الإغلاقات انتهت والعمل من المنزل مستمر.. لماذا؟
في شباط (فبراير) من كل عام، يعبر فريق بودكاست بلانيت موني الرائع التابع للإذاعة الوطنية العامة الأمريكية عن حبهم المهووس بالتكنولوجيا لإصدارات البيانات التي لا تحظى بالتقدير الكافي أو أدوات تتبع سلاسل التوريد الغامضة. هذا العام، كشفت المستضيفة المشاركة، أماندا أرونشيك، أن تعبيرها للحب سيكون للمكتب. تحب أرونشيك روح الزمالة التي تقدمها حياة المكاتب.
نظرا إلى أنه تعبير عن الشعور، فقد كان حلوا مرا. في بداية اليوم، قالت أرونشيك، "كنت أسير في الشارع واثقة بنفسي حاملة صندوقا في داخله 12 قطعة دونات مزينة"، كانت تتطلع لتفاعل زملائها في مكتب بلانيت موني الصغير في وسط مانهاتن. لكن معظم أعضاء الفريق كانوا منتشرين حول البلد، وكانت كل اجتماعاتها في ذلك اليوم على منصة زووم. في نهاية اليوم، بدت يائسة إذ إنها وضعت ست قطع دونات لم تؤكل في الثلاجة قبل العودة إلى المنزل.
بعد تقريبا ثلاثة أعوام من فرض إيطاليا أول إغلاق على مستوى البلد خلال الجائحة، لا يزال جزء كبير من العالم في قبضة ما أطلق عليه الاقتصاديون خوسيه ماريا باريرو، ونيكولاس بلوم، وستيفن ديفيس "التباعد الاجتماعي الطويل". على الرغم من انقضاء المرحلة الخطيرة من الجائحة في العالم الغربي، فإن أنماط العمل لم تعد إلى طبيعتها.
أجرى باريرو والآخرون مسحا للأمريكيين في سن العمل منذ أيار (مايو) 2020، مستهدفين الذين لديهم تاريخ في العمل مدفوع الأجر. وجدوا أنه قبل الجائحة، أقل من 5 في المائة من أيام العمل كانت تقضى في العمل من المنزل - نتيجة ارتفاع بطيء طويل من أقل من 0.5 في المائة في الستينيات إلى 1 في المائة في أوائل التسعينيات. في الموجة الأولى من الجائحة، قفز هذا الرقم إلى أكثر من 60 في المائة قبل أن يتراجع بسرعة.
لكن اللافت للنظر هو أن الرقم استقر عند مستويات كانت تبدو غير متوقعة قبل الجائحة. في كانون الثاني (يناير) 2021، أكثر من 35 في المائة من أيام العمل كانت تقضى في العمل من المنزل. وبحلول يناير 2022 - بعد التوزيع المذهل للقاح وإصابة نسبة كبيرة من سكان الولايات المتحدة بالعدوى - كان 33 في المائة من الأيام لا تزال تقضى في العمل من المنزل. ظل هذا الرقم عند نحو 30 في المائة طوال العام الماضي قبل أن ينخفض إلى 27 في المائة في استطلاع يناير.
قد يكون هذا الانخفاض الأخير ضجيجا إحصائيا، وربما يعكس عادات وسياسات جديدة للعام الجديد. في كلتا الحالتين، حتى 27 في المائة تعد تحولا جذريا من 5 في المائة لـ2019. العمل من المنزل سائد بشكل خاص في أكبر المدن الأمريكية - ما قد يفسر عدم قدرة أماندا أرونشيك على تقديم 12 قطعة دونات في وسط مانهاتن.
تشير البيانات الواردة من مكتب الإحصاءات الوطنية في المملكة المتحدة، مع أنه لا يمكن مقارنتها بالمسح أعلاه بشكل مباشر، إلى صورة مشابهة: يقول ما بين 30 و40 في المائة من الموظفين إنهم عملوا من المنزل "في الأيام السبعة الماضية"، ولا توجد مؤشرات تذكر على انخفاض هذا الرقم. من الصعب الاعتقاد أننا سنعود إلى حضور بـ95 في المائة في مكان العمل في حياتي.
ما سبب ذلك، وماذا يمكن أن تكون التداعيات؟ لا يزال بعض الناس يخشون العدوى، لكن بالنسبة إلى معظم الناس، يعكس التغيير تحولا دائما في كيفية رؤيتنا للعمل الهجين والعمل عن بعد. هناك عدة عوامل وراء هذا التحول.
الأول هو أننا تعلمنا أن العمل من المنزل ناجح أكثر من المتوقع. في دراسة مشهورة الآن أجريت في 2015، وجد بلوم وزملاؤه أن العاملين في وكالة سفر صينية كانوا أكثر إنتاجية بشكل كبير بعد توزيعهم عشوائيا للعمل عن بعد. في ذلك الوقت، بدا أن قلة من الناس يعتقدون أن هذا الاستنتاج سينتقل إلى معظم الأعمال المكتبية. كانوا مخطئين. بعد أن أجبرت الجائحة الناس على تجربة العمل عن بعد، اكتشف كثير منهم أنه ناجح تماما.
العامل الثاني هو الاستثمار، لقد أجبرنا العمل عن بعد على الحصول على كاميرات ويب جديدة وكراسي مكتب مريحة في المنزل، واستبدلنا شبكة واي فاي المتقطعة بأجهزة سلكية للاتصالات عريضة النطاق. كما علمنا أنفسنا استخدام منصات زووم، وتيمز، ودروب بوكس، وجوجل دوكس. كان حضور اجتماع عبر الفيديو أو تقديم عرض تقديمي افتراضي يبدو سابقا مهمة شاقة بمعدات غير كافية. أما الآن فلا يبدو الأمر أكثر تعقيدا من كتابة بريد إلكتروني.
أما الركيزة الثالثة الداعمة لهذا التحول الدائم هي أنه تحول قمنا به معا. هذا يغير الديناميكية الاجتماعية، من خلال عدم تشويه صورة الذين يختارون العمل من المنزل لكل أيامهم أو بعضها. كما يقلل من فوائد التنقل، لماذا تزعج أرونشيك نفسها بالذهاب إلى مكتب في مانهاتن إذا كان البقية يجرون اتصالا من بروكلين أو شمال نيويورك أو حتى المكسيك؟
باعتباري شخصا نادرا ما أعتاد زيارة مكاتب "فاينانشال تايمز" حتى قبل الجائحة، فإن حقيقة أن الآخرين قد تحولوا للعمل عن بعد له آثار ملحوظة علي. يمكنني بسهولة المشاركة في ندوات لندن، أو جلسات التدريب المكتبية، أو حتى محاضرة تدريبية من دراستي في جامعة أكسفورد. نادرا ما كان يتم بث هذه الندوات أو الجلسات في الماضي. كان من الغريب فعل ذلك، أما الآن يبدو من الغريب عدم فعله.
تم تقصي بعض الآثار المترتبة على كل هذا جيدا، سيتعين على سوق العقارات أن تتكيف، ربما بمزيد من الشقق ومساحة مكتبية أقل في المواقع الرئيسة سابقا، ومن المرجح أن تتمتع المطاعم والمتاجر والأندية الرياضية في البلدات الصغيرة بفوائد توفير الخدمة للمقيمين الذين يعملون عن بعد في المدن البعيدة، وسيتعين على المديرين معرفة كيفية الإدارة عن بعد، وكيفية التعامل مع تعقيدات ترتيبات العمل الهجين.
لكن هناك درسا آخر نتعلمه - درسا عن خمولنا الذاتي. لم يعد معظم الأشخاص الذين يعملون من المنزل يفعلون ذلك بدافع الحذر أو المسؤولية الاجتماعية. بل يفعلون ذلك لأنهم يحبونه. كان بإمكانهم العمل من المنزل في 2019، لكن معظمهم لم يفعلوا ذلك. هذا الأمر يثير السؤال التالي، ما العادات الشخصية والثقافية الأخرى التي اكتسبناها ويجب علينا إعادة التفكير فيها؟ ينبغي ألا يتطلب الأمر أن تتفشى جائحة عالمية حتى نجد طرقا أفضل لنعيش حياتنا.