قراءات
تشكيلات على لوحة الزمن
يتناول الكاتب المغربي مصطفى إسماعيلي في روايته "تشكيلات على لوحة الزمن" أحداثا كثيرة وجوانب متنوعة في الحياة، إلا أنها وحدة متكاملة. وحاول الكاتب من خلال عدد من الشخوص الذين يسكنون أو يعملون في فندق سان ميشال في الحي اللاتيني في باريس، وينتمون إلى ثقافات وجنسيات وأوطان مختلفة، رصد المفاهيم الفكرية والأحاسيس الدفينة والهواجس التي تسكن دواخل الإنسان في علاقة جدلية ومركبة حول وجوده على هذه الأرض، وذلك بوضع تساؤلات حولها وتوصيفها بشكل عميق ينقل الكلمات إلى صور ناطقة أمام أعين القارئ. ويستعرض الرواية، الصادرة عن دار فضاءات للنشر والتوزيع في عمان، التيمة الأساسية في الرواية وهي "مكيافيلية الزمن" بشكل متداخل وملتبس مع التيمات الفرعية الأخرى "كعبثية الموت والأقدار، وشطحات الذاكرة وعتمة النسيان ووجع الغياب، والخوف واللاوثوقية، والفرح والاحتفالية والحب الكبير، وغيرها من مشاعر وأحاسيس إنسانية تتداعى في ظل المتغيرات الزمنية والمكانية".
الشرطي الثالث
كل شيء عن رواية "الشرطي الثالث" لفلان أوبراين يكتنفه الغموض، بدءا بتأخر نشرها، وليس انتهاء بما جعلها تحفة تستحق المقارنة بالواقعية العجائبية لكافكا الذي كان أوبراين، وفقا لكاتب سيرته الذاتية، معجبا بأعماله وإن لم يعترف بذلك. تبدأ قصة الرواية، الصادرة عن دار الرافدين في بيروت بترجمة إيناس التركي، بجريمتي قتل وسرقة يرتكبهما الراوي المجهول الاسم الذي ينوي استخدام غنائم الجريمة لنشر كتاب يتضمن تعليقاته على كتابات فيلسوف معتوه يدعى دو سيلبي افترض أن الأرض بشكل السجق، وأن الليل شكل من أشكال التلوث الجوي، وأن الزمن والحياة مجرد هلاوس. من تلك اللحظة فصاعدا، تصبح الرواية، التي تنتمي إلى الكوميديا سوداء وتتناول طبيعة الزمن والموت والوجود أكثر غرابة، إذ يجد الراوي نفسه في بعد بديل، أما النقطة الأكثر إثارة للدهشة فيدخرها الكاتب للخاتمة، حين يكتشف الراوي حقائق مربكة حول وضعه الميتافيزيقي.
امرأة من بيروت
رواية ترصد المشهد السياسي لما شهدته بيروت من تحولات منذ الحرب الأهلية تبدو رغبة الروائية اللبنانية هند مطر في إبداع رواية "المدينة" عبر عملها "امرأة من بيروت" الذي يعد رواية زاخرة بالأفكار والرؤى والأحوال والتعاسات والطموحات وما لا حصر له من التفاصيل، التي لا يمكن أن توجد بهذه الكثافة إلا في عمل روائي. في هذه الرواية تكتب مطر التاريخ الخاص لبيروت وما شهدته من تحولات منذ الحرب الأهلية اللبنانية 1975 حتى كارثة انفجار مرفأ بيروت 2020، فترصد المشهد السياسي من خلال "جيهان" بطلة الرواية، وما تحمله ثقل ذاكرتها عن وسط بيروت وعن عائلتها. فما بين استشهاد أبيها في الحرب الأهلية طفلة في بداية الرواية، واستشهاد أمها وأخيها في انفجار المرفأ في نهاية الرواية، تموت بطلة الرواية حية. عبر هذا الخطاب الروائي تؤلف هند لحمتها النصية بين التاريخي والثقافي، دامغة أفقها بصبغة البحث المحموم عن "ماهية المدينة"، ومعدن عراقتها، وأصالة أهلها.