ضعف الرقابة.. إشكالية تطارد الهيئات الشرعية
عدد كبير من المشايخ والعلماء يشغلون وظيفة مراقب شرعي في العديد من البنوك والمصارف، والهدف الرئيس من وراء ذلك، هو مطابقة الممارسات وتقييمها من الناحية الشرعية حلالا أو حراما، وإصدار فتاوى بهذا الخصوص.
العلاقة مع رجال المال والأعمال تطرح العديد من التساؤلات حول مدى استقلالية هذه الهيئات ومدى تأثر الفتاوى الصادرة عنها بمجموعة المصالح المتبادلة.
بعض العلماء أجاز أخذ الأجرة عما ينجز من أعمال المطابقة والمراقبة الشرعية، بينما اعتبرها البعض نوعاً من أنواع الرشى المبطنة، حيث بلغت دخول أعضاء الهيئات الشرعية عشرات الملايين من الدولارات.
الكل يجمع على أن المشايخ والعلماء لم يخالفوا الجوانب الشرعية في فتاواهم المختلفة، لكن هذا الاختلاف أيضا كان محل تساؤل عدد كبير من الناس حول أسبابه طالما أن العمل البنكي واحد؛ ما دعا إلى طرح أفكار عديدة حول إيجاد هيئة رقابة شرعية تكون مرجعية وإدارة مراقبة وتصنيف مستقلة.
المصرفية الإسلامية: الرياض
* يشغل عمل الفقهاء في البنوك الإسلامية لدى رجال الأعمال بشكل عام مساحة كبيرة من الاهتمام في مجال الاقتصاد الإسلامي. وتثار عدة تساؤلات عن مدى مصداقية واستقلالية الفتاوى التي صدرها الفقهاء المعينون في تلك المؤسسات. ولعل السؤال الأبرز هو: هل تكمم الرواتب التي يتقاضاها الفقيه فمه وتمنعºه من إصدار فتوى قد تتعارض مع مصلحة المؤسسة التي يتقاضى منها راتبه؟ كما فتحت تلك المسألة النقاش مجدداً حول حكم أخذ الأجرة على الفتوى. ويدور الجدل حول تلك الأجرة وهل يمكن أن تصل في بعض الأحوال إلى تدخل في إطار الرشوة؟ وما حقيقة ما يتردد عن الدخول الضخمة للفقهاء، التي تصل إلى عشرات الملايين من الدولارات سنوياً؟ أسئلة يبحث التقرير التالي عن إجابات لها لإماطة اللثام عن الدور الحيوي لتلك الفئة في مجال الاقتصاد الإسلامي.
تعتبر ورقة الباحث د. رفيق يونس المصري بعنوان "عمل الفقهاء لدى رجال الأعمال" من الأبحاث الجديرة بالعرض في هذا الشأن. ويفتتح الباحث دراسته بمجموعة أسئلة منها: هل يلتبس أجر الفقيه بالرشوة؟ هل يجوز له أن يدافع عن رب عمله دفاعاً مطلقاً سواء كان الحق معه أم مع خصمه؟ هل يلجأ أرباب العمل والأموال إلى الفقهاء بالفعل من أجل الالتزام بالضوابط الشرعية أم أنهم يقومون بذلك من أجل الترويج والتسويق في المجتمعات الدينية بعد أن تنال منتجاتهم مباركة الفقهاء؟
ويشير المصري – الباحث في مركز أبحاث الاقتصاد الإسلامي بجامعة الملك عبدالعزيز في جدة- إلى أن بعض الفقهاء في دول إسلامية يعملون بأجر في منشآت خاصة أو عامة. ومثل العديد من الوظائف قد يكونون متفرغين للعمل في منشأة ما، كما قد يكون عملهم جزئياً لبعض الوقت نظير أجر أو جعل. ويستغرب الباحث عمل الفقيه لدى رجل مال أو أعمال أو سياسة، موضحاً أن أحداً لا يستغرب عمل الفقيه بأجر في معهد أو جامعة أو مسجد أو محكمة كباحث أو محاضر أو خطيب أو قاضٍ. لكن الأمر يختلف في حالة العمل لدى المستثمرين، ويرجع غرابة الأمر إلى عدم وضوح طبيعة عمله. ويطرح تساؤلات عن هذا العمل؛ وهل هو مستشار لصاحب العمل؟ وإذا كان كذلك.. فهل تتم استشارته في كل الأمور بالفعل؟ وحال استشارته، هل تتقيد المؤسسة التي يعمل بها بتنفيذ ما جاء في فتواه لا سيما إذا كانت من باب الأوامر الشرعية؟
الحاجة إلى صناعة فقهية مؤسسية
ولكن البعض يرى أنه لا مجال للاستغراب؛ فلا غضاضة من عمل الفقهاء لأن الحاجة تستدعي إرساء صناعة فقهية ذات طبيعة مؤسسية تنسجم مع المجال الذي تعمل في إطاره كما جاء في مقال نشرته صحيفة (الاقتصادية). ويشير إلى ضرورة عدم التوقف أمام التوصيف الفقهي لعمل الفقيه في المؤسسات المالية، وهل هو مفتٍ أم مستشار، أم محكم؟ وأنه لا حرج من أن يعمل في أية جهة تقبل توجيهاته وتوظيفها بشكل سليم. كما لا يجب أن يوضع مجال عمل تلك الجهة في الاعتبار؛ فلا ضير أن تكون سياسية أو مالية أو إعلامية شريطة ألا ينطق الفقيه إلا الحق، وأن تسهم آراؤه في بيان الحق الشرعي، وإصلاح الفساد بعيداً عن تزيين صورة المؤسسة أوالتسويق للمنتجات التي تقدمها، أو التملق للقائمين عليها.
ولكن رفيق المصري يرى أن هذا العمل قد يكون مزرياً بمقام الفقيه وذلك في حالة غلب على ظنه أن رب العمل لجأ إلى خدماته في إطار محاولات تلميع الأنشطة التي يقوم بها وذلك بإضفاء الطابع الديني عليها من خلال هذا الفقيه. وفي هذه الحالة تتأثر سمعة الفقيه سلباً، كما أنها تصبح متأثرة بسمعة رب العمل. وفي اعتقاد الباحث أن الأمر حينئذٍ يكون واضحاً؛ فلا يجوز للفقيه أن يقبل العمل عند مثل هذا المؤسسات التي يظن أنها تستغله لتسويق منتجاتها. كما لا يطيب له الأجر الذي يحصل عليه مقابل العمل بها، وإذا حصل على أجر فسبيله سبيل المال الحرام عليه أن يتخلص منه في الأعمال الخيرية أو العامة كما يقترح الباحث.
فقهاء في مهام خاصة
وفي أحوال أخرى يتم توظيف الفقيه بحيث يسخر علمه ولسانه في الدفاع عن مصالح صاحب العمل سواء كان الدفاع موافقاً للحق أم لا بما يشبه عمل المحامي. وفي هذه الحالة أيضاً يرى الباحث أنه عمل لا يليق بمكانة الفقيه الذي يراعي رب العباد وليس رب العمل. ولكن إذا غلب على ظنه أن رب العمل يحتاج إليه من أجل الدفاع عن مصالحه بالحق دون الباطل، ولإرشاده إلى الحلال والحرام فهنا يجوز أن يعمل لديه ويطيب له الأجر الذي يتقاضاه عن هذا العمل، لا سيما إذا أنس من صاحب العمل أنه يستمع لرأي الدين ولا يجد غضاضة في تطبيق ما تذهب إليه أحكام الشريعة. وعلى سبيل المثال إذا حدث خلاف بين صاحب العمل وأحد مستخدميه ولجأ الطرفان إلى الفقيه المعين بالمؤسسة، والتزم الأول بالحكم الذي أصدره الفقيه فهذا يعتبر عملاً شريفاً وأجره حلال. وعلى الجانب الآخر إذا أراد صاحب العمل من الفقيه أن يدافع عنه بأي حال من الأحوال ضد العامل الذي اختلف معه، ففي هذه الحالة لا يجوز العمل بتلك المؤسسة طالما أن الأمر كذلك. ويضرب الباحث مثالاً بحدوث خلاف بين صاحب العمل وأحد العملاء أو الموردين أو المنافسين وكان محل النزاع مبلغ كبير يقدر بالملايين وأراد صاحب العمل من الفقيه أن يستعمل علمه وعقله وقلمه وبلاغته لكسب تلك الملايين على أية حال فهو هنا يعتبر مبطلاً؛ فلا يجوز للفقيه في تلك الحالة أن يعمل عند هذا الشخص، كما لا يطيب أجره إن عمل لديه.
ويدرج الباحث هيئات الرقابة الشرعية في المؤسسات المالية ضمن هذا الباب. ويرى أن أعضاء تلك الهيئات ربما يغلب على بعضهم التزين لرب العمل وتملقه وعمل على خدمته بشتى الطرق، والدفاع عن مصالحه دون النظر إلى مصالح الآخرين والجمهور. وبالنسبة لتلك الفئة فإن عملهم لا يحل، ولا يطيب الأجر الذي يتقاضونه. ويزيد من وطأة الأمر لجوء صاحب العمل للاستعانة بمن يغلب عليهم الظن أنهم سيكونون إلى جانبه مهما كلف الأمر، حيث سيختارون له الشاذ من الأحكام في محاولة استرضائه وكسب وده وحثه على عدم الاستغناء عنهم. وفي هذه الحالة يحرم العمل مع مثل هذا الشخص إذا عرف الفقيه أنه لا يختار إلا المتساهلين والمتحايلين لكي يضمن تمرير الأحكام التي توافق هواه ومصلحة أعماله. ويرجع التحريم في هذه الحالة إلى أن العمل هنا يجب أن يكون في الأصل من أجل البحث عن الأحكام الصحيحة التي لا يتم التوصل إليها إلا باجتماع علماء من مذاهب مختلفة وآراء متعارضة للخروج بالحكم الصائب. ولكن عندما يتحول الهدف إلى الحصول على حكم شرعي يطلبه صاحب العمل فإن هذا العمل يخرج من دائرة الحلال ولا يطيب فيه الأجر الذي يتقاضاه الفقهاء.
البعد عن الشبهات
وقد يدخل راتب الفقيه في دائرة الشبهة بكونه رشوة. وفي هذا الصدد يوضح الباحث أن العلماء المحققين قد منعوا الأجر على الفتوى إذا كانت بغرض إرضاء صاحب العمل لأن الآجر آنذاك يستخدم لاستدراج الفقيه لإصدار الحكم المطلوب دون النظر إلى مدى مطابقته الشريعة. وبما أن الفقيه ليس معصوماً فإنه – في أغلب الأحيان- يجد صعوبة في التنازل عن هذا الأجر لا سيما إذا كان كبيراً كما هو الحال في الفترة الحالية، ويتحول في هذه الحالة إلى ما يشبه الرشوة.
وعن نتائج تلك الممارسات يشير إلى أنه ستظهر فئة من الفقهاء مخصصة للأثرياء والوجهاء والكبراء. ويبدو خطر هذا في أن الفتاوى غير الدقيقة – وربما الملفقة - التي تصدرها هذه الفئة ستجد طريقها في الانتشار بين العامة لا سيما مع صعوبة تتبع المراقبين بالتصحيح لكل ما يسمعون ويقرؤون. كما أن وسائل الإعلام باتت تلعب دوراً لا يغفل، حيث إنها تقوم في بعض الأحيان بتسليط الضوء على فقيه معين أو فتوى بعينها بالتشجيع والإطراء في حين تثبط أخرى وهذا من شأنه المساس بمصداقية الإعلام وانحيازه لفريق على حساب الآخر؛ ما يتسبب في خداع العامة وتضليلهم.
ويختم الباحث بسؤال بالإشارة إلى أن البعض يعتقد أن مسألة عمل الفقيه بأجر للدفاع المطلق عن صاحب العمل مسألة يسهل الحكم فيها. ولكنه يؤكد أن الجواب قد يبدو سهلا من الناحية النظرية، لكنه غاية في التعقيد والتشابك من المنظور العملي. ويوضح أن ما يدعيه البعض أن عمل المراقب يشبه عمل المحاسب مثلاً هو قول يفتقر إلى الدقة والصحة؛ لأن عمل المحاسب فني بينما عمل الفقيه شرعي. وعلى الرغم من ذلك فإنه لا يجوز أيضاً للمحاسب أن يتواطأ مع بعض الشركاء أو غيرهم على حساب طرف آخر، فكيف الحال بالفقهاء؟
إلا أن ثمة توصية بأن ينزه الفقيه نفسه عن الوقوع في الشبهات وذلك بأن يتحاشى مثلاً تداخل المصالح مع المؤسسة التي يعمل بها. تجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أن هناك فتاوى معاصرة بمنع عضو الهيئة الشرعية من شراء أسهم المؤسسة التي يعمل لحسابها.
تغير 180 درجة
وترصد دراسة أخرى بعنوان "اختبار الفتاوى المالية: هل المشكلة في الفتوى أم في التطبيق"؟ تجاوزات لبعض الفقهاء، حيث يقومون بتغيير آرائهم بعد العمل في مؤسسة مالية إسلامية عما كانت عليه قبل عملهم بها. ومن ذلك ما قام به فقيه كان يرى أن التورق – وإن كان ظاهره سلامة التعامل - يعتبر ذريعة للربا نظراً لأن التعامل به يعد نوعاً من التحايل على أكل الربا. وأوضح – قبل عمله لدى المؤسسة المالية - أن التورق لم تكن صورته التي ظاهرها السلامة مانعة من تحريمه لدى المحققين من أهل العلم مثل الخليفة عمر بن عبدالعزيز، وشيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه ابن القيم. كما أن ذلك المظهر الطيب لم يكن مانعاً من تسمية عدد من الفقهاء لهذا النوع من المعاملات بالربا المغلف. وترصد الدراسة التي أعدها د. رفيق المصري أن ذات الفقيه أفتى بعد التحاقه بالعمل في مؤسسة مالية بأن الفقهاء اختلفوا في حكم التورق، وأن الجمهور قد أجازه. واعتبر أن العلماء المعاصرين قد ظهر لديهم ما أطلق عليه "هاجس وسواس" وإن بدا لهم أنه هاجس ورع وتقوى بحسب نص الفتوى. وقال إن التورق يعتبر بديلاً من القروض الربوية، وأنه أسهم في تقلص التعامل بالقروض الربوية. ويشير الباحث إلى أن هناك من الفقهاء من كان يقول بأن الأصل في العقود المركبة هو المنع حتى تثبت الإباحة، ثم صار يقول بالجواز حتى يثبت المنع. ومنهم من كان يقول: العبرة في العقود للمقاصد والمعاني، ثم صار يقول: العبرة للألفاظ والمباني. ويندر أن يوجد منهم من يفسر سبب تراجعه عن فتواه التي أصدرها قبل التحاقه بالعمل في الهيئات الشرعية.
أجرة المفتي على اختلاف المذاهب
اختلف أهل العلم في جواز أخذ الأجرة على الفتوى.. فذهب بعضهم إلى منعها مطلقاً. وذهب آخرون إلى جواز أخذ الأجرة ما لم تتعين عليه الفتوى أو تكون الأجرة من أعيان المستفتين. وفصل آخرون فقالوا: إن كانت الأجرة من بيت المال أو كان متفرغاً لها جاز أخذ الأجرة. .
ومن أعم المصادر التي تجمع الآراء التي وردت في تلك القضية ما جاء في الموسوعة الفقهية التي جمعت تفرقا في كتب الفقه، ما تفرق من أقوال العلماء في هذا الموضوع. وجاء في الموسوعة: الأولى للمفتي أن يكون متبرعاً بعمله ولا يأخذ عليه شيئاً، وإن تفرغ للإفتاء فله أن يأخذ عليه رزقاً من بيت المال على الصحيح عند الشافعية ومذهب الحنابلة، واشترط الفريقان لجواز ذلك شرطين: أولهما ألا تكون له كفاية. والشرط الآخر: ألا تتعين عليه الفتوى. وقال ابن القيم: "إن لم يكن المفتي محتاجاً ففيه وجهان: لتردده بين القياس على عامل الزكاة أو العامل في مال اليتيم ."وألحق الخطيب البغدادي والصيمري أن يحتاج أهل بلد إلى من يتفرغ لفتاواهم، ويجعلوا له رزقاً من أموالهم فيجوز، ولا يصلح ذلك إن كان له رزق من بيت المال. وقال الخطيب: "وعلى الإمام أن يفرض لمن نصب نفسه للفتوى في الأحكام ما يغنيه عن الاحتراف، ويكون ذلك من بيت المال. ثم روى بإسناده أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أعطى كل رجل ممن هذه صفته مئة دينار في السنة." وأما الأجرة فلا يجوز أخذها من أعيان المستفتين على الأصح عند الشافعية، وهو مذهب الحنفية والحنابلة. قال الحنابلة: لأن الفتوى عمل يختص فاعله أن يكون من أهل القربة، ولأنه منصب تبليغ عن الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، فلا تجوز المعاوضة عليه، كما لو قال: لا أعلمك الإسلام أو الوضوء أو الصلاة إلا بأجرة، قالوا: فهذا حرام قطعاً، وعليه رد العوض ولا يملكه، ويلزمه الإجابة مجاناً لله بلفظه أو خطه إن طلب المستفتي الجواب كتابة؛ لكن لا يلزمه الورق والحبر. وأجاز الحنفية وبعض الشافعية أخذ المفتي الأجرة على الكتابة لأنه كالنسخ، وقال المالكية: يجوز للمفتي أخذ الأجرة على الفتوى ما لم تتعين عليه. وبدراسة الآراء السابقة بتمعن يخلص إلى أن هذا الفقيه إذا كانت الفتوى تعينت عليه بأن لم يوجد في المدينة من يقوم بفتوى الناس في دينهم غيره فلا يجوز له أخذ الأجرة عليها اتفاقاً من الأفراد المستفتين. ويجوز له أخذها من بيت المال اتفاقاً. وإذا ما احتاج أهل بلد إلى من يتفرغ لفتاواهم فلا حرج أن يخصصوا له راتباً من أموالهم الخاصة.
رواتب الفقهاء تصل إلى 40 مليون دولار
وقد أثار عمل الفقهاء في المؤسسات المالية اهتمام العديد من المؤسسات الصحافية العالمية منظراً إلى قلة عددهم مع ارتفاع رواتبهم نظراً لأن غالبيتهم يعملون لدى أكثر من مؤسسة. حيث إن عدد الفقهاء في المؤسسات المالية الإسلامية لا يتعدى 260عالماً على مستوى العالم ممن تتوافر فيهم المعرفة الضرورية لتلك الصناعة. إلا أن هناك عددا محدودا جداً ممن تتوافر لديهم ميزة الجمع بين المعرفة بشؤون الأعمال والمهارات اللغوية الضرورية التي تؤهلهم للعمل لدى المؤسسات المالية العالمية الكبرى مثل بنوك سيتي جروب، وبنك باركليز، وبنك إتش إس بي سي وغيرها. وتؤكد فوربس أن دخول هؤلاء الفقهاء تبلغ عشرات الملايين سنوياً. ويتراوح أجر الفقيه في المؤسسة الواحدة بين 10 آلاف دولار ومليون دولار في العام.
وهناك ظاهرة ناتجة من قلة عدد الفقهاء وهي اشتراك الفقيه الواحد في الهيئات الشرعية لعدد كبير من المؤسسات المالية الإسلامية حتى إن بعضهم يشترك في عضوية 40 مؤسسة حول العالم أي أن دخل بعض الفقهاء قد يصل إلى 40 مليون دولار سنوياً. وهناك مقارنة بين تلك الظاهرة وبين أخلاقيات المهنة التي تمنع كبار التنفيذيين الأمريكيين على سبيل المثال من الدخول في عضوية شركات أخرى بخلاف التي يعملون بها. وفي تعليقه على تلك الظاهرة يقول جوزيف كونولي – أستاذ التمويل الإسلامي الفرنسي - إن الفقهاء المسلمين يشتتون أنفسهم عند العمل لدى أكثر من مؤسسة مالية. ويشير إلى إحصاءات توضح أنه من بين 50 ألف مدير للشركات العامة في الولايات المتحدة لا يوجد سوى 200 فقط من بينهم يشاركون كأعضاء في ستة مجالس إدارة أو أكثر، وهي نسبة ضئيلة لا تتجاوز 0.5 في المئة فقط. ويقول إن عضوية الفقيه في أكثر من بنك تثير المخاوف من إمكانية تسرب معلومات سرية. ويضرب مثالاً بصفقة في بنك إسلامي تقدر بمليارات الدولارات يتنافس علها بنك آخر واشترك أحد الفقهاء في مجلس إدارة كلا البنكين. وفي هذه الحالة فإن المخاوف تتزايد حول إمكانية الاستفادة من معلومات سرية لحساب أحد الطرفين. أما همايون دار - كبير التنفيذيين في مؤسسة إم بي إم الاستشارية بلندن - فيوضح أن المؤسسات الغربية في مجال الاقتصاد الإسلامي يغلب فيها العمل مع الأسماء الكبيرة التي تعمل معها ورسخت سمعتها على مدار الأعوام الماضية، لأن أنظمة إدارة المخاطر التي تعمل بموجبها تتطلب منها ذلك. وتضيف المجلة أن الاقتصاد الإسلامي يعاني من تلك المعضلة التي استفاد منها عدد من الفقهاء، حيث إن الطلب عليهم في تزايد خاصة مع الطفرة التي يشهدها الاقتصاد الإسلامي، مشيرة إلى أن الموجودات التي تتفق مع أحكام الشريعة لا تقل قيمتها عن 500 مليار دولار. ويظهر مدى نمو تلك الصناعة باستقراء الأرقام إذ لم تتجاوز الاستثمارات بها 150 مليارا قبل عقد من الزمان، وساعتها لم يكن عدد الفقهاء العاملين في المؤسسات المالية يتجاوز 20 فقيهاً فحسب.