قوة ريختر
تعد الزلازل من أكثر الكوارث إثارة لقلق الإنسان في كل بقاع الأرض، فهي أمر أكبر من طاقة البشر. وهو عاجز عن توقع مواعيد حدوثها رغم كل التطور الذي وصلت إليه أدواته، وثوان معدودة منها قادرة على نشر دمار يفوق سائر الكوارث الطبيعية. فما تحدثه من دمار يكاد لا يصدقه عقل، 65 ثانية منها كانت كافية لإحداث كارثة بشرية في مساحة واسعة من تركيا وشمال سورية خلفت آلاف القتلى ومئات الجرحى، وتركت المدن خاوية على عروشها لا تكاد تسمع فيها صوتا سوى أصوات المعدات الثقيلة التي تحاول انتشال الجثث من تحت الركام!
ورغم أن العلم لا يزال عاجزا حتى الآن عن توقع المواعيد التي ستضرب فيها الزلازل هذه المنطقة أو تلك، إلا أنه توصل إلى معرفة كثير عن هذه الظاهرة الطبيعية المرعبة، وعن أسبابها، وبالتالي تحديد المناطق الأكثر عرضة لها من غيرها.
ويعود الفضل في ذلك إلى مجموعة من العلماء على رأسهم تشارلز فرانسيس ريختر عالم الزلازل والفيزيائي الأمريكي من أصول ألمانية، الذي بدأ حياته في العمل كمساعد باحث في مختبر الزلازل الذي أنشئ في مدينة باسادينا في ولاية كاليفورنيا في 1927، وهناك بدأ يهتم بعلم الزلازل خصوصا، وشكل مع مدير المختبر بينو جوتنبرج ثنائيا منسجما عملا لأعوام طويلة محاولين اكتشاف طريقة لقياس الزلازل ومقارنتها. وفي 1935 طور ريختر وجوتنبرج جهازا لقياس شدة الزلازل، وهو عبارة عن أداة تسجل حركة الأرض الناتجة عن أي زلزال. وقد يدهشك عندما تعلم أن سطح الأرض يشهد سنويا أكثر من مليون هزة مختلفة القوى، ولا يشعر الإنسان إلا بنحو الثلث منها. ولحسن الحظ، فإن عدد الهزات التي تخلف وراءها دمارا أو خسائر بشرية، هو أقل من ذلك بكثير!
تعد الزلازل الحركية الطبيعية أقوى وأكثر خطورة من الزلازل البركانية، وتراوح قوة الزلازل على مقياس ريختر من مجهرية "أقل من 1.0 إلى 2.9 ريختر"، لا يشعر الناس بها وتعادل 1800 كيلو جرام من المتفجرات، وتحدث في العام أكثر من 100 ألف مرة، وعندما تتعدى قوة الزلازل أربعة ريختر يشعر بها الجميع وتوازي قوتها 56 ألف كيلو جرام من المتفجرات ويتكرر حدوثها من ألفي إلى 12 ألف مرة في العام. أما إذا تجاوزت قوة الزلزال 7.9 ريختر يتحول إلى زلزال كارثي مدمر وتوازي قوته 1.8 مليار كيلو جرام من المتفجرات، ويتكرر حدوثه أقل من ثلاث مرات في العام محدثا دمارا شاملا وعلى مساحات واسعة!