تسخير قوة الخوارزميات لمساعدة الناس بدلا من استبدالهم
تفيد تقارير صادرة حديثا بأن شركة مايكروسوفت سعيدة بإطلاق برنامج الدردشة الآلي المطلق بالذكاء الاصطناعي ChatGPT الذي طورته شركة "أوبن أيه آي" الأمريكية، وهو برنامج ذكاء اصطناعي بلغة طبيعية، قادر على إنشاء نص يقرأ، كما لو كان إنسان هو من كتبه. ومن خلال الاستفادة من سهولة الحصول على التمويل على مدار العقد الماضي، استثمرت الشركات وصناديق رأس المال الاستثماري مليارات في سباق تسلح الذكاء الاصطناعي، ما أسفر عن تقنية يمكن استخدامها الآن لتحل محل البشر في مجموعة واسعة من المهام. قد تكون هذه كارثة ليست فقط بالنسبة إلى العمال، لكن أيضا بالنسبة إلى المستهلكين، بل حتى المستثمرين. بحسب دارون أسيموجلو، مؤلف مشارك "مع جيمس أ.روبنسون" في كتاب "لماذا تفشل الأمم: أصول القوة والازدهار والفقر"، (2019) و"الممر الضيق: الدول والمجتمعات ومصير الحرية، (2020)".
إن المشكلة بالنسبة إلى العمال واضحة: سيكون هناك عدد أقل من الوظائف التي تتطلب مهارات تواصل قوية، وبالتالي ستقل فرص العمل بأجور جيدة، وسيحتفظ عمال النظافة والسائقون وبعض العمال اليدويين بوظائفهم، لكن يجب أن يتوقع العمال في المجالات الأخرى فقدان وظائفهم في أي وقت. يجب النظر إلى خدمة العملاء. بدلا من توظيف أشخاص للتفاعل مع العملاء، ستعتمد الشركات بشكل متزايد على أنظمة الذكاء الاصطناعي المولدة مثل تطبيق ChatGPT لتهدئة المتصلين الغاضبين بكلمات ذكية ومطمئنة. إن تراجع معدل الوظائف للمبتدئين يعني فرصا أقل لبدء حياة مهنية، ما يؤدي إلى استمرار الاتجاه الذي أرسته التقنيات الرقمية السابقة.
قد يواجه المستهلكون أيضا تحديات مماثلة. قد تكون برامج الدردشة الآلية جيدة في التعامل مع جميع الأسئلة الروتينية، لكن ليست الأسئلة الروتينية هي التي تدفع الأشخاص عموما إلى الاتصال بخدمة العملاء. عندما تكون هناك مشكلة حقيقية -مثل توقف شركة طيران أو انفجار أنبوب في الطابق السفلي لديك- فأنت تريد التحدث إلى محترف مؤهل جيدا ومتعاطف يتمتع بالقدرة على حشد الموارد وتوفير الحلول في الوقت المناسب. أنت لا تريد الانتظار لمدة ثماني ساعات، لكنك لا تريد التحدث على الفور إلى روبوت محادثة بليغ، لكنه عديم الفائدة في نهاية المطاف.
في عالم مثالي، على سبيل المثال، ستظهر شركات جديدة تقدم خدمة أفضل للعملاء وتستولي على حصتها في السوق. لكن في العالم الحقيقي، هناك عديد من الحواجز التي تجعل من الصعب على الشركات الجديدة التوسع بسرعة. قد تحب مخبزا قريبا من منزلك أو ممثل شركة طيران ودودا أو طبيبا معينا، لكن فكر فيما يلزم لإنشاء سلسلة متاجر بقالة جديدة أو شركة طيران جديدة أو مستشفى جديد. تتمتع الشركات القائمة بمزايا كبيرة، بما في ذلك أشكال مهمة للقوة السوقية التي تسمح لها باختيار التقنيات المتاحة التي ينبغي لها اعتمادها واستخدامها كيفما تشاء.
والأهم من ذلك أن الشركات الجديدة التي تقدم منتجات وخدمات أفضل تتطلب عموما تقنيات جديدة، مثل الأدوات الرقمية التي يمكن أن تجعل العمال أكثر فاعلية وتساعد على إنشاء خدمات مخصصة بشكل أفضل لعملاء الشركة. ومع ذلك، نظرا لأن استثمارات الذكاء الاصطناعي تضع التشغيل الآلي في المقام الأول، لم يتم إنشاء هذه الأنواع من الأدوات حتى الآن.
سيخسر المستثمرون في الشركات المتداولة علنا أيضا في عصر برامج الدردشة الآلية المطلقة. يمكن أن تعمل هذه الشركات على تحسين الخدمات التي تقدمها للمستهلكين من خلال الاستثمار في التكنولوجيات الجديدة لجعل القوى العاملة لديها أكثر إنتاجية وقدرة على أداء مهام جديدة، وكذا من خلال توفير قدر أكبر من التدريب لتحسين مهارات الموظفين. لكنها لا تفعل ذلك. لا يزال عديد من المديرين التنفيذيين مهووسين باستراتيجية سيتذكرها الناس في نهاية المطاف باعتبارها هزيمة ذاتية، حيث تتمثل هذه الاستراتيجية في تقليص فرص العمل وإبقاء الأجور عند أدنى مستوى ممكن. يتابع المسؤولون التنفيذيون هذه التخفيضات اتباعا لما يأمرهم به المحللون والخبراء الاستشاريون والماليون وغيرهم من المسؤولين التنفيذيين، ونظرا لأن وول ستريت تحكم على أدائهم مقارنة بالشركات الأخرى التي تضغط على العمال قدر المستطاع.
قد يعمل الذكاء الاصطناعي أيضا على تضخيم الآثار الاجتماعية الضارة. وبالفعل، بات من الممكن تحقيق ثروات هائلة من خلال شراء الشركات، وتحميلها بالديون أثناء التحول إلى القطاع الخاص، ثم تقليص القوى العاملة لديها، كل ذلك مع دفع أرباح عالية للمالكين الجدد. واليوم، ستعمل برامج الدردشة الآلية وتقنيات الذكاء الاصطناعي الأخرى على تيسير الضغط على العمال قدر الإمكان، من خلال مراقبة أماكن العمل، وظروف العمل الأكثر صرامة، وعقود ساعات العمل غير المحددة، وما إلى ذلك.
قد تخلف كل هذه الاتجاهات عواقب وخيمة على القدرة الشرائية، محرك الاقتصاد. لكن -كما يوضح كاتب المقال في كتابه "القوة قيد التقدم: كفاحنا المستمر منذ ألف عام من أجل التكنولوجيا والازدهار"- لا ينبغي أن يكون المحرك الاقتصادي المتعثر جزءا من مستقبلنا. بعد كل شيء، كان لإدخال الآليات الجديدة والاختراقات التكنولوجية عواقب مختلفة للغاية في الماضي.
منذ أكثر من قرن من الزمان، أحدث هنري فورد ثورة في إنتاج السيارات من خلال الاستثمار بكثافة في الآلات الكهربائية الجديدة وتطوير خط إنتاج أكثر فاعلية. صحيح أن هذه التقنيات الجديدة جلبت قدرا من التشغيل الآلي بلا شك، حيث مكنت مصادر الكهرباء المركزية الآلات من أداء مزيد من المهام بكفاءة أكبر. لكن إعادة تنظيم المصنع الذي صاحب عملية الكهربة أوجدت أيضا مهام جديدة للعمال وآلافا من فرص العمل الجديدة بأجور أعلى، الأمر الذي أدى إلى تعزيز الرخاء المشترك. لقد أثبت فورد أن إنشاء تكنولوجيا تكميلية للإنسان يعد عملا جيدا.
واليوم، يوفر الذكاء الاصطناعي الفرص للقيام بخطوات مماثلة. يمكن استخدام الأدوات الرقمية التي تعمل بالذكاء الاصطناعي لمساعدة الممرضين والمدرسين وممثلي خدمة العملاء على فهم ما يتعاملون معه، وما الذي قد يساعد على تحسين النتائج للمرضى والطلاب والمستهلكين. يمكن تسخير القوة التنبئية للخوارزميات لمساعدة الناس بدلا من استبدالهم. إذا تم استخدام برامج الذكاء الاصطناعي لتقديم توصيات لمراعاة البشر، فسيتم الاعتراف بالقدرة على استخدام هذه التوصيات بحكمة، باعتبارها مهارة بشرية قيمة. من الممكن أن تعمل تطبيقات الذكاء الاصطناعي الأخرى على تيسير تخصيص العاملين على نحو أفضل للمهام، أو حتى إنشاء أسواق جديدة تماما. "لننظر إلى تطبيقات Airbnb أو rideshare".
من المؤسف أنه يتم إهمال هذه الفرص، لأن معظم قادة التكنولوجيا في الولايات المتحدة يستمرون في الإنفاق بشكل كبير لتطوير البرمجيات القادرة على القيام بما يقوم به البشر بالفعل. إنهم يعلمون أنه يمكنهم جني الأموال بسهولة من خلال بيع منتجاتهم للشركات التي طورت الرؤى الضيقة. يركز الجميع على الاستفادة من الذكاء الاصطناعي لخفض تكاليف العمالة، مع قليل من الاهتمام ليس فقط بتجربة العملاء المباشرة، لكن أيضا بمستقبل القوة الشرائية والثقافية.
لقد أدرك فورد أنه من غير المنطقي إنتاج سيارات بكميات كبيرة، إذا لم يكن باستطاعة الأفراد تحمل شرائها. وعلى النقيض من ذلك، يستخدم عمالقة الشركات اليوم التقنيات الجديدة بطرق من شأنها تدمير مستقبلنا الجماعي.