المحاكم حائرة .. هل الذكاء الاصطناعي "مخترع"؟

المحاكم حائرة .. هل الذكاء الاصطناعي "مخترع"؟

تواجه المحاكم في جميع أنحاء العالم بشكل متزايد السؤال المعقد الذي يدور حول ما إذا كان في الإمكان التعامل مع تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في القانون على أنها "صاحبة اختراع".
يستمر الذكاء الاصطناعي في إحداث ثورة في مجالات متعددة مثل اكتشاف الأدوية، لكن القانون لا يستطيع مواكبة هذا التغيير التكنولوجي، كما يتضح من دعاوى قضائية مرفوعة في جميع أنحاء العالم نيابة عن "دابوس" Dabus، وهي شبكة عصبية اصطناعية.
في العام الماضي، تقدم ستيفن ثالر، خبير الذكاء الاصطناعي المقيم في الولايات المتحدة بطعن قانوني في المحاكم الإنجليزية ضد مكتب الملكية الفكرية في المملكة المتحدة، بعد أن رفض المكتب طلبين لبراءتي اختراع أوضحتا أن دابوس هو المخترع، الاختراع الأول حاوية طعام قادرة على تغيير شكلها، والآخر جهاز يصدر وميضا ضوئيا متقطعا.
تقدم ثالر بطلب براءتي الاختراع إلى مكتب الملكية الفكرية في المملكة المتحدة في 2018. لكن المكتب رفض الطلب بموجب قانون براءات الاختراع البريطاني لعام 1977، الذي يقصر عملية الاختراع على "الأشخاص الطبيعيين"، استأنف ثالر ضد قرار المكتب لدى المحاكم وفي العام الماضي أيدت محكمة الاستئناف قرار مكتب الملكية الفكرية في المملكة المتحدة.
المحاكم في الولايات المتحدة وأوروبا تبنت وجهة نظر مشابهة بشأن دابوس "تم الاستئناف ضد بعض هذه الأحكام".
مع ذلك، قضت المحكمة الفيدرالية الأسترالية في تموز (يوليو) 2021 بأن دابوس يمكن اعتباره مخترعا بحسب تفسير وتطبيق القانون الأسترالي. وفي جنوب إفريقيا نجح المشروع في الحصول على براءة اختراع تدرج دابوس باعتباره مخترعا. لكن في تطور لاحق، ألغت محكمة الاستئناف الأسترالية، حكم المحكمة الفيدرالية في وقت سابق من هذا العام.
بين عامي 2002 و2018 زادت نسبة طلبات براءات الاختراع المقدمة إلى مكتب براءات الاختراع والعلامات التجارية في الولايات المتحدة، التي تشمل تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، من 9 في المائة إلى نحو 16 في المائة. لذلك، إذا قررت المحاكم والحكومات أنه لا يمكن تسجيل براءات لاختراعات الذكاء الاصطناعي، فقد تكون الآثار المترتبة عليها كبيرة.
وفقا لبعض المحامين، دون الاستفادة من براءة الاختراع قد تلجأ الشركات إلى تقليل استثماراتها في الذكاء الاصطناعي، أو أن تتحفز أكثر للإبقاء على الاختراعات كأسرار تجارية، وبالتالي حرمان المجتمع من فوائد التكنولوجيات الجديدة.
جيلز بارسونز، الشريك في شركة براون جاكوبسون للمحاماة، يرى أن قانون براءات الاختراع الحالي ليس مهيئا بالشكل المناسب للتعامل مع التحديات التي تجلبها الثورة الصناعية الرابعة. قال: "نحن بحاجة إلى نظام جديد لعصر جديد". لكن بعض المحامين يقولون أيضا إن الذكاء الاصطناعي لم يصل بعد إلى المرحلة التي يمكنه فيها تجاوز الذكاء البشري.
أشار نعوم شيمتوف، أستاذ قانون الملكية الفكرية والتكنولوجيا في جامعة كوين ماري في لندن، إلى أن معظم خبراء الذكاء الاصطناعي يعتقدون أنه لن يتم الوصول إلى هذا الحد إلا في 2075، لذلك القانون الحالي كاف. قال: "لذلك ليس من المنطقي أن يستعد نظام براءات الاختراع في الوقت الحاضر لمثل هذا التطور القائم على التخمين".
اتفقت معظم الردود على استشارة طلبها مكتب براءات الاختراع والعلامات التجارية في الولايات المتحدة في تشرين الأول (أكتوبر) 2020، على أن الذكاء الاصطناعي بشكله الحالي لا يمكن أن يخترع أو يؤلف دون تدخل بشري، بالتالي قوانين الملكية الفكرية الأمريكية الحالية تستطيع التعامل مع تطور الذكاء الاصطناعي.
غير أن بعض المحاكم بدأت في الاعتراف بإسهامات الذكاء الاصطناعي. في العام الماضي، قضت محكمة البراءات الفيدرالية في ألمانيا بأن المخترع المسجل في طلب براءة الاختراع يجب أن يكون شخصا طبيعيا، لكن يمكن أيضا إضافة نظام الذكاء الاصطناعي المسؤول عن الاختراع الأساسي.
حقوق التأليف والنشر التي تحمي الأعمال الفنية أو الموسيقى هي من المجالات الأخرى من الملكية الفكرية، التي سيتعين على عالم القانون التعامل معها. المملكة المتحدة هي إحدى الدول القليلة التي تحمي الأعمال التي تم إنشاؤها بواسطة جهاز حاسوب دون وجود مبتكر بشري لها. ويعرف "مؤلف" العمل المنتج بالحاسوب بأنه الشخص الذي يضطلع باتخاذ الترتيبات اللازمة لابتكار هذا العمل.
لكن بعض المنتقدين يجادلون بأن حماية حقوق الطبع والنشر لمثل هذه الأعمال مبالغ فيها. يعتقدون أن حقوق المؤلف، بجذورها في التأليف البشري والجهود الإبداعية، يجب أن تنطبق فقط على الإبداعات البشرية. وكانت حكومة المملكة المتحدة قد انتهت لتوها من استشارة عامة لمعرفة ما إذا كان القانون بحاجة إلى تغيير.
لكن الوضع مختلف في الولايات المتحدة. أوضح مكتب حقوق الطبع والنشر الأمريكي أنه لن يسجل الأعمال التي أنتجتها الطبيعة، أو الحيوانات، أو النباتات. وأعطى أمثلة أخرى للأعمال التي لا يمكنه تسجيلها، منها لوحة جدارية تم صنعها بواسطة فيل.
أخيرا تم إدراج الذكاء الاصطناعي ضمن هذه القائمة. ففي وقت سابق من هذا العام، رفض مكتب حقوق الطبع والنشر الأمريكي لوحة تم إنشاؤها بواسطة الذكاء الاصطناعي بعنوان "مدخل جديد إلى الجنة".
ادعى ثالر، خبير الذكاء الاصطناعي، أن ملكيته للآلة التي صنعها جعلته مالكا لحقوق الطبع والنشر الخاصة بها، لكن المكتب قال إن الصورة لم تكن "عملا تم تأليفه"، ولكي يحصل على حماية حقوق الطبع والنشر في الولايات المتحدة ينبغي أن يكون من صنع البشر.

الأكثر قراءة