البنوك الإسلامية «باستثناء النوافذ» تشكل 20 % من حجم البنوك الخليجية
لم يعد هناك شك في أن التمويل الإسلامي فرض نفسه بقوة على الساحة المالية العالمية خلال السنوات العشرة الأخيرة؛ فمعدلات النمو الكبيرة التي شهدتها الصناعة خلال السنوات الخمس الأخيرة فاقت كل التوقعات وتجاوزت في كثير من المناطق حاجز الـ 25 في المئة سنوياً.
ولعل هذا النمو المطرد يحمل في طياته الكثير من الدلالات ومن أهمها زيادة الطلب على المنتجات المالية المتوافقة مع الشريعة متزامناً مع رحابة أحجام السيولة في المناطق التي تحتضن المؤسسات المالية الإسلامية لا سيما منطقة الخليج العربي. وهذا بالطبع ما حدا بالعديد من السلطات الإشرافية في الدول غير الإسلامية إلى التوجه نحو إصدار تشريعات تتواءم مع معطيات التمويل والاستثمار الإسلامي مثل بريطانيا وسنغافورة اللتين تشتملان على أبرز المراكز المالية في العالم.
ويدرك المختصون والخبراء الماليون والاقتصاديون أن الأزمة المالية العالمية وإن أطلت علينا بشكل مفاجئ بداية الربع الأخير من العام 2008، إلا أن مؤشراتها ظهرت قبل ذلك بكثير خلال الأعوام 2006 و 2007 نتيجة لأسباب تاريخية تعود إلى الأعوام 2003 و 2004 و2005؛ فلا يعقل أن تنهار كبريات البنوك العالمية بلمح البصر دون وجود مؤشرات على تلك الانهيارت التي افتتحها البنك الأضخم في العالم ستي جروب الأمريكي منذ فترة طويلة.
ولسنوات خلت ظلت البنوك الإسلامية التجارية في الخليج العربي تفوق في أدائها المتمثل في تعظيم ثروات المساهمين نظيراتها التقليدية. ولم يكن الفارق خلال تلك السنوات بالبسيط، فالعائد على حقوق مساهمي البنوك الإسلامية كان يفوق نظيره للبنوك التقليدية بما يتراوح بين 2-5 في المئة. والأكبر من ذلك أن هناك بنوكاً إسلامية حطمت كل الأرقام القياسية والمتعارف عليها كمتوسطات صناعة على مستوى الخليج العربي أو الوطن العربي أو حتى المستوى العالمي، وهو أمر حدا بالعديد من الطامحين في تعظيم الثروة إلى ركوب الموجة التي من خصائصها الطبيعية الانحدار بعد الارتفاع ومن ثم الارتفاع.
أداء البنوك الإسلامية انخفض بشكل أكبر من التقليدية خلال الأزمة ولما بدأت الأزمة المالية العالمية تلقي بظلالها على العالم أجمع وعلى منطقتنا بشكل خاص، ظهرت أصوات تقول إن البنوك الإسلامية بعيدة عن الأزمة وإن الأثر إنما طال بعض البنوك التقليدية التي كانت تنخرط بنشاطات تتعلق بسوق العقار الأمريكي وأسواق المشتقات المالية العالمية. ولعل هذه الآراء تشتمل على جانب من الحقيقة ولكن ليس كلها. حيث إن نتائج العام 2008 تشير إلى أن أداء البنوك الإسلامية الخليجية تدنى بشكل أكبر من تدني أداء نظيراتها التقليدية؛ فما الأسباب الكامنة وراء تلك الظاهرة رغم أن البنوك الإسلامية لم تنخرط بالعمليات المالية التي كانت وراء الأزمة المالية العالمية؟
وللإجابة عن هذا السؤال يمكن القول إن الأزمة المالية العالمية كان لها أثران، أولهما مالي (مباشر) وهو الذي أصاب مباشرة المؤسسات المالية التي كانت تستثمر بشكل مباشر في أدوات سوق الرهن العقاري الأمريكي، وثانيهما اقتصادي (غير مباشر) وهي الآثار الاقتصادية التي سببتها الأزمة المالية العالمية وكانت لاحقة لها على فترات زمنية أكثر طولاً، ومنها الركود الذي أدى إلى انخفاض قيم الكثير من الاستثمارات. وبشكل عام، فإن ما أصاب البنوك الإسلامية هو الأثر الاقتصادي غير المباشر للأزمة فأثر فيها بشكل أكبر من تأثيره في البنوك التقليدية نظراً لاشتمال ميزانياتها على أصول عينية ومالية تدنت قيمتها بشكل كبير من جراء الأزمة؛ ما حدا بالبنوك الإسلامية إلى أخذ مخصصات كبيرة تحوطاً لخسائر في تقييم الاستثمارات، وهو أمر بالضرورة أدى إلى انخفاض صافي دخلها بمعدل أكبر من انخفاضه في البنوك التقليدية، إلا أن إجمالي الدخل في البنوك الإسلامية ظل أعلى نمواً وحصة (مقارنة بفارق الحجم) من البنوك التقليدية في الخليج العربي.
ورغم أن الأزمة ألمت بالعالم أجمع نظراً لارتباط الكثير من معطيات الاقتصاد العالمي بالاقتصاد الأمريكي إلا أن تأثر النظام المصرفي الخليجي بشكل خاص والعربي بشكل عام بتداعيات الأزمة المالية العالمية وجانبها الاقتصادي لم يكن إلا تأثراً محدوداً باستثناء بعض الحالات التي كانت تستثمر بشكل مباشر في الأصول المسمومة في الأسواق المالية العالمية وذلك حسب إفصاحاتها.
ولتوضيح مدى تأثر الجهاز المصرفي بتداعيات الأزمة لا بد من التنويه إلى أن الأزمة المالية العالمية أوجدت أزمة اقتصادية عالمية أي أن ما نتج من الاستثمار بالأصول المسمومة وخسائر بالتريليونات في الأسواق المالية العالمية نتج منه أزمة اقتصادية تمثلت بالركود والتباطؤ وفقدان الوظائف وغيرها من الظواهر الاقتصادية.
وبالنسبة للمصارف الخليجية كان منها من تأثر بشكل مباشر بالأزمة، حيث كان يستثمر بشكل مباشر بالأدوات المالية التي نتجت منها الأزمة، وفي المقابل كان هناك كم كبير منها لم يستثمر بتلك الأدوات لا سيما المصارف الإسلامية التي يمنعها نموذج أعمالها المستند إلى الشريعة الغراء من الدخول في مثل تلك الأسواق لما فيها من تعامل ربوي وغرر ومقامرة.
وتشير بيانات شركة المشورة والراية للاستشارات المالية الإسلامية – الكويت إلى أن معدل نمو الموجودات لدى البنوك الإسلامية كان مرتفعاً عن البنوك التقليدية لسبب أساسي يعزا إلى انخفاض أساسات الاحتساب (سبب رياضي)، ومع ذلك انخفض معدل نمو موجودات البنوك الإسلامية في 2008 ليصل إلى 23 في المئة بعد أن كان 36 في المئة في العام 2007 لعدة أسباب ومنها إعادة تقييم الأصول المالية والعقارية مع العلم أن البنوك الإسلامية تمتلك في محافظها نسبا مرتفعة من الاستثمارات العقارية (تصل إلى 20 في المئة وفقاً لموديز).
نمو الأصول حسب الدول
تشير البيانات إلى أن إجمالي موجودات بنوك الكويت كان الأقل نمواً على مستوى الخليج، حيث نمت فقط بنسبة 10.6 في المئة في العام 2008 عن العام 2007 في حين أن موجودات البنوك الإسلامية الكويتية نمت بواقع 19.4 في المئة ونمت نظيراتها التقليدية بواقع 7 في المئة فقط. وكانت البنوك القطرية الأعلى نمواً على الصعيد الخليجي، حيث سجلت معدل 34.7 في المئة ونمت بنوكها الإسلامية بواقع 51.9 في المئة ونمت التقليدية منها بواقع 31.2 في المئة، وتلت قطر البحرين في المرتبة الثانية من حيث معدل النمو بواقع 33.3 في المئة بشكل عام ونمت الإسلامية البحرينية بواقع 33.4 في المئة والتقليدية بواقع 5.2 في المئة. وتجدر الإشارة هنا إلى أن معدلات النمو وفوارقها بين الدول لا تعد دليلاً قاطعاً على المفارقة في زيادة الحجم بين الدول لأن معدل نمو بمقدار 1 في المئة في المصارف الإماراتية أو السعودية الضخمة يعني عدد دولارات أكبر بكثير من تلك الناتجة عن معدل النمو في البنوك القطرية أو البحرينية أو حتى الكويتية ذات الحجم المتوسط بينهما.
توزيع الموجودات حسب الدول
كما تشير البيانات إلى أن دولة الإمارات العربية المتحدة تمتلك أكبر حجم خليجي من حيث موجودات البنوك، حيث تشكل ما نسبته 34.8 في المئة من إجمالي موجودات البنوك تليها السعودية (33.3 في المئة) تليها الكويت بواقع 16.2 في المئة فقطر بواقع 11 في المئة والبحرين أخيراً بواقع 5 في المئة.
أما بالنسبة لموجودات البنوك الإسلامية فتمتلك السعودية الحصة الأكبر بنسبة 33.2 في المئة، فالإمارات بنسبة 29 في المئة، فالكويت بنسبة 25.2 في المئة، فقطر بنسبة 10.4 في المئة، وأخيراً البحرين بنسبة 2.3 في المئة. مع الإشارة أن البحرين تمتلك عدداً كبيراً من بنوك الاستثمار التي لم تشتمل عليها الدراسة نظراً لاقتصارها على البنوك التجارية.
أحجام البنوك الإسلامية التجارية الخليجية
تشكل موجودات البنوك الإسلامية ما نسبته 20 في المئة من إجمالي موجودات البنوك التجارية الخليجية، ومع ذلك فإن حصة البنوك الإسلامية ترتفع بشكل كبير على حصة البنوك التقليدية في عدد من المؤشرات الأخرى مثل حقوق المساهمين وإجمالي الدخل؛ ما يعني أن تلك البنوك لها أثر في الجهاز المصرفي يحسب حسابه رغم قلة حجمها نسبة إلى البنوك التقليدية.
لكن حجم البنوك الإسلامية الخليجية يختلف تبعاً للدول التي تحتضنها، حيث إن الحجم الأكبر يتركز في السعودية والإمارات والكويت ثم قطر فالبحرين.
إجمالي الدخل وصافي الدخل والمخصصات
تسهم البنوك الإسلامية بما لا يقل عن 30 في المئة من إجمالي دخل البنوك التجارية الخليجية، وهو كما أسلفنا مرتفع بالمقارنة مع أحجام تلك البنوك التي تشكل 20 في المئة في إجمالي أحجام البنوك الخليجية، وهذا يعد مؤشراً قوياً على مدى إسهام البنوك الإسلامية في فعالية الجهاز المصرفي الخليجي، بالإضافة إلى أنها شكلت صمام أمان ضد الاستثمار في الأصول المسمومة خلال الأزمة المالية العالمية. إلا أن الأثر الاقتصادي للأزمة أثر في البنوك الإسلامية بشكل أكبر من تأثيره في البنوك التقليدية نتيجة احتفاظ البنوك الإسلامية بنسبة لا تقل عن 20 في المئة من موجوداتها على شكل أصول عينية ومالية انخفضت قيمتها مع هبوط الأسواق؛ الأمر الذي حدا بتلك البنوك إلى أخذ مخصصات لمواجهة خسائر محتملة في تقييم الاستثمارات، بالإضافة إلى خسائر محتملة قد تنتج من عدم السداد لبعض الحاصلين على تمويلات منها؛ الأمر الذي أدى إلى انخفاض صافي دخل البنوك الإسلامية بشكل ملحوظ ليسجل أدنى انخفاض له بالتاريخ ويصل إلى -16 في المئة في الوقت الذي نما فيه صافي دخل البنوك التقليدية بواقع 4.31 في المئة.
ومن الجدير ذكره أن صافي دخل البنوك الإسلامية بدأ ينخفض منذ العام 2006 (30 في المئة) ليصل إلى (28 في المئة) في 2007، مع العلم أن النفقات التشغيلية بدأت بالارتفاع منذ العام 2006. وقد وصل معدل نمو مخصصات انخفاض قيم الاستثمارات ومخصصات خسائر التمويل المحتملة إلى 296 في المئة في العام 2008 للبنوك الإسلامية في حين بلغ هذه المعدل للبنوك التقليدية 91.3 في المئة.
متعاملو الأسواق لا يزالون يفضلون اقتناء أسهم البنوك الإسلامية
المتعاملون في الأسواق المالية لا يزالون يفضلون اقتناء أسهم البنوك الإسلامية على اقتناء أسهم البنوك التقليدية، وهذا ما يمكن استنباطه من ارتفاع نسبة القيمة السوقية إلى الدفترية للبنوك الإسلامية عن البنوك التقليدية، حيث بلغت هذه النسبة في العام 2008 للبنوك الإسلامية 1.92 حتى مع انخفاض صافي دخل البنوك الإسلامية في حين كانت هذه النسبة للبنوك التقليدية 1.71 وذلك على الرغم من انخفاض قيمها السوقية بشكل أقل من انخفاض القيم السوقية للبنوك الإسلامية.