"ذا لاست أوف أس".. نقلة نوعية في أعمال سوني

"ذا لاست أوف أس".. نقلة نوعية في أعمال سوني

إذا كان عالمك يدور حول مصير جويل وإيلي وفايرفلايز، فمن المحتمل أن هذا يعني أحد أمرين، إما أنك مدمن على المسلسل التلفزيوني ذا لاست أوف أس الذي تدور أحداثه بعد نهاية العالم، وإما أنك محلل مالي تصنف شركة سوني بأفضلية "الشراء".
في كلتا الحالتين، ستشهد الأسابيع المقبلة حالة من التوتر، خصوصا للمدير المالي هيروكي توتوكي الذي سيتم وضعه رسميا على المسار لرئاسة المجموعة اليابانية عند توليه منصب الرئيس هذا الربيع.
أما بالنسبة إلى مراقبي شركة سوني منذ مدة طويلة، فإن مسلسل ذا لاست أوف أس، يرمز إلى ذروة التحول الذي استمر لمدة عقد. فهو تحول مؤسسي تم تنفيذه تحت إشراف رئيسين تنفيذيين متعاقبين ومن المقرر أن يعهد به إلى رئيس تنفيذي ثالث، مع الاعتبار أن ترقية هيروكي هي الخطوة الأخيرة قبل أن يرث في نهاية المطاف أعلى منصب في الشركة.
هذه العملية، التي وصفها ديفيد جيبسون، المحلل المخضرم في شؤون شركة سوني من شركة إم إس تي فاينانشيال، بأنها "رائعة"، حولت بثبات العلامة التجارية واسعة الشهرة في مجال الإلكترونيات الاستهلاكية في اليابان إلى خليط أقل وضوحا وتحديدا مما كانت عليه، كصانع للأجهزة المتخصصة وعملاق الإعلام على المستوى الدولي.
قال جيبسون، "ركزت الشركة على أن تصبح جيدة فعلا في قليل من الأمور، بدلا من محاولتها أن تكون متوسطة المستوى في كثير منها".
كما يقول المحللون إن التركيز على الأعمال في مجال الإعلام هو الذي تعرف به شركة سوني الجديدة، كشركة قامت ببناء مراكز مهمة عالميا في مجموعة واسعة من أشكال الترفيه في فترة اتسمت بشح الإنفاق ومع احتدام المعركة بين المتنافسين في خدمة البث عبر الإنترنت.
في الأشهر التسعة الأولى من العام المالي الذي ينتهي الشهر المقبل، جلبت الألعاب والموسيقى والأفلام وبرامج التلفاز ما نسبته 48 في المائة من أرباح المجموعة التشغيلية. ويتوقع المحللون أن ترتفع هذه النسبة إلى أكثر من 56 في المائة في العام المالي الذي ينتهي في آذار (مارس) 2024.
هؤلاء المحللون أنفسهم، المهووسون دائما بمبيعات سوني التلفزيونية وقدرتها التنافسية المتذبذبة في مجال الهواتف المحمولة، يجب الآن أن يتفحصوا وبدقة الأخبار في وسائل الإعلام حول مراجعات أفلام سبايدرمان، والضجة الإعلامية حول المقاطع الدعائية للبرامج التلفزيونية المبنية على الألعاب الإلكترونية التي أنتجتها شركة سوني وعدد مرات تشغيل أغنية ماريا كاري الناجحةAll I Want for Christmas Is You التي حطمت الأرقام القياسية.
من بين أقوى الأعمال الجديدة لشركة سوني هو مركزها العالمي المهيمن على توزيع الرسوم المتحركة اليابانية الأنمي - وهي أعمال حققت توسعا كبيرا من الناحيتين المالية والجغرافية بعد ظهور خدمات البث المباشر عبر الإنترنت.
فيما قامت المجموعة ببناء ما يعد عموما أكبر مجموعة من الأنمي في العالم عبر الدعم الذي حصلت عليه من خلال شرائها خدمة البث عبر الإنترنت "كرانشيرول" من شركة أيه تي آند تي بقيمة 1.2 مليار دولار في أواخر 2020، التي لديها الآن عشرة ملايين مشترك يدفعون رسوم اشتراك.
نتيجة لذلك، تبنت شركة سوني استراتيجية "تاجر الأسلحة" - وهي توزيع البرامج لعديد من منصات البث المتنافسة لتعظيم الأرباح.
قال أتول جويال المحلل في جيفريز، "فيما يتعلق بامتلاك حقوق الملكية وتوزيع برامج الرسوم المتحركة، تمتلك سوني معظمها. إنهم يقومون بكل الخطوات الصحيحة فيما يتعلق بألعاب الفيديو والرسوم المتحركة وبرامج التلفاز. لقد أصبحوا الآن شركة إعلامية بصورة أساسية".
كانت استراتيجية سوني في برامج الأنمي قد تطورت في لحظة عصيبة. فوفقا للأرقام الصادرة عن جمعية الرسوم المتحركة اليابانية، انتشرت برامج الأنمي اليابانية على نطاق أوسع إلى الجماهير خارج اليابان خلال فترة الجائحة.
حيث تظهر أحدث الأرقام المتوافرة في 2021 أن السوق العالمية للأنمي الياباني نمت إلى مستوى قياسي كبير بلغ 2.7 تريليون ين (20 مليار دولار). كما تشير التقديرات التي أعدتها سكاي كويست تكنولوجي كونسالتينج، التي استخدمها عديد من محللي شركة سوني لبناء توقعاتهم الخاصة، إلى أن السوق العالمية للأنمي تنمو الآن بنحو 10 في المائة سنويا ويمكن أن تصل قيمتها إلى 47.14 مليار دولار بحلول 2028.
الأهم من ذلك، أن حصة السوق خارج اليابان كانت 1.3 تريليون ين من إجمالي 2021. يقول المحللون إنه في الأشهر التي تخللت ذلك، سترجح كفة الميزان بشكل حاسم لمصلحة السوق العالمية، وأنه للمرة الأولى، ستجني برامج الأنمي خارج اليابان أموالا أكثر مما تحققه في السوق المحلية.
قال داميان ثونج، المحلل في شركة ماكوايار، لكن مسلسل ذا لاست أوف أس يمثل الخطوة المهمة التالية في تحول الشركة، حيث تستطيع سوني الاستفادة من أعمالها في مختلف البرامج الإعلامية لتحسين أرباحها من الملكية الفكرية.
كان إطلاق مسلسل ذا لاست أوف أس قد تم أول مرة كلعبة بلايستيشن في 2013 من أحد الاستوديوهات الداخلية للشركة، في الوقت الذي بدأت فيه الحملة لإعادة ابتكار شركة سوني.
ثم تحولت اللعبة لتصبح سلسة واسعة للألعاب حيث بيع منها 37 مليون نسخة - وهي قاعدة جماهيرية ضمنت جمهورا عالميا مهما للبرنامج، حتى قبل أن يتم إنتاجه. وفي مذكرة للعملاء، وصف ثونج البرنامج التلفزيوني الذي يتم بثه حاليا على قناة إتش بي أوه في الولايات المتحدة بأنه "ربما يكون أفضل لعبة فيديو على الإطلاق تم تبنيها للتلفاز أو السينما". كما أطلق آخرون على المسلسل اسم "جيم أوف ثرونز الخاص بسوني".
قال ثونج إن تأثير نجاح المسلسل سيرفع التوقعات للبرامج التلفزيونية المستقبلية المبنية على عديد من الألعاب الأخرى ذات الرواج الكبير التي أنتجتها استوديوهات سوني الخاصة. وهي تشمل برنامج هورايزون زيرو دون، الذي يتم إنتاجه لمصلحة منصة نتفليكس، وجاد أوف وور الذي تنتجه لمنصة أمازون برايم فيديو.
قالت شركة بيلام سميثرز، إحدى الشركات المتابعة لأخبار سوني منذ فترة طويلة، "ربما ستأخذ شركة سوني الآن من المبلغ الذي أنفقه في كل مرة أستمع فيها إلى أغنية كلاش أو عندما أشاهد مسلسل ذا بويز على منصة أمازون. ولو أنني من محبي سبايدرمان، فمن المحتمل أن يأخذوا ثروة صغيرة مني هذا العام، بسبب عرض كل المنتجات المتعلقة بسبايدرمان يونيفيرس في الأفلام والألعاب".
لكن شركة سميثرز ترى كثيرا من المجالات التي تنطوي على مخاطر لشركة سوني. فعلى الرغم من أن أسهمها ارتفعت بأكثر من عشرة أضعاف مما كانت عليه في بداية عملية التحول في 2013، إلا أنها الآن أقل 21.5 في المائة مما كانت عليه في نهاية كانون الأول (ديسمبر) 2021، عندما وصل السهم إلى أعلى مستوى له في 21 عاما. يأتي هذا الانخفاض بعد مخاوف من أن نقص الرقائق كان يؤخر طرح جهازها الرئيس بلايستيشن 5 لألعاب الفيديو، وأن إنفاق المستهلكين على الألعاب سينخفض عموما بعد الجائحة.
ستتم ترقية توتوكي إلى منصب الرئيس ومدير العمليات اعتبارا من نيسان (أبريل). من بين المستثمرين الآخرين، كان المدير المالي البالغ من العمر 58 عاما يعد منذ فترة طويلة الخليفة للرئيس التنفيذي كينيشيرو يوشيدا، حيث لعب الثنائي دورا محوريا في وضع نهاية لعقد من الخسائر في أعمال الإلكترونيات الاستهلاكية للمجموعة.
كان توتوكي، المستقل المعروف بدوره في تأسيس الأعمال المصرفية لشركة سوني عبر الإنترنت، قد أشار إلى أنه سينفذ استراتيجية يوشيدا الشاملة. لكن بينما تتوقع المجموعة إيرادات قياسية للعام المالي الحالي، ستوكل إلى توتوكي مهمة مواجهة التباطؤ في الاقتصاد العالمي والمخاطر الجيوسياسية وتحديات المناخ.
حيث قال توتوكي في مؤتمر صحافي هذا الشهر، "لدي إحساس قوي بالأزمة لأننا على حافة ما إذا كان بإمكاننا الاستفادة من التقدم السريع في التكنولوجيا (...) لتحقيق مزيد من النمو أو مواجهة الاضطراب".
قالت مينامي موناكاتا، المحللة في بنك جولدمان ساكس، إنها تتوقع أن تستمر عملية التحول تحت قيادة توتوكي وأن الأرباح التشغيلية من أعمال الترفيه المشتركة ستشكل 61 في المائة من الإجمالي لـ2026. قالت، "نحن نعتقد أن المستثمرين على دراية بهذا التحول، لذا فإن أحد النقاشات الرئيسة يدور حول كيفية تقييم الشركة".
على الرغم من وجود فرصة كبيرة لمزيد من التعاون مستقبلا على غرار مسلسل ذا لاست أوف أس بين أقسام الشركة، إلا أن سوني ما زالت بطيئة في إطلاق العنان لذلك. يقول جيبسون من إم إس تي فاينانشيال إن الشركة تخاطر بالتخلف عن الركب بسبب أعمالها التجارية القديمة.
أضاف، "أنفق الرؤساء التنفيذيون السابقون المليارات على البحث والتطوير لمشاريع وأفكار صغيرة، بحثا عن الفكرة الكبيرة التالية أو النجاح التالي كالذي حققته في جهاز ووكمان. إن ابتكار أشياء مهمة وذات مغزى بالنسبة إلى شركة بقيمة 120 مليار دولار هو مسألة صعبة للغاية".

الأكثر قراءة