نظام براءات الاختراع بحاجة إلى إصلاح .. أسعار الدواء لا تطاق
عندما استحوذت شركة الأدوية الأمريكية أبوت لابوروتاريز على قسم صغير من مجموعة المواد الكيمائية الألمانية باسف مقابل 6.9 مليار دولار قبل 23 عاما، تراجعت أسهمها بسبب مخاوف من أنها دفعت مبلغا مغالى فيه. لكن الاتفاقية كانت صفقة رائعة.
عقار هوميرا، الدواء الواعد الذي جاء معها، يعد الآن أكبر نجاح في الصناعة، بإيرادات تراكمية تزيد على 200 مليار دولار. العقار المضاد للالتهابات، المستخدم في علاج التهاب المفاصل الروماتويدي ومجموعة من أمراض المناعة الذاتية الأخرى، يكلف أكثر من 80 ألف دولار سنويا للمريض في الولايات المتحدة.
لقد وسع "هوميرا" الميزانيات الحكومية حول العالم: الأسبوع الماضي تم اتهام شركة أب فاي، التي خلفت شركة أبوت، من قبل مجموعة تنشط في مجال المصلحة العامة في هولندا بجني أرباح زائدة تبلغ 1.2 مليار يورو هناك. هذه القضية واحدة من كثير من التحديات التي واجهتها الشركة بشأن ما تسميه مؤسسة المساءلة الصيدلانية الهولندية "إوزتها التي تبيض ذهبا".
العقار الذي ظهر من بحث حائز جائزة نوبل في جامعة كامبريدج هو دواء متخصص. قد يتم وصفه لـ1.4 مليون مريض، مقارنة بمئات الملايين ممن يتناولون أدوية ستاتين الآن لخفض الكوليسترول. ويمكن للأدوية الحيوية، مثل "هوميرا"، المعدلة وراثيا باستخدام خلايا حية، أن تغير حياة المرضى، لكن سعرها الآن يمثل حاجزا مؤلما للغاية.
وما لم يتم تخفيضه عبر إدخال تغييرات في أنظمة براءات الاختراع، أو فرض قيود أكثر صرامة على الأسعار، فسيفوت على كثيرين فوائده. لقد أصبحت شركات الأدوية تركز جهودها بشكل متزايد على الأدوية التي يكون تطويرها مكلفا وتستهدف مجموعات أصغر من الأشخاص. لقد أصبح نظاما يأخذ فيه الفائز كل شيء، حيث يتم دفع الأسعار بعيدا عن متناول الناس العاديين.
سعر دواء هوميرا في الولايات المتحدة، الذي رفعته شركة أب فاي أكثر من 20 مرة لاستغلال احتكارها هناك، يتعرض للضغط أخيرا. فبعد أن كان محميا قانونيا حتى الآن، يواجه العقار هذا العام منافسة من تسعة "بدائل حيوية"، مثل دواء أمجيفيتا من شركة أمجن. قد يخفف ذلك عن المرضى الذين واجهوا فواتير بآلاف الدولارات، على الرغم من كونهم مشمولين بالتأمين.
لا ينبغي أن تكون الرعاية الصحية على هذا النحو، وما كانت لتكون كذلك لو عمل نظام براءات الاختراع على النحو المنشود. توضح القضية كيف قامت شركات الأدوية بتمديد نطاق براءات الاختراع وأرباح الاحتكار لما يزيد على مدة الـ20 عاما المسموح بها لدعم البحث والتطوير المحفوف بالمخاطر. بدأت براءات اختراع "هيوميرا" الأمريكية في الانتهاء في عام 2016، لكن شركة أب فاي أبقت سيطرتها على أكثر الأسواق ربحا في العالم.
توصلت الشركة إلى تسوية مع الشركات المنافسة التي طورت عقارات حيوية مشابهة لدواء هوميرا: يمكنها البدء في بيعها في الاتحاد الأوروبي من 2018، شريطة أن تترك السوق الأمريكية وشأنها حتى هذا العام. كذلك أقامت حواجز قانونية عالية حول "هوميرا"، مع "تداخل براءات الاختراع" وامتلاكها أكثر من 130 براءة اختراع أمريكية، وافقت الجهات المتنافسة على هدنة تسعير عالمية.
هذه هي المفارقة في الدعوى القانونية الهولندية التي أقيمت الأسبوع الماضي. بحسب المجموعة صاحبة الدعوى، شركة أب فاي كانت مخطئة في تحقيق هذه الإيرادات المرتفعة في هولندا بين عامي 2004 و2018. تقول إيلين تي هوين، مديرة قانون وسياسة الأدوية، التي تقدم المشورة للمجموعة "عليها واجب رعاية المجتمع. ولا ينبغي أن تقتصر على جني الأرباح فقط لأنه يمكنها فعل ذلك".
لكن مبدأ براءة الاختراع كان متبعا في أوروبا: لم تدم حماية دواء هوميرا أكثر من الفترة المقررة وانخفضت الأسعار مع دخول المنافسين. كان التأثير مشابها "لمنحدرات براءة الاختراع" في منتصف العقد الأول من القرن الـ21، عندما خسرت عقاقير مثل ستاتين ليبيتور من شركة فايزر مليارات الدولارات على شكل مبيعات للأدوية المكافئة "أدوية حيوية مشابهة تعد بدائل أقل مطابقة لدواء فايزر".
ربما حالف شركة أب فاي الحظ مع دواء هوميرا، ولا ينبغي الحكم على الصناعة من خلال شركة واحدة بلغ صافي إيرادتها 58 مليار دولار العام الماضي. لكن نحو نصف الأدوية الجديدة التي تم طرحها في الولايات المتحدة في 2020 - 2021 تم تسعيرها بأكثر من 150 ألف دولار سنويا، ما يعني أن بعض الشركات الأخرى سارت على خطاها. لقد اتجهت صناعة بأكملها نحو صنع منتجات باهظة الثمن بشكل لا يصدق.
لم تنتهك شركة أب في القانون الأمريكي: فشلت إحدى المحاولات للتصدي لها من زاوية مكافحة الاحتكار في آب (أغسطس)، عندما قضت محكمة الاستئناف بحقها في حيازة هذا العدد الكبير من براءات الاختراع. لا تمنع التكتيكات مثل تداخل براءات الاختراع و"التنقل بين المنتجات" عن طريق إطلاق عقاقير جديدة مبنية على الدواء الأصلي، طالما كانت الشركة حريصة وتوظف عددا كافيا من المحامين.
لكن إذا دفعت شركات الأدوية النظام بهذه القوة، فلا بد أن يفقد المواطنون ثقتهم بها. كان القصد من قانون الرعاية الميسرة لعام 2010 هو تعزيز المنافسة في مجال البدائل الحيوية، لكنه لم يرق إلى مستوى عنوانه. لقد كلفت الحكومة الأمريكية الآن برنامج ميديكير، وهو نظام التأمين الصحي لمن هم فوق 64 عاما، بالبدء في التفاوض على الأسعار مع الشركات في وقت لاحق من هذا العام، مع تحديد سقوف لها بدء من عام 2026.
قد تطرح أسئلة أيضا عما إذا كان إطار براءات الاختراع مناسبا للغرض. تقول شركات الأدوية "إن المكافآت المرتفعة مطلوبة لتعويض المخاطر العالية لتطوير الأدوية". لكن يتم إجراء معظم الأبحاث في مراحلها المبكرة في مختبرات الجامعات، أو في شركات الأدوية الحيوية الصغيرة. هل تستحق الشركات الكبرى التي تستحوذ على الأدوية الفائزة المحتملة من تلك الشركات أكثر من 20 عاما من الحماية بموجب براءات الاختراع؟
ليس من السهل تصميم نظام يكافئ الابتكار دون رفع الأسعار إلى حد تخسر فيه المجتمعات أكثر مما تكسب. لكن النظام الذي حقق 200 مليار دولار لشركة أب فاي لا يمكن أن يكون على صواب.