن روائيا، وإن كان هناك من ثيمة تجمعهم فهي الإخلاص".
وكانت هناك أعمال عدة للروائي العشماوي حولت إلى دراما، مبينا تعامله مع خضوعها إلى السوق، وأشار إلى أن العمل الدرامي نجاحه وفشله ينسب لكاتب السيناريو والمخرج، بينما الروائي ينسب له الكتاب، ولا يخفي أن لدينا كتاب رائعون، لكن السينما تستسهل صنعة الكتابة، وأعمالها خالية من العمق، ملقيا بعبء المشكلة إلى السينمائيين، وليس الروائيين.
ويشهد المهرجان اليوم انطلاق معرض الشرقية للكتاب 2023، الذي تنظمه هيئة الأدب والنشر والترجمة في مركز معارض الظهران للمؤتمرات والفعاليات "إكسبو"، تحت شعار "معرض – ثقافة – حضارة – فن"، وعلى مدى عشرة أيام يصاحبه برنامج ثقافي ثري، يتضمن نحو 140 فعالية، تتنوع ما بين الندوات والجلسات الحوارية، وورش العمل، والأمسيات الشعرية، وحفلة غنائية للقصائد المغناة، تحييها الأوركسترا الوطنية السعودية مساء آخر يوم في المعرض.